الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة فرانكشتاين في بغداد

جعفر المظفر

2020 / 1 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


ربما يمنح البعض صفة (الدولة العميقة) لوصف تعدد مراكز القوى ومراحل الصراع بين المكونات السياسية لعهد ما بعد الاحتلال. هذه الصفة (الدولة العميقة) أراها أبعد من أن تنطبق على الكيان الحالي.
أما خطأ التعريف والتوصيف والتمييز فربما يكون قد نشأ بسبب عدم التمييز الدقيق بين المفردات التي تصف تعدد الكيانات السياسية المؤسساتية وتنوعها. وقد يعني ذلك أن هناك دولة داخل الدولة الأساسية, ربما مختفية داخل عباءتها, أو جاهزة للعمل خارج إطار سيطرة مؤسساتها التنفيذية وذلك للحفاظ على الدولة حال مواجهتها الأخطار التي تأكل من ديمومتها ومن مصالح قواها الأساسية القائمة على الأرض.

في حالات عديدة الدولة العميقة هي توصيف لحالة المؤسسات والخطب والنخب السياسية والثقافية القديمة التي لم تفلح الدولة الجديدة بتغييرها بعد.
وهناك أيضا مفردة أخرى وذات علاقة وهي (الدولة الموازية).

لغرض إقتراب أفضل دعونا نحتكم إلى النموذج التركي, فهو النموذج الذي دفع إلى السطح هذه الأشكال المتابينة للدولة وذلك بعد إعلان أردوغان عن وجود مؤامرة للتيار الإسلامي الذي يقوده (فتح الله غولن) الموجود حاليا في أمريكا.

الدولة الحالية هي دولة أردوغان الرامية إلى تحقيق دولة الأخوان المسلمين العثمانية على حساب (الدولة العلمانية الأتاتوركية), وهذه الأخيرة هنا هي (الدولة العميقة) وليست دولة (غولن) التي تقترب في إعتقادي من شكل (الدولة الموازية) وهذه الدولة, الموازية, لا علاقة لها بالدولة العميقة وربما تكون خصما لها.

على الصعيد العراقي تبقى المعضلة التعريفية تتعلق بمفردة الدولة ذاتها. بعد الاحتلال لم تفلح جميع القوى التي جاءت بمعيته بمغادرة مساحة الصراع على السلطة إلى مساحة بناء الدولة, وهي لن تفلح أبدا بمغادرة تلك المساحة الأمر الذي حولها إلى مجموعة من الميليشيات واللصوص التي تأكل في جسم الدولة القديمة
هذه المجموعات لم يكن لها دولة ولن تكون لها دولة وذلك لعجز بنيوي يمنعها عن بنائها.
ومعنى ذلك أن هناك أطراف ميليشياوية تستولي ظلما حتى على مفهوم الدولة العميقة للإيحاء بتمثلها وتمثيلها لكيان سياسي قانوني وليس لكيان عصبوي ميليشياوي.

أما تسمية الدولة الموازية فقد أطلقتُها سابقا على دولة الحوزة الشيعية العلمية التي تكونت عبر عصور عدة والتي تحتفظ بتقاليد وخطب سياسية ومقدرات مالية تضعها على مسافة من الدولة الحقيقية. وربما يكون بين الدولتين, الموازية والحقيقية, صراعا مكشوفا أو حالة من التعايش السلمي. هذه الدولة الموازية كانت فد وجدت عبر مجموعة من الصراعات والتفاهمات التي أدت إلى الإقرار سرا بشرعيتها والتي خرج على شكلها محمد باقر الصدر والخميني من خلال تفعيلهما لفقه نائب الإمام الغائب ودولة الولي الفقيه التي كان قد أدانها حين ذاك أية الله محمد محسن الحكيم مرجع الشيعة الأعلى الذي يمثله في هذه الفترة السيد علي السيستاني.

منح الكيان المسخ القائم حاليا في العراق أية صفة لها علاقة بالدولة, كأن تكون العميقة أو الحديثة أو الموازية أو حتى الفاشلة هو بمثابة توصيف غير ملائم للحالة العراقية الحالية.
إذا ما إستحقت السلطة الحالية توصيف الدولة فأفضل لقب تستحقه هو دولة فرانكشتاين الذي أفلح في رسم مشهده مبدعنا العراقي أحمد السعداوي في روايته (فرانكشتاين في بغداد) الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية.

هؤلاء الذين يحكمون العراق حاليا والذين جاءوا بعد الاحتلال, وبعد سقوط الدولة الصدامية وإجتثاثها, هم مجموع من الميليشيات والتجمعات والعصابات السياسية التي تأكل في الجسم الوطني العراقي, وهم لم يتمكنوا ولن يتمكنوا من مغادرة مساحة الصراع على السلطة إلى مساحة بناء الدولة, ولذلك فإن من الخطأ أن نصف أحوالهم بمفردات ذات علاقة بأدبيات الدولة, على تعداد هوياتها وتنوع خطاباتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وثائقي -آشلي آند ماديسون-: ماذا حدث بعد قرصنة موقع المواعدة


.. كاليدونيا الجديدة: السلطات الفرنسية تبدأ -عملية كبيرة- للسيط




.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري يعلن مقتل جنديين


.. مقطع مؤثر لأب يتحدث مع طفله الذي استشهد بقصف مدفعي على مخيم




.. واصف عريقات: الجندي الإسرائيلي لا يقاتل بل يستخدم المدفعيات