الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-نريد وَطناَ!ً-

إلهام مانع
إستاذة العلوم السياسية بجامعة زيوريخ

2020 / 1 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


"نريد وطن!"
قتلتنا هذه الجملة.
لكنها ببساطتها عبرت عن ما يبحثن عنه. حلم جيل جديد، لم يعرف غير الحروب. لكنه يصر أن يحلم. يحلم بوطن يحبه كما يحبوه.
يريدون وطناً. يردن وطناً.
وطن يحترم كرامتك. أدميتك. حقوقك المتساوية. وطن يضع الإنسان في مقلتيه. وطن لا يسألك عن مذهبك. عن دينك. عن جنسك. عن مكانتك المجتمعية.
للإنسان فيه. مواطن ومواطنة.
وطن للجميع.
تلك العبارة كانت محور عرض مسرحي قصير بعنوان "ظلي يتكلم" تم تقديمه في تونس على هامش مهرجان أدب المرأة العربية "صوتي قلمي" في يناير 2020. العرض كان من فكرة وإعداد وتنفيذ مدربة الكتابة الإبداعية نداء محسن، ومثلته باقة من الكاتبات والمبدعات العراقيات المشاركات في المهرجان.
عرض قصير. لم يستغرق أكثر من عدة دقائق. لم ينطقن فيه بكلمة. فتاة تتوسط مجموعة من الفتيات. كلهن يضعن شريطاً لاصقاً على أفواههن. هي جالسة على ركبتيها. تحتضن علم العراق. كطفل صريع. يلفظ أنفاسه بين ذراعيها.
تحتضنه وتمد يدها إلى من حولها. وهن يردوها بجلافة. هن يشيحن بوجوههن. هن كالصخر. لا يستجبن.
تبداً بخربشة كلمات على لوحات. بسرعة. بلهفة. أول لوحة "نريد وطن". تقدمها لإحدى الواقفات. تضعها على صدرها. فتأخذها منها وتمزقها.
تنحني وتكتب من جديد. بحرقة. لوحة ثانية "سلمية". ترفعها وتقدمها إلى غيرها من الواقفات. نفس ردة الفعل. باردة. تعرض بوجهها، ثم تقذفها بصلافة.
تنحني من جديد وتكتب. لافتة جديدة "أوقفوا قتل الناشطين". لكن من حولها لا يبالي. يتحركون حولها بلا اكتراث.
عن أي وطن تتحدثين؟
يصعب عليها ذلك الصمت. ذلك الخذلان. فتأخذ علم العراق وتلفه حول نفسها. وتمسك باللوحة. "نريد وطن". تقف وحيدة وسطهن. ثم يرتفع صوت الرصاص. لتسقط صريعة. حينها يتحركن. تتقدم إحداهن. تأخذ العلم وتلفه حولها من جديد. تبدأ المجموعة في الانتباه. يرفعن الشريط اللاصق عن افواههن. ثم يقفن صفا واحداً. ويغنين ذلك النشيد الذي نعرفه جيداً "موطني".
في تلك اللحظة، انتبهت إلى ان الدموع تسيل على وجهي، منهمرة، تماماً كما كانت تسيل على وجوه كل من حولي.
كنا كاتبات، من مصر، لبنان، سوريا، العراق، ليبيا، تونس، واليمن.
ودموعنا اجتمعت على تلك العبارة.
القاعة بأسرها كانت تنعي وطناً. وطناً شارداً. نبحث عنه.
كان هماً واحداً.
كان وجعاً واحداً.
جمعنا على اختلاف بلداننا.
نريد وطناً. يحترمنا.
نريده أن يحبنا كما نحبه.
كي نبنيه بأذرعنا.
تلك الدموع التي ذرفناها جعلتني ادرك من جديد ان التغيير ممكن، وأن الصمت جريمة، وأن الإنسان فينا هو الحل. هو القادر على التغيير.
مجموعة من العراقيات الشابات المبدعات ذكرتنا بذلك الحلم. حلم جيل جديد، لم يعرف غير الحروب. لكنه يصر أن يحلم. يحلم بوطن يحبه كما يحبوه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب جامعة أكسفورد البريطانية يواصلون الضغط على جامعتهم لمقا


.. خفر السواحل الجيبوتي يكثف دورياته بمضيق باب المندب




.. وصفته بـ-التطور الشائن-.. وكالة -أونروا- تغلق مجمّع مكاتبها


.. بين مؤيد ومعارض.. مشرعون أمريكيون يعلقون على قرار بايدن بتجم




.. السويد.. مسيرة حاشدة رفضا لمشاركة إسرائيل في مهرجان غنائي في