الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمهاتنا لا تذكر تواريخ ميلادنا !

كرار العامل

2020 / 1 / 29
كتابات ساخرة


في قرانا الصغيرة، حيث كل شيء كبيراً سوانا، كان كل شيء يكبر أمام أنظارنا بسرعة ونحن مازلنا على عهدنا صغار ،في لحظة ما كنا نتمنى لو نكبر قليلاً حتى يمكننا أن نتماهى بعض الشيء مع الكبار، أولئك الذين كانوا يذهبون للحرب كأنهم ذاهبون إلى نزهة؛ يرددون كأنهم ذاهبون في سفرة راجلة أغنيتهم الغريبة (واحنا مشينا مشينا للحرب)!. كنا نتصور إن الحرب كما هي لعباتنا الطفولية ليست سوى مناوشات بالحجارة، والفائز ببساطة سيكون أكثرنا مراوغة، من تساعده مرونته وخفة جسده لتفادي حجارات -المحچال- بوارجنا الصغيرة تلك. في صغرنا صور الحزبيون لنا تنظيم الأشبال الصغار (أشبال صدام آنذاك) كأنه مغامرات الفرسان الثلاث، وكنا نتخيل كل واحد منا سيصبح كلندايزر صغير يحامي عن أرضه ببسالة، وكم هو محظوظ من يمنحه عمره حق الالتحاق بهذا النضال الكبير، هذا ما خيل لنا فعلاً حينها. و واحدة من أغرب محاولات التماهي مع الكبار، ذلك الصراع الذي يشب كل فَينة بيننا نحن الصغار لإثبات الجدارة بيننا، ولإننا صغاراً كان صراعنا الوحيد،  يتلخص في محاولة إثبات إننا أكبر من أقراننا من الصغار. في تلك القرية كان الكل يجهد ليثبت إنه أكبر من غيره حتى ولو بيوم واحد، لا يهم الفارق بالعمر كثيرا، المهم إنه أكبر. ولإننا لا نعرف تواريخ مولدنا كنا نحتكم لأمهاتنا، كل طفل منا يدخل دائرة الصراع تلك يركض نحو أمه، يسألها ؛ أماه من هو الأكبر بيننا ، أنا أم فلان ؟.. أماه ، ماهو تاريخ ميلادي ، في أي سنة ولدت ؟. يتخذ السؤال تعابير مختلفة لكن الجواب على الأغلب يكون بلغة واحدة ، لن يكون جواب الأمهات بالأرقام طبعا، فأمهاتنا لا تتذكر إذا لم تكن تعي التواريخ بالأرقام؛ لكنها تذكر جيداً في ظرف عصيب ولدنا. الحروب، كل ما تتذكره الأمهات عن لحظاتنا الأولى في هذه الحياة، فتجيب واحدة  : يمه أنتَ صرت وي طگة بوش الأولى، والثانية تجيب : بضربة بوش الثانية صرت يا بعد هلي . والثالثة تشير لإبنها إنه وليد الساعات الأولى للحصار وهكذا . نعود جميعاً كل واحد يحمل حربه معه - أقصد تاريخ ولادته، ليخبرنا إنه الأكبر؛ و الأكبر  طبعا هو من سبق الآخرين في الحروب. أتذكر كيف إن أحدهم بكى كالثكلى حين علم من والدته إنه ولد في القصف الأميريكي الثاني، لا الأول. كيف لفلان بن فلانة أن يسبقني بضربة حرب واحدة ، كيف يكون أكبر مني؛ عافى الله أمي لماذا لم تلدني مثلاً في أقدم الحروب حتى لا ينافسني أحداً في الكبر. حتى أعود للجميع نافخاً ريشي كالنعام، وأعلمهم إني متفوق عليهم بحرب واحدة أو حربين. لعن الله الحرب وساعتها التي فرقتنا ونحن صغاراً قبل أن نكبر!. قاتل الله دعاة الحرب الذين جعلوا كل من هب ودب يجرب (محچاله ) البائس في صدورنا. حارب الله حروبهم التي جعلت أمهاتنا تتذكر الحروب ولا تتذكر تواريخ ميلادنا، الحروب التي سرقت ماضينا وحطمت حاضرنا و شلت مستقبلنا!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد