الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(الظاهرة) بين التعايش والتجاوز

محمد بلمزيان

2020 / 1 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


كثيرة هي الظواهر الإجتماعية التي يتعايش معها المجتمع ، وتصير مع مر الأيام والسنين شبه قواعد لا يمكن المساس بها، تتوارثها الأجيال أبا عن جد وتصير أحيانا كقوانين مقدسة غبر قابلة للتجاوز أو حتى التعديل أو المساس بها، لماقد تشكله من خروج عن أعراف بمثابة قوانين اجتماعية والتي هي في حقيقة أمرها ضياع لمصالح قطب معين أو أطراف معينة تستفيد من هذه الوضعية ،والتي تفرض نفسها كمعايير العيش المشترك بغض الطرف عن هذا ( العيش) غير المتكافيء، الذي يبدو قهريا أو مفروضا ، على الجميع الإنسياق إليه مهما كانت الظروف ، وكل خروج عن هذا السياق يعتبر في عرف المجتمع تمردا وتجاوزا للمألوف. فهناك ظواهر سائدة في مجتمعاتنا اليوم تجد تربة خصبة للنمو والتناسل بكيفية غريبة، تشكل عائقا كبيرا في التنمية وبناء المؤسسات الديمقراطية والحقيقية، لعل أخطرها هي الفساد والرشوة، فكم من تقارير تحدثت وأقرت بخطورة هذه الآفة ومضاعفاتها على الدول والمجتمعات، لكن لاتستلهم تلك التقارير والدراسات بشكل يتيح تجاوز هذه الظاهرة والعمل على تطويقها، وذلك بوضع تشريعات جديدة أو تفعيل قوانين موضوعة من أجل هدم البنية الإجتماعية والثقافية التي تؤسس وتقبل بنمو هذه الظاهرة. فحينما نسمع ونتابع أحيانا حملات أطلقت لمحاربة بعض من هذه الظواهر وتشنف أسماعنا وسائل الإعلام المختلفة ، يعتقد معها البعض واهما بأن هذه الظاهرة ستمضي الى غير رجعة وستنمحي بين عشية وضحاها عبر فاصل اشهاري، والحال أن استعمال مصطلح ( محاربة) لا يستقيم مع حجم هذه الظاهرة المنغرسة عميقا في التربة المحلية، فأي محاربة و التجرؤ على إيقافها بكيفية سريعة هو مجرد دغدغة للمشاعر واللعب على أذهان الناس، إذا لم تواكب العملية بترسانة من القوانين الفعالة مقرونة بإرادة سياسية حقيقية لتجاوز المرحلة والدخول الى فصل جديد بثقافة مغايرة تماما. فالرشوة على سبيل المثال لا الحصر من الظواهر التي تقض مضاجع العديد من المجتمعات والدول، وهي التي تقف حجرة عثرة في وجه التطور الطبيعي والحقيقي لهذه المجتمعات، وتعيق بالتالي المسار الجيد للتنمية الشاملة، فلا يمكن في اعتقادي (محاربة) هذه الوضعية إلا عبر مدخلين، أولهما تربوي وتعليمي/ ثقافي والثاني مؤسساتي وسياسي.
فإذا افترضنا سلفا بأن مؤطرا واستاذا سبق له أن تحصل على شهادته التعليمية عبر الوساطة والغش واجتاز لاحقا مباراة الولوج الى ميدان التعليم مثلا، فكيف يمكن أن نتصور طريقة تدريسه وتكوينه للأجيال !؟ فمن الطبيعي اذن أن تطفو على السطح القاعدة المعروفة ( من شب على شيء شاب عليه ) فسيحاول مهما كانت البيئة المحيطة بالغش والتحايل والإستهتار بعمله بشكل من الأشكال،(فكم من الحالات التي تتناقلها وسائل الإعلام تم ضبطها كحالات غش تزوير الشواهد أو ارتشاء أحيلت على القضاء ) لكونه يعترف في قرارة نفسه بأن أغلب ما يحاول أن يوصله الى المخاطب والنشيء وما يطالبه به غير قابل للتحقق في الواقع، وهناك طرق أخرى تتبع للحصول على نقط وامتيازات بطرق مختلفة تقوض مفهوم تكافؤ الفرص بين المتعلمين، الشيء الذي يجعل هؤلاء مجبرين على سلوك نفس المسلك حينما يصطدمون بجدار سميك من الزبونية والبيروقراطية وهلم جرا من المفاهيم والمسلكيات التي تجري خلف الكواليس، وهي التي تشكل ( المعيار) في النجاح في الإمتحان أو التباري والترقي ، فتصير هذه الثقافة متوارثة من جيل وآخر، فمنذ الصغر يصبح الطفل مستأنسا معها ويتقبلها بشكل تدريجي، ويصبح الغش في الإمتحان أو الإعتماد على الوساطة والنفوذ ومختلف أشكال التدخلات المنحرفة سلعة مطلوبة في زمن التردي العام وانتشار الفساد، فكيف يمكن لهذا النشىء الذي كبر وتنفس مع هذه الثفافة منذ صغره في المدرسة وطوال مساره التعليمي وبنفس العقلية التي تنتشر في المرافق الإدارية لقضاء الأغراض اليومية، أن نطلب منه ونطالبه فجأة بالتوقف عن القيام بهذه السلوكات، فالقضية لا يمكن استصغار حجمها وخطورتها، ذلك أننا كمن ينتظر من شجرة التين الهندي أن تعطي تفاحا بشكل سريع دون الخضوع الى مراحل التلقيح والتحويل البيولوجي من وضعية الى أخرى والقيام بمجهود حقيقي في هذا الإطار، وهذا في اعتقادي مربط الفرس، فإذا لم تنخرط المدارس بجميع مستوياتها في هذا المشروع المجتمعي الضخم كأحد الأعمدة الرئيسية لبناء المجتمعات، عبر برامج تربوية وتعليمية تربي النشىء على ضوابط ثقافية وتربوية واضحة، تفرق بين الغث والسمين،وعبر تحفيز واستنفار جميع المؤسسات والنوادي الثقافية والأسر وتشجيعها على نشر ثقافة المسؤولية الفردية والشفافية في العمل وتخصيص جوائز تقديرية رمزية في هذا الخصوص، وتوفير ترسانة قانونية كفيلة بمعاقبة المسلكيات المنحرفة التي تحن الى استعادة تركة هذا الماضي الفاسد أو تحاول انتهاج طرق خارج ضوابط القوانين الدستورية، والتي يجب أن تخضع لمراجعة وتحيين متتالية لتستجيب للتطور البشري وتواكب حاجات الناس في مختلف الميادين الإجتماعية، فإن الوضعية ستبقى كما هي أو ستستفحل أكثر من ذي قبل وستظل أية مشاريع للإقلاع عن وضعية الفساد عبر حملات موسمية مجرد صب للمياه في الرمال لن تعطي ثمارها على المدى المنظور إذا لم تقترن باستنفار حقيقي لقطاع التعليم والتربية بموازاة المقاربة الإدارية والمؤسساتية المستوعبة للمخاطر الحقيقية لهذه الظاهرة على كافة مناحي الحياة الإجتماعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خطوة جديدة نحو إكسير الحياة؟ باحثون صينيون يكشفون عن علاج يط


.. ماذا تعني سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معب




.. حفل ميت غالا 2024.. إليكم أغرب الإطلالات على السجادة الحمراء


.. بعد إعلان حماس.. هل تنجح الضغوط في جعل حكومة نتنياهو توافق ع




.. حزب الله – إسرائيل.. جبهة مشتعلة وتطورات تصعيدية| #الظهيرة