الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين داعش والمطر

وليد الحلبي

2020 / 1 / 21
ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية


طالعت بلهفة وشوق مقالاً بعنوان (على هامش اللقاء الذي أجرته فضائية الميادين مع أحد الدواعش)، الذي نشرته على (الحوار المتمدن) بتاريخ 5 أبريل/ نيسان 2015، الأستاذة فيليتسيا البرغوثي، الصديقة القديمة، التي غطى على صداقتها غبار الزمن، القادر أن يغطي على أي شيء.
ولئن جاء التعليق على ذلك المقال متأخراً نصف عقد من السنين، فلربما كان ذلك مفيداً في تبيان ما جدَّ من تطورات جديرة بالملاحظة في مجال الإرهاب وجماعاته، ففي مقالها القيم، تناولت الأستاذة فيليتسيا وأبدعت، ذلك اللقاء مع أحد الدواعش، بالتحليل النفسي والاجتماعي لشخصية (هيثم النعيمي) طالب الفيزياء، وراقبت بدقة الملامح وحركات العينين واليدين (الذي يتيح لي رصده فك "شيفرة" مواطن الإجرام في النفس البشرية، والظروف التي آلت "لتوطين" أبشع درجات العنف داخل الروح)، واستنتَجَتْ الهذيان الذي تلبسه، والحيرة في أجوبته التي كانت مختصرة لا تشفي غليل مراسل القناة ولا المشاهدين. هنا يبدو أن الكاتبة قد منعت نفسها من التحليق بعيداً عن الشاشة الفضية ومجريات الحوار، لكي تتمكن من تخيل حالة العنف والسحق اللذين تعرض لهما هذا الجالس بارتباك أمام محاوره، وغيره من أمثاله في سجون الدكتاتوريات العربية العتيدة، التي كانت تستقبل سجناء أمريكا – والتي لا تتقن فنون التعذيب كتلك العربية – في سجونها الرهيبة لانتزاع الاعترافات، حتى وإن كانت غير حقيقية، تحت أساليب تعجز عن وصفها حتى ألسنة من تعرضوا لها (مصطفى خليفة في روايته "القوقعة" التي يروي فيها قصته التي استمرت 11 سنة في سجن تدمر الرهيب، يقول بأنه لم يتمكن في سرده من التعبير الدقيق عن أشكال التعذيب التي مر بها). في هذا التحليل للظاهرة الداعشية أرى أن الكاتبة تتوقف عند ظاهرة نزول المطر (ظهور داعش)، ولكنها تتجاهل تسلسل العمليات الفيزيائية التي تؤدي إلى نزوله (المسطح المائي، الحرارة، التبخر، التكثف) ثم أخيراً نزول المطر، ولو أنها كلفت نفسها مشقة البحث في هيكل النظام العربي منذ نصف قرن على الأقل، لأدركت أن المسطح المائي والحرارة والتبخر والتكثف، تلك العمليات الفيزيائية التي تؤدي إلى نزول الماء من السماء، كانت في سجون الأنظمة العربية.
بعد عرض اللقاء مع الداعشي، انتقل الحوار إلى الضيف محمد مرتضى، "الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية"، الذي أسهب في تحليل الأسباب ("الظاهرة" لا "الخافية") – لا أدري لماذا توقف عن ذكر الأسباب الخافية - وراء التحاق الشباب بالجماعات الإرهابية، (مشيرا لموضوع تشجيع "الهجرة" إلى الخلافة الإسلامية لاستقطاب المزيد من العرب والأجانب، ومعرجا إلى مصادر تمويل هذا التنظيم من نفط وسرقة الآثار وبيعها)، وهنا يبدو أن هذا الباحث المحترم قد غض الطرف عن سرقة دخول النفط العربي، سواء في سوريا لجيوب عائلة الأسد (في سوريا كان السؤال عن مصير دخل النفط، وما زال، يعتبر تهمة أمنية، حيث لم يكن ذلك الدخل يذهب إلى حساب الموازنة السورية)، أو لحكام دول الخليج، أما سرقة الآثار، فليس هناك داع للتذكير باشتغال الحكام العرب وحاشيتهم بالاتجار في آثار البلاد العربية، (نذكرمثلاً استخدام رفعت الأسد وحدات جنوده من سرايا الدفاع في البحث عن الآثار في مزرعة زوجة الرئيس السوري نور الدين الأتاسي، الذي سجنه حافظ الأسد حتى مات في السجن) أما الحديث عن بيع داعش للنفط، فلم يكن ممكناً للباحث المحترم أن يشير إلى ان النظام السوري كان، وربما لا يزال، هو الزبون الأول لنفط داعش. بالمناسبة وللإنصاف، يبدو أن السيد محمد مرتضى كان يقف من الموضوع موقفاً يتسق مع موقف طائفته، التي قام بعض منها – وأشدد "بعضٌ منها"- بارتكاب أعمال هي ابشع وأنكى مما اقترفته التنظيمات الإرهابية، وذلك عندما احتلوا مدينة القصير عام 2013، وذلك قبل قيام داعش.
ثم تعرج الكاتبة المحترمة، وقد أحسنت، على كتاب عبد الرحمن الكواكبي (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) لكنها اختارت التركيز على الاستعباد الديني، وأكدت على أن هذا النوع من الاستعباد، الذي يسيطر على عقول وأرواح الشباب، هو المسؤول عن تشكيل وظهور الجماعات الإرهابية، وبعد ذلك ألمحت بسرعة إلى الاستعباد السياسي ببضع كلمات لا تحمل في طياتها أي لوم أو تحميل مسؤولية للنظام الدكتاتوري العربي على ما جرى ويجري، فهل كان ذلك بسب موقف الكاتبة اليسارية المرن من الدكتاتوريات العربية، التي تدعي اليسار، لالتقائها معها في التوجه اليساري، مع أن اليسار في حقيقته، أو كما يدعي على الأقل، هو في صف الشعوب وحريتها المقدسة. لكنها وللإنصاف كذلك، ما يُحسب للكاتبة أنها تنهي مقالتها بأمنية من بضع كلمات: (أن ينهض من سباتهم صانعو السياسات والقرارات السياسية والاقتصادية)، وكفى الله الشعوبَ النضال.
جميع ما ذكرت لا يعني أبداً تبرير سلوك داعش الإرهابي ولا القبول به، إنما يرمي إلى التركيز على تجفيف منابع التطرف المتمثلة بالدكتاتورية التي تمارس تكميم أفواه الناس، والقمع والتعذيب في السجون، وتتسبب في انتشارالبطالة وانسداد الأفق أمام الشباب، ونشر الفساد بكافة اشكاله، وحرمان الناس من أبسط حقوقهم كبشر، إذ ما لم تجفف تلك المنابع التي أنبتت الإرهاب، فستبقى ينابيعها متدفقة لا تمل من رفد مجتمعاتنا بأمثال داعش وأخواتها التي ستظهر لاحقاً، وبكل ما هو سيئ وبذيئ وقميئ.
21 يناير 2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق شبكتنا في


.. رغم تصنيفه إرهابيا.. أعلام -حزب الله - في مظاهرات أميركا.. ف




.. مراسل الجزيرة ينقل المشهد من محطة الشيخ رضوان لتحلية مياه ال


.. هل يكتب حراك طلاب الجامعات دعما لغزة فصلا جديدا في التاريخ ا




.. أهالي مدينة دير البلح يشيعون جثامين 9 شهداء من مستشفى شهداء