الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدونات : إعلامنا البديل

كريم عامر

2006 / 6 / 1
الصحافة والاعلام


على الرغم من حداثة ظهورها فى الفضاء الإلكترونى العربى ، حيث أن عمرها لم يتجاوز بعد السنوات الأربع على أكثر تقدير ، إلا أن ظاهرة المدونات ( البلوجرز ) أثبتت تفوقا منقطع النظير على الإعلام العربى الحكومى الرسمى ، سواء من جهة تعاملها المباشر مع الواقع دون تردد أو خجل ، أو خوضها المباشر فى الأحداث الجارية وإنتزاع الأخبار المدعمة بالصور الثابتة والمتحركة من قلبها وإتاحتها للجميع دون قيود ، أو إعطائها الفرصة لشريحة عريضة من المجتمع كانت أفواهها حتى وقت قريب مكممة أن تسمع صوتها للعالم معبرة عن آرائها الخاصة بإمكانيات مادية متواضعة للغاية تقع فى متناول أيدى الكثيرين ، الأمر الذى دفع العديد من الباحثين فى المجالات الإعلامية والثقافية والإجتماعية والسياسية والإقتصادية أن يضعوها نصب إهتمامهم متعاملين معها بنفس القدر من الإهتمام الذى كانوا يولونه لوسائل الإعلام الرسمية حتى وقت قريب ، فى ذات الوقت الذى وُضِعَ فيه أصحاب هذه المدونات كهدف رئيسى للحكومات القمعية وأجهزة أمنها التى لم تتورع عن التنكيل بهم وإعتقالهم كرد فعل يائس تجاه مواقفهم الصلبة التى وضعت الحكومات فى مآزق حقيقية .
وتتركز أهمية المدونات فى كونها أدوات تعبير عن أصوات كانت حتى وقت قريب مخمدة يحتكر البعض التحدث نيابة عنها دون أن يتاح لأى منها فرصة الرد أو الإعتراض على فرض هذه الرؤية الواحدة عليهم لأن وسائل الإعلام وقتها لم تكن فى متناول أيديهم ، فمن كان يمتلك وسيلة للإعلام كان له الحق فى الحديث نيابة عمن لا يملكها ولا يستطيع أن يوصل صوته من خلال وسيلة مكافئة ، ولكن إنتشار الإنترنت ثم بروز ظاهرة التدوين إلى السطح غير تماما من هذه المعادلة الجائرة لصالح الأفراد لدرجة لفتت النظر إليها من قبل المهتمين بالمجالات الإعلامية مما جعلهم يطلقون عليها إسم " صحافة المستقبل " ويعدونها إعلاما بديلا لوسائل الإعلام الرسمية التى تحتكرها الحكومات ولم تعد تمثل - فى الحقيقة - إلا بضعة أشخاص يتربعون فوق قمة هرم السلطة ! .
إن من يملك مكبرا للصوت قادر على أن يجبر آلاف الأشخاص على الإنصات إليه ، ولكن من لا يملك سوى لسانه وحنجرته لا يستطيع أن يبلغ إعتراضه على مايبث عبر هذا المكبر لكل من تلتقط آذانهم الصوت الصادر عنه ، هذا إذا لم يخمد صوته المغرد خارج السرب بقوة المتأثرين برخامة الصوت الشجى الآسر الصادر عن هذا المكبر ، ولكن عصر الحرب الغير متكافئة والمحسومة سلفا من الناحية المادية بين مالك المكبر للصوت وصاحب الحنجرة واللسان قد ولى إلى غير رجعة عندما منحتهما التكنولوجيا الحديثة فرصا متكافئة للتعبير عن آرائهما المتناقضة فى الوقت الذى سيعدم فيه الجمهور المتأثر كليا بما يبثه أحدهما ، لأنه هو الآخر سيكون له رأيه الخاص الذى سيتمكن من بثه عبر وسيلته الإلكترونية المتاحة بحرية مطلقة لا يقف شىء فى وجهها اللهم إلا قناعاته الخاصة التى لا سبيل لأحد غيره إلى تغييرها ! .
لقد وضعت ظاهرة التدوين الحكومات القمعية المتسلطة فى موقف حرج تماما ، فمن ناحية ، لا يستطيع أحد تكذيب الأخبار المدعمة بالصور ولقطات الفيديو الحية التى تبثها المدونات فاضحة الإنتهاكات الفظيعة التى ترتكبها الحكومات ممثلة فى أجهزة أمنها بحق شعوبها ، ومن ناحية أخرى ، فقد بدأ الإعلام الحكومى يفقد جمهوره كنتيجة طبيعية لفقدانه المزمن لمصداقيته عندما بدأ الناس يعرفون طريقهم نحو المدونات بما تحويه من مباشرة فى التعامل مع الأحداث وبثها العفوى والصادق للأخبار من موقع الحدث الأمر الذى لا يتوافر فى وسائل الإعلام الرسمية التى تحولت إلى أبواق تدافع عن النظام وتغض الطرف عن ما يمكن أن يؤثر على سمعته فيما تبثه من أخبار .
وما يحدث الآن من ردود فعل جنونية من قبل أجهزة الأمن بإعتقالها للمعارضين من أصحاب المدونات الشخصية الذين يتفردون بكشف الفظائع الحكومية بصورة يومية موثقة بالأخبار التفصيلية والصور ومقاطع الفيديو الصوتية التى لا مجال لتكذيبها يعد بداية لنهاية عصر الإحتكار الإعلامى وتوجيه الجماهير الذى أوشك على الأفول مع بداية عصر السماوات المفتوحة .
فعصر الطوفان الإلكترونى قد بدأ مكتسحا فى طريقه كافة الوسائل التقليدية التى أصبحت من مخلفات العهود البائدة ، والذى لا سبيل إلى مقاومته والصمود أمامه ، فلن تستطيع العصى المكهربة فى أيدى قوات مكافحة الشغب تحطيم جميع أجهزة الحاسوب أو القضاء على شبكة المعلومات الدولية أو السيطرة على المدونات وإغلاقها أو إخضاع أصحابها لسطوتها ، فلم يعد أحد يملك وحده السيطرة على هذا الطوفان الإلكترونى ، ولم تعد هناك قوة فى العالم تستطيع فرض سيطرتها على شبكة الإنترنت وتوجيه آراء مستخدميها لصالحها .
لم ينتهى الطوفان الإلكترونى - بعد - من إتحافنا بكل مفاجآته ، لأنها - على حد إعتقادى - لا نهاية لها ، ولكن ما أستطيع أن أؤكده هو أن هذه المفاجآت ستكون - بشكل عام - فى مصلحتنا كأفراد وستزيد من إحساسنا بالتفرد والإستقلالية ، وستسلب تدريجيا مفاتيحنا من بين أيادى من يتحكمون بمصائرنا ، فعصر الرؤى الشمولية إلى زوال ، وهانحن نبصر بأعيننا - المجردة - مبشرات أفوله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-