الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحرب. - أغبى الأغبياء

مصطفى علي نعمان

2003 / 4 / 11
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


اليوم الثاني والعشرون، الخميس، 10 نيسان، 2003

أغبى الأغبياء.

جاء صوت ابنتي مبللاً بالدموع، من خلال سماعة التلفون، قاطعاً آلاف الأميال:

- قل لي: أ نفرح أم نأسى ونحن نرى وطننا يمزقه الأعداء! بأي سرعة انتهى كل شيء!

أعرف ابنتي، عندما قالت أعداء فذلك يعني أنها تشمل "المقبور بأمر الله"، إضافة إلى الغزاة أيضاً، لكنها عندما قالت "بأي سرعة" أدركت أنها صدمت كغيرها، والكثير من المساكين، تسعة وتسعين بالمئة منهم عرب من غير العراقيين، غسلت أدمغتهم دعاية صدام حسين وقوته الأسطورية، أصيب هؤلاء بالذهول، والصدمة، فالسرعة التي انهار بها هذا النظام اللئيم الوحشي قياسية، لم يتوقعها أحد!

بالإضافة إلى توعد الصحاف بالويل والثبور "للعلوج"، وبالرغم من تهديده بمفاجأة العدو بأساليب حربية غير تقليدية، أساليب تحقق نصراً أكيداً، لا شك فيه، ولا محالة منه! وتحديده بغداد، لا غيرها، بغداد بالذات لكي تكون مقبرة للغزاة، وأنها ستلقن أولئك "العلوج" "الجبناء" دروساً قاصمة لن ينسوها، إلا أن قوات التحالف دخلت بغداد، وسيطرت على معظم أجزائها، وتبددت أحلام الصحاف وسيده "المقبور بأمر الله" بأسرع مما تصور الخصوم قبل الأصدقاء.

لا يتعلم الطغاة قط من دروس التاريخ، فالطغاة أغبياء، يرددون تفاهات من سبقهم كالببغاوات، ومن دون وعي، فقد كان غوبلز يردد بأن لدى الألمان سلاحاً سرياً سيغير مسار المعركة وينهيها لصالح ألمانيا، ولما كان العالم قد فوجئ بالقذائف الألمانية الطائرة تضرب لندن، فقد توقعوا سلاحاً أقوى يحسم المعركة لصالح هتلر، ردد غوبلز ذلك حتى ساعة انتحاره، وهزيمة بلده، وردد عبد الناصر وأجهزته الحمقاء تهديدات مماثلة! هدد بالقاهر، والظافر اللذين سيوقفان التقدم الإسرائيلي، وسيقضيان على تل أبيب، ثم فوجئ الجميع بضربة تقصم الظهر، لم تسترجع مصر فلسطين من يد اليهود حسب، بل جعلتهم يسيطرون على خمسة أضعاف ما كانوا عليه! ضربة لم نستفق منها إلى حد الآن، ثم جاءت أبواق صدام، "الذكي" لتعيد نفس الاسطوانة، حتى وجدنا قوات التحالف في وسط بغداد.

لم ينتصر العرب في أي حرب مع عدو خارجي منذ ما يسمى استقلالهم في بداية القرن العشرين وحتى الآن، فقد وصف المؤرخ البريطاني جون كيغن، خطة الدفاع العراقية بأنها إحدى أسوأ الخطط التي وضعت على الإطلاق، وعدد المحللون الأمريكان أخطاء استراتيجية كثيرة، سببت خسارة المعارك في العراق!

فلماذا؟

نعم …لماذا نخسر معاركنا، ولماذا يكسبها الآخرون؟ أهي إرادة الله؟ إن كانت كذلك فلا مرد لقضائه! أما إن كان الخطأ خطؤنا فلا سبيل لدفن أعيننا في الرمال.

خدمت في الجيش العراقي كضابط احتياط لمدة سنة وأربعة أشهر، خرجت بعد انتهاء تلك المدة، بنتيجة وحيدة، يتيمة، هي أن جيش يقوده مثل أولئك الأغبياء لا يمكن أن ينتصر قط، حتى لو ملك سلاح الدنيا كلها، ربما يستطيع مثل هذا الجيش أن يقوم بانقلاب، أن يقتل الأبرياء، يدمر المدن، يقصف بشكل عشوائي، نعم يستطيع أن يفعل كل ذلك أما أن ينتصر بمعركة على عدو خارجي فمستحيل، فلماذا؟ أ يعود السبب لأن قائد الجيش حمار؟

ربما يتهمني أحدهم بأني متحامل، أو متسرع، وقد أكون كذلك، فلا يسلم أحد من الخطأ، لكني سأسوق ما يلي، لندرك بعض الحقائق.

إن قادة الجيش العراقي هم في عمر يناهز الستين الآن! أي أن معظمهم تخرج في الكلية العسكرية قبل " 30-40 سنة، وكانت الكلية العسكرية حتى سنة 980 تقبل أي طالب يحمل شهادة الثانوية أو ما يعادلها إن كان معدله في السنة الأخيرة 50%. وهذا يعني أن هذا الطالب حصل على معدل 45% ثم استفاد من قرار متعارف عليه في تصحيح أوراق الامتحانات الوزارية يقضي أن يرفع هذا المعدل إلى 50%، وهذا يعني أن من يحصل على معدل 45% يتمتع بذكاء أقل من المتوسط، ربما يكون الحكم على التحصيل الدراسي غير عادل، لكننا إن قارنا إنجازات ألف واحد حاصل على هذا المعدل، بألف آخر حاصل على معدل 90%، فلا شك أن الألف الأخير سيتميز بتفوق إنجازه على الألف الأول! بكل الميادين.

فرضت بريطانيا عندما كانت تحكم من وراء ستار هذه القاعدة على وزارة الدفاع العراقية، وفرضتها مادة في قانون الكلية العسكرية، وكلية الشرطة، وفرضتها على وزارة العدل، وكلية الحقوق، فأصبح عسكريونا كلهم في مستوى الحد الأدنى من الذكاء، وأصبح خريجو القانون أيضاً بنفس المستوى الواطئ تفكيراً، أيضاً، وآل الأمر إلى أن يتسلم السلطتين التنفيذية، والتشريعية في العراق، رجال يتمتعون بذكاء أقل من الحد المتوسط، فكيف يرتقي بلد مشرعه غبي، ومنفذه غبي؟ وكيف ينتصر جيش يقوده رجال أغبياء؟

يستثنى من ذلك "بالطبع" العباقرة، كالزعيم الأمين عبد الكريم قاسم، وبعض الضباط الآخرين فقد كان عبد الكريم معلماً قبل أن يلتحق بالكلية العسكرية، ومن هنا بدأ تميزه في كل شيء عن قطيع زملائه الهابط.

ولعل ضباط الجيش العراقي جميعاً أرقى تفكيراً، وتحصيلاً علميا، بالقياس إلى رئيسهم "المقبور بالله"، بالرغم من مستوى 45% الذين يتمتعون به "عن فخر"، وربما يكون مستوى رئيسهم "العصابجي" لا يزيد على أربعين بالمئة، أي أنه اقرب إلى الحمير من البشر، فهو لم يستطع إنهاء الابتدائية إلا بالتهديد، والوعيد، ولم يهبه الله أكثر من هبة القتل، التدمير، الهدم، التحطيم! وهذا يعني أنه أغبى الأغبياء، وتأكد ذلك من أعماله طيلة مدة حكمه المفروض على الشعب.

في الحرب العراقية الإيرانية قام الجيش العراقي بأول خطوة في "غاية الذكاء"، أخلى ونهب كل القرى والمدن العراقية، الواقعة على ضفة شط العرب الغربية، بحجة منع الأعداء من الاستفادة منها، ثم قام بخطوته "الذكية" الثانية، دمر، ونهب، وقتل كل شيء حي في عربستان، وعربستان هي المنطقة التي كان من المفروض أن يضمها إلى العراق، لأنها أقرب إلى البصرة، إلى العراق في كل شيء: شعباً، مجتمعاً، لغةً، عاداتٍ، لكن الجيش، سحقهم، دمر بيوتهم، فمنهم من قتل، ومنهم من نجا لينضم إلى الجيش الإيراني، لينتقم من القتلة.

ثم تتالت خطوات ذلك الجيش "الذكية"، فهزم تلك الهزيمة الشنعاء في المحمرة، وكان بإمكانه أن يظل مدى الدهر، لطبيعة المنطقة الجغرافية! ولم يعتبر نفسه منتصراً حتى أوقفت إيران الحرب، ثم كانت خطوة غزو الكويت! وما تبعها من هزائم مخجلة، شنيعة.

لكن أفجع خطوة "ذكية" اتخذها الجيش العراقي، وقيادته "العبقرية" الفذة، كانت خطة الدفاع عن بغداد، ففي تحليلات العسكريين الأمريكان، والإنكليز، تبدت "عبقرية" استراتيجيي الجيش العراقي بكشف الفرق العسكرية خارج بغداد، في مسارات مكشوفة لتتصيدها طائرات الحلفاء، وأعتقد أن المقبور بأمر الله هو من ابتدع هذه الخطة، فلقد اشتهر بخطواته "العبقرية" فبالرغم من كونه تربع على مئات المليارات، إلا أنه لم يتخذ خطوة واحدة لصالح شعبه، يتذكرونه بها، فقد بنى الزعيم عبد الكريم قاسم، بميزانية تعادل واحداً من عدة آلاف فقط مما لدى "المقبور بأمر الله"، بنى مئات آلاف البيوت، وزّع بعضها مجاناً على الفقراء، وتقاضى مبالغ زهيدة عن البعض الآخر، وبهذا خلّد اسمه في قلوب الشعب العراقي، أما صدام حسين فقد حصل بعد تأميم النفط على ثروة فلكية، تعادل أكثر من ألف مما حصل عليه عبد الكريم، لكنه للؤمه، وأنانيته، وحقده على الشعب، ووضاعته، وسوء خلقه، وانحطاطه، بدد تلك الثروة الطائلة، على جيش يحميه، ودعاية تؤلهه، وأجهزة أمنية تسهر على راحته، وقصور فارهة، تخلب اللب بعظمتها الأسطورية، لكنه كأي لص يخشى أن تكتشف سرقاته لم يتمتع بالنوم فيها يوماً، واحداً، ولذلك تخلى عنه جيشه في احلك لحظاته، وانقلب عليه الشعب كله، لتنتهي إحدى أحلك الصفحات في تاريخ العراق، صفحة لا تقارن إلا بهجوم المغول على بغداد، ولتؤرخ لحقبة مريرة، بدأت بعميل، صغير، صغير، صغير، اختاره الأمريكان، ليدمر العراق، فأفلح في تدميره، ثم عاقبوه فأفلحوا في عقابه، ودمروه، لأبقى أنا وأمثالي المساكين، أبقى، ذاهلاً، مصدوماً، أكرر السؤال مع ابنتي، ولا أعرف جوابه:

أ نفرح أم نأسى ونحن نرى وطننا يمزقه الأعداء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو