الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر قاسم شاتي .. هل ستتبعه الفوضى

عدنان يوسف

2020 / 1 / 22
الادب والفن


في مجموعته الشعرية الصادرة عن دار تموز في دمشق سنة ٢٠١٩ والتي تحمل عنوان "اتبعيني ايتها الفوضى" وضمت اثنتين وثلاثين قصيدة لفت انتباهي ذلك الكم الكثير من الاسئلة التي تضمنتها تلك القصائد فرأيت ان ابدأ مقالتي عن المجموعة ، ايضا بسؤال انسجاما مع الكتاب الممتلئ بالاسئلة
يطلب الشاعر من الفوضى ان تتبعه ، لماذا ؟ وهو المنظم ، كل خطواته بقياس وبحساب ، ايريد ان يستدرجها لمهلك ، ام انها تمثل له الغواية التي يجب ان تتبعه بحكم احدى آيات الله التي تعد ولا تحصى .
ومنذ الصفحة الاولى نكتشف انه لا يعني بالفوضى تلك التي اسمتها "كونداليسا رايس" بالخلاقة ولا الصاخبة او العابثة التي تملأ المكان قلقا واضطرابا ، انما يخاطب فوضى اخرى ، ربما من ابتكاره فوضى انيسة ، صديقة وقد تكون جميلة و مرحة ، انها الفوضى المعتدلة . لكن هل هناك فوضى بهذه الصفة حقا؟
"ايتها الفوضى الجالسة على اريكة الاعتدال
اعرف
اني خارج المكان
اعرف اني داخل المهزلة"
هو يعرف ، كما يقول ، لذلك لن يدع الفوضى تبتعد عنه فهو الذي دعاها لأن تتبعه لذلك يحاول تهيئة اجواء مناسبة لتصبح رفيقته في درب يضيق ويتسع ويحب ويكره ويتياسر تارة وينغمس في اقصى اليمين تارة اخرى ، وهو (الشاعر) اليساري الملتزم بيساريته قلبا وقالبا هل يعني بذلك الطريق ام يعني نفسه وهل حصل انقلاب في تفكيره ورؤاه ، ربما سنعرف ذلك من خلال اجاباته المحتملة عن تلك الاسئلة التي وصفها ، هو بالكثيرة. وسنراه يعتني بالفوضى ، يهيء لها الاسباب لتحيا وتستمر ، لا ندري هل لحبه لها ام ليفتك بها بعد ان تطمئن اليه فهو يخاطب من اجلها الريح والشمس والبحار والانهار ، بل وينبش في اعماق التاريخ باحثا عن الموت واساليبه وطرقه في انتزاع الارواح الطيبة والشريرة
"ايتها الريح
استقري
تحت اشرعة المكان
فما عدت احتمل هذا الضجيج"
لماذا دعا الفوضى لتتبعه اذن إن كان لا يحتمل الضجيج

سأقرأ الديوان ، وسأبدأ من آخر قصائده
"الليلة
افتش في ذاكرتي
ابحث عن كل الاشياء المنسية
واحاورها
عن آخر اخبار الجوع
عن زمن يلبس وجه الممنوع"
انه يبحث عن اشياء ، لا رموز او قادة او مفكرين ، كما هو متوقع ، ليصنع معهم وبهم الغد الجميل الناصع ، يحاور اشياء منسية عن زمن رديء .
الكتاب مسكون بالاسئلة ، كما قلت ، سؤال يتبعه سؤال وسؤال يؤدي الى سؤال ولا اجوبة هل هو امتحان للقارئ ، ام هي الشكوى الدائمة للشاعر من بؤس واقع سببه ، كما يرى ، فشل الايديولوجيا واليسار تحديدا في صنع "الوطن الحر والشعب السعيد" الذي وعدت به تفاصيل نظريته . نكتشف ان السؤال لدى الشاعر ليس عابرا او مرحليا بل هو جزء اساس في رؤيته بل في تكوينه فهو "السؤال"ثالث ثلاثة اولهم الشاعر نفسه تأتي بعده اليقظة :
"كنا ثلاثة
انا
واليقظة
والسؤال"
وهؤلاء الثلاثة الثابتون لهم رابع متغير ، فتارة يكون البحر وتارة هو الوقت ومرة يكون الخوف . انا شخصيا ظننت ان هذا الرابع سيكون المعادل الموضوعي لليأس وتمنيت ان يحمل شيئا من امل او حلا للازمة المتفاقمة في حياة الشاعر والتي تظهر جلية في اغلب قصائده لكن للاسف خاب ظني فروابع قاسم شاتي كلها "سيئة" ؛ فالبحر
"مغرم بالكسل والشحوب"
والوقت
"بدين جدا
بطيء جدا"
اما الخوف فهو اضافة لكونه سيئا بطبعه فهو يرتبط عند الشاعر
"بأسمال السياسة المصنوعة في دول الجوار"
هذه الشكوى المريرة من خراب مستمر لا نرى في الافق من نهاية لها بتوفر حل ولو جزئي ، ما هو دور اليقظة اذن ؟ يقول الشاعر اجابة للسؤال
"اقدامنا
تنبت في حجر السياسة
وآخر الايديولوجيات المبتكرة
في دكاكين الاساطير"
فهو اليأس يطبق على الشاعر ويبعد يقظته عن دراسة حلمه التاريخي وخططه "الواقعية" في العمل على تحققه وها هو يرسخ اليأس في الابيات اللاحقة :
"فتورق الحكايات
شجرا
ميتا"
واخيرا ينفرط عقد الثلاثة ويختفي الرابع الذي بنينا عليه بعض الامل
"كنا ثلاثة
فابتعدنا
قليلا
قليلا
ثم افترقنا"
وينتهي المطاف بالشاعر الى مكان تغلق فيه كل الابواب ليعلن أن لا حل فهو يقول ان الاساس الخطأ لا يحمل بناء سليما ، بتصريحه :
" كالاشياء التي افترضناها خطأ
تقادمت
ثم انتهت حيث يكون المنتهى
منعطفا للنهايات
وهوسا للجنون
لا يفهمه الا المسرفون في يقظتهم"
وفي قصيدة اخرى نقرأ له ذات الاراء المحبطة :
على واجهات يوم جديد
اعرفه
بمزاج غامض
يسكن في اقصى اليسار
وحينا يسكن في اقصى اليمين
***
يعرفني
ويكاد ينسى
ملامح حارتنا القديمة
والمدن البدينة التي خذلتنا
ثم يطلب مني ان لا افارقه
فاختلفنا
دون قصد

ولو تركنا الفكر والسياسة وتحدثنا عن لغة الشاعر وبنائه للقصيدة سنجد ملامح جميلة وبناء سليما ، نستمتع برقته وانسيابيته العذبة ، المرنة والسهلة الممتنعة فنقرأ وصفا دقيقا ، فنيا لأشياء نحبها في تصوير بديع لشاعر متمكن
"الوقت شمس
تآكلت اطرافها
فاستسلمت مسترخية للبرد"
وفي غنائية جميلة استحضر ، انا القارئ لحنا لأقرأها على وقع موسيقاه يقول ابن شاتي :
بيتنا
مقفل
والعصافير النافرة من انين الشجر
غالبا ما تهز الشبابيك
وتلاعب شجر الرمان
وثمار الزيتون
كثيرة هي الاسئلة
***
وبيتنا القديم
لم يزل مقفلا
وبيوت الجيران
عربات
وسفر

-- نصوص جميلة ، مختارة

وجه آخر

لي وجه
ينهض من ثمرات الشك
اسئلة وحكايات
له نكهة الارض المبتلة
ومزاج الحروب

الغيمة

ايتها الغيمة
لا ترم مفاتنك بأحضان الثلج
دمك نار
جسدك احتراق
صلاة

قصائد قاسم شاتي في مجموعته المتميزة جميلة واذكر منها هنا تلك التي قرأتها لاكثر من مرة

* اعترافات ... امام الخليج
* الوهم
* بيت من قصب الماء
* اختبارات الكلام
* الان ... قبل الف عام
* الزمن الاخر

احيي الشاعر لمنجزه المهم واشكر دار النشر لحسن التصميم والاخراج وادعوهم للاعتناء بالطباعة والتدقيق (وهي مسؤوليتهم) فقد لاحظت ان الدار تفتقد المراجع او المصحح اللغوي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا