الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأوجه القاونينة الدولية لقضية الصحراء المغربية

البرني نبيل

2020 / 1 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


يرتبط ملف والوحدة الترابية المغربية، بجذوره التاريخية التي تعود بنا إلى سنة 1830، التي تعتبر النقطة الأساسية التي يجب الانطلاق منها في أي دراسة تتعلق بمقاربة مشكل الوحدة الترابية المغربية، فهذه السنة تكتسي أهميتها باعتبارها السنة التي شكلت بداية تدخل الأجنبي الفرنسي، والاسباني بعده، في المنطقة من بوابة الجزائر كأول مستعمرة في المنطقة في هذا التاريخ، وما أعقبه من انطلاق للمقاومة الجزائرية بقيادة الأمير عبد القادر، الذي استفاد من دعم السلطان المغربي والمغاربة، باتخاذه للحدود المغربية مجالا يحتمي بها، وخلفية ومنطلق لعملياته ضد الفرنسيين، فمنذ هذا التاريخ بدأ التوتر بين المغرب وفرنسا، بسبب الدعم اللامشروط للمغرب للثورة الجزائرية، التي انتهت باصطدام الجيشين المغربي والفرنسي في اسلي يوم 14 غشت 1844، انكسر فيها الجيش المغربي أيما انكسار، واضطر بعدها إلى ملاحقة الأمير عبد القادر على الأراضي المغربية، وانتهى به الأمر إلى تسليم نفسه للفرنسيين سنة 1847م .
واعتبرت هذه المسألة أول ثغرة في العلاقات المغربية الجزائرية، وانطلاق سوء الفهم بين الطرفين الذي سيستمر حتى خلال فترة ما بعد الاستقلال في العلاقات بين البلدين، إذ دخل الأدباء والمؤرخون في الخط بين من ذهب إلى حد تخوين المغاربة، ومن دافع وأقر بالدعم المغربي للمقاومة الجزائرية، استمرارا في البناء المشترك للتاريخ داخل الاديولوجية القائمة على دار الإسلام ودار الكفر.
وسيشكل انكسار المغرب في معركة اسلي تقوية للجانب السياسي لفرنسا الذي ظهر جليا وبقوة في معاهدة لالة مغنية يوم 18 مارس 1845، الموقعة بين الطرفين التي كانت مقرراتها تسير في نفس اتجاه المشروع الاستعماري الفرنسي في المغرب، عبر الحرص على ترك الحدود بين هذا الأخير وبين الجزائر الفرنسية وهمية وفق البنود الرابع والخامس والسادس أساسا ، لترك مجال للمناورة الفرنسية على هذه الحدود، والاستمرار في اقتطاع أجزاء ترابية من الخريطة السياسية المغربية، وإلحاقها بالجزائر الفرنسية آنذاك، هذه الأجزاء التي ستشكل في مرحلة ما بعد الاستقلال إشكاليات متعددة على مستوى الحدود بين الطرفين من جهة، وعلى مستوى العلاقات الثنائية بينهما من جهة أخرى
فبعد الاستقلال ستظهر مشكلات السيادة واستكمال الوحدة الترابية، فاندفع المغرب ليسترجع الأولى مباشرة بعد اتفاق إلغاء الحماية مع فرنسا، وجدولة الوحدة الترابية واستكمالها عبر مراحل ( 1956- 1958- 1969- 1976...)، والدخول في مفاوضات مع الجزائر حول مسألة الحدود بينهما، التي ظلت تراوح مكانها بسبب اختلاف مواقف الطرفين بين مغرب ينادي بحدوده التاريخية، وجزائر متمسكة بحدودها الموروثة عن الاستعمار، هذا المبدأ الذي تبنته بشكل رسمي منظمة الوحدة الإفريقية منذ 1964، سيرخي بظلاله وانعكاساته السلبية على التعاون المغربي الإفريقي عامة على حل ملف أرق هذه المنظمة طويلا هو قضية الصحراء في إطار هذه المنظمة، ما سيدفع المغرب إلى سحب هذا الملف منها ورفعه إلى المستوى الدولي في إطار الأمم المتحدة منذ ستينيات القرن العشرين، ودخل بذلك هذا الملف أروقة الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية التي درست الوضع القانوني لهذه القضية وكلفت بالإجابة على السؤالين من طرف الأمم المتحدة: هل كانت الصحراء أرضا خلاء قبل الاحتلال الإسباني؟، وإذا كان الجواب بالنفي ما هي الروابط القانونية التي كانت قائمة بين الصحراء والدولة المغربية من جهة والكيان الموريتاني من جهة أخرى؟ .
خرجت محكمة العدل الدولية باستشارة معروفة سنة 1974 تعترف فيها بوجود روابط بيعة بين قبائل الصحراء والمغرب، لكن دون الاعتراف بسيادة المغرب على هذه المناطق، ما جعل هذه الاستشارة ملغومة وتقبل تأويلات متعددة، أولها كل طرف لصالحه وما يخدم مصالحه في المنطقة.
ويقتضي هذا الموضوع التطرق بالبحث والدراسة لثلاث قضايا أساسية، الأولى مسألة السيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية، الذي يقتضي العودة إلى جذور قضية الصحراء ومشكلاتها، وبالتالي الحقوق التاريخية للمغرب في هذه الاقاليم، والثاني مسألة تقرير مصير السكان الصادر عن الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية فيما بعد، ثم مبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار الذي تبنته منظمة الوحدة الإفريقية من خلال التوصية الصادرة عنها في القاهرة 1964.
العنصر الأول يتم التطرق له على ضوء استشارة محكمة العدل الدولية، التي سنعمل على صياغة بعض الاستنتاجات حول مقرراتها وتوصياتها فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، سننطلق من التناقض الأول في استشارة هذه المحكمة، المتعلق ببحثها في مسألة الأرض بدون سيد، إذ اعتبرتها، هي الأرض غير المملوكة لأحد، واعتبرت أن السيادة ترتبط بالدول فقط، على اعتبار أن الفقه القانوني، حسب هذه المحكمة، أقصى أن تكون للقبائل سيادة على التراب، وهنا تكون محكمة العدل الدولية تتناقض مع نفسها عندما اعتبرت سنة 1884 سنة انطلاق البحث في قضية الصحراء، على اعتبار أنها السنة التي فرضت فيها إسبانيا الحماية على هذه الأقاليم، بناء على عقود موقعة مع شيوخ القبائل في هذه المناطق، وهنا يطرح التساؤل حول أحقية هؤلاء الشيوخ في تفويت ما لا يملكون وما ليس لهم عليه سيادة، هذه الأخيرة التي تربطها المحكمة بالدول وتستبعد أن تكون للقبائل سيادة.
إلى جانب ما تعرضت له استشارة المحكمة الصادرة سنة 1974 من نقاش ونقذ وتأويل لمقرراتها بين أطراف النزاع وفق ما يخدم مصالحها، فمحكمة العدل رأت أن الصحراء تربطها مع المغرب علاقات بيعة، ومن جانب آخر رأت أن هذه البيعة لا تولد السيادة عن التراب من الجانب المغربي، فما يمكن أن نثيره من استنتاجات في هذا الأمر أن محكمة العدل الدولية علمنت مبادئ بعيدة عن العلمانية، وإذا ما دققنا في هذين الإقتباسين يتبين أحد الأمرين، إما أن المحكمة اعتبرت أن المغرب دولة مبنية على علاقات دينية، أو أن المغرب ليس دولة لأن العلاقات الدينية لا تولد السيادة، وهو أمر لا يقر به أحد، على اعتبار أن الشعب الذي يبايع السلطان في المغرب منذ قرون لا يسكن بين السماء والأرض. كما أن السيادة التي تقصدها محكمة العدل الدولية تعتبر القصد والإرادة في التصرف كصاحب سيادة، مع وجود ممارسة فعلية على التراب، إلا أنه ما يمكن تسجيله هنا أن ممارسة فعالة لهذه السلطة لا يمكن تطبيقها على مناطق صحراوية قاحلة يقطنها عدد قليل من السكان يعيشون على الترحال.
والاستنتاج الثاني الذي تم التوصل إليه هو أن المغرب مع أنه كان تحث الحماية لم يفقد شخصيته الدولية.
وفيما يتعلق بالعنصر الثاني المتعلق بتقرير المصير، فأول ملاحظة يمكن تسجيلها هنا، هي أن منظمة الأمم المتحدة لم تقدم تعريفا واضحا ومنهجية محددة يمكن إتباعها في تطبيق هذا المبدأ، إلى جانب أن المحكمة تجاوزت اختصاصاتها التي حددت لها من طرف منظمة الأمم المتحدة في الإجابة عن السؤالين، عندما أكدت على ضرورة تقرير المصير بالمنطقة، على الرغم من علمها أن هذه الأخيرة لا تتوفر إلا على طبيب واحد ومحامي واحد و12 تقنيا، هذا ما سيجعلها عالة على مصادر خارجية لتسيير شؤونها.
والاستنتاج الثاني في هذا العنصر، يرتبط بالتوصية المربكة الصادرة عن محكمة العدل الدولية القاضية بتقرير المصير، بكونها لم تقدم تعريفا واضحا لمفهوم " الشعب"، ولم تضع معايير ذلك خصوصا وأنها تميز بين الشعب والساكنة، وتقول أن الساكنة ليست هي الشعب، وأن الساكنة لا تمثل الشعب بالضرورة، وهذا ما تؤاخذ عليه المحكمة بكونه أمر غير دقيق، اعتبارا إلى أن سكان الصحراء لا يشكلون شعبا قائما بذاته، لأن استمرارية الشخصية الدولية للمغرب، استدعت استمرارية وجود شعب ككل، مما يجعل الوحدة الترابية للمغرب سابقة على مبدأ تقرير المصير، وإذا كان الأمر كذلك خاصة وأن المحكمة تقصد بتقرير المصير التحرر من الاستعمار، فإنه لا يمكن الحديث عن حق كوني لتقرير المصير، بل فقط حق الشعوب الخاضعة للاستعمار في التحرر.
وفي إطار العمل على تحقيق مبدأ تقرير المصير في إفريقيا ومنها الصحراء، فإن منظمة الوحدة الإفريقية، اعتمدت مبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار الصادر في توصية القاهرة سنة 1964، التي أوصت بالتزام الدول الإفريقية باحترام الحدود ما بعد الاستقلال، فهذا الرأي يتعارض مع المقتضيات العامة للقانون الدولي القاضي بتغيير الحدود ومراجعتها بطرق سلمية، هذا ما يطرح عدة إشكاليات بالنسبة للدول التي كانت قائمة ومحررة قبل الحملة الاستعمارية كالمغرب وإثيوبيا وليبيريا، لأن هذه الدول من حقها المطالبة بحقوق ترابية يعود تاريخها إلى ما قبل الاستعمار، هذا ما يجعل النظر في هذا المبدأ نظرة يجب أن تكون غير مطلقة، مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلاف الموجود من حالة إلى أخرى، خاصة إذا استحضرنا تسويات حدودية سلمية منصفة بين دول وافقت على هذا المبدأ على سبيل المثال ( بوركينا فاسو ومالي ...).
كما أنه ولما كان المغرب لم ينازع في الصحراء حول حدود معينة، وإنما طالب بإقليم الصحراء، فالنزاع الذي كان قائما مع إسبانيا وتم حله عن طريق التفاوض، يعد نزاعا ترابيا وليس حدوديا، ولما كان مبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار، يهم فقط النزاعات الحدودية بين الدول المستقلة، فإنه بالتالي لا ينطبق ولا يسري على قضية الصحراء.
وقد وضح التطور التاريخي لقضية الصحراء، أن تقرير المصير كحل وحيد لم يؤدي إلى أي نتيجة أو تقدم يذكر، مما يجعل ساكنتها كباقي الشعب المغربي، لا يمكن أن تتمتع إلا بحق تقرير المصير الداخلي الذي يمكنها من الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، هذه المبادرة التي اقترحها المغرب سنة 2007، إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي كون آنذاك، حيث يتولى سكان الصحراء، وبشكل ديمقراطي تدبير شؤونهم الداخلية بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية تتمتع باختصاصات حصرية تتكفل بالأمور المالية والاجتماعية والتربوية ، مع انتخاب برلمان الحكم الذاتي في الصحراء وحكومة الجهة.
إلا أن هذه المبادرة لقيت معارضة من الأطراف الأخرى في النزاع، على اعتبار أنها لم تصدر عن هيئة أممية أو عن تفاوض بل عن مبادرة مغربية فردية، ما دفع الجزائر والبوليزاريو إلى رفض هذا المقترح جملة وتفصيلا واقترح هذا الأخير مبادرة تقوم على تصفية الاستعمار عبر الاستفتاء وتقرير المصير، كرد عن الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا