الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صندوق دعم العمل الفدائي

محمد عبد حسن

2020 / 1 / 28
الادب والفن


تستدعيني (صفقة القرن) إلى ماضٍ أصبح بعيدًا.. أو تستدعيه إليّ، لا فرق.. فأنا وهو، في الغالب، نعيش معًا.
تستدعيني، أنا الجالس على الأرض، بين ظهري والجدار البارد وسائد أضع رأسي عليها ليلًا.. تنقلني إلى ساحة (مدرسة الجمهورية التطبيقية الابتدائية النموذجية المختلطة)، في البصرة، حيث طابور الصباح. وهناك: قريبًا من (المايكروفون) المنصوب أمام جدارية كبيرة للفنان الرائد الأستاذ (هادي البنك)؛ يستقرّ الصندوق بخشبه اللامع فوق طاولة يحملها العم (أبو زكي)، أو (ناجح)، يحملها أولًا.. ثم يحمله، معزّزًا مكرّمًا، ليضعه عليها.. ولتبدأ الفقرة الأخيرة في الاصطفاف الصباحي: فقرته!
خلال سنواتي الست هناك متنقلًا بين الصفوف؛ بقيت العبارة المكتوبة على الصندوق بخط أبيض، لم يبهت.. ولم ينمحِ منه حرف، تواجهني.. أستطيع قراءتها على البعد: (صندوق دعم العمل الفدائي).. يرافقها صوت الأستاذ (جبار ياسر) منغّمًا: "لنا أخوة هناك في المخيمات".
وبغض النظر عن قيمة ما كان يجمعه الصندوق من مصروفنا اليومي، وهو يومها بعشرات الفلوس، وفيما إذا كان يذهب فعلًا إلى العمل الفدائي.. بغضّ النظر عن ذلك وتجاوزه؛ فإن هذا الفعل رسخّ فينا قضية كانت يومًا ما (قضية العرب المركزية).. قامت باسمها ثورات.. شُنّتْ وخيضتْ من أجلها حروب.. وعقدتْ مؤتمرات كثيرة أنتج أحدها لنا (لاءات ثلاث)(*) لم يعد أحد يتذكرها.
أعرف الآن، والآن فقط، لِمَ لمْ يكن معلمونا، رحمهم الله جميعًا.. أحياء وراحلين، يضعون الصندوق في مكانه قبل بدء فقرة الاصطفاف الصباحي.. ولو فعلوا؛ ما كانت صورته ستبقى في ذهني بالوضوح الذي هي فيه.. وضوح لم ولن تفلح كل محاولات المحو في تعكير صفوه أو حرف بوصلة وجهته.. ولو حصل؛ لكنّا قد خسرنا كلّ شيء لرابح وحيد فيه بعض من زميل لي كان يخرج معنا راكضًا نحو الصندوق، وحين سألته، رحمه الله، يومًا: كم أعطيت؟ أجابني: أنا لا أعطي.. أنا أضع يدي على الفتحة! ثم فتح لي راحته: كان فيها خمسة عشر فلسًا!!
----------------------------------------------------------------------------------------------------
(*): إشارة إلى مؤتمر القمة العربية الرابع المنعقد في العاصمة السودانية، الخرطوم، عام 1967 والذي أنتج لاءات ثلاثة: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا