الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسؤول الحقيقي عن قتل عبدالخالق السامرائي.

جعفر المظفر

2020 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


لماذا قُتِل عبدالخالق السامرائي*.
لا أراجع مسيرتي في البعث تحت عناوين مثل (كنت بعثيا) اي بمنطق الهجوم والتنكر والندم وعض الأصابع, وإنما أكتبها بمنطق النقد, وهو منهج يلزمني بعرض الحقائق وإستخلاص ما هو حق فيها وما هو خطأ.
في أكثر من مداخلة قلت ما معناه أن صدام لم يختطف البعث فقط وإنما إختطف أيضا الوطن والمواطن وجيرّ الثلاثة بإسمه وإسم عائلته وعشيرته.
جملة كهذه قد تشي شكليا بأن البعث كان أيضا ضحية من بين الضحايا, لكني ومنذ عقود كنت أرى أن البعث كان مشكلة ولم يكن حلا. لقد حصل هذا التطور في موقفي ورأيِ بعد تجربة مكثفة مع البعث. ومن موقعٍ منحني قدرة التفحص والمتابعة, أدركت قبل كثيرين غيري أن نهاية البعث كانت قد حلت بعد إغتيال الشهيد عبدالخالق تماما, ودون أن يعني ذلك أن البعث كان قبل عبدالخالق مشروعا ثوريا ملائما لحل إشكاليات ما بعد الحرب العالمية الأولى وفي أولها علاقة الدول الوطنية الموضوع مع أمتها العربية المفترضة. لقد كانت نظرية البعث منذ البداية نظرية غير علمية وأقرب إلى أن تكون مجموعة من الخطب الإنشائية والأناشيد والأحلام منها إلى الواقع العملي الذي كان مفترضا أن تتصدى له وتغيره من داخله.
كانت نظرية تتلبسها مفاهيم عصر البطولة ودور البطل المنقذ التي أسست عمليا لظهور صدام حسين.
أما الصفة الأكثر (تدميرا) فهي تلك التي تتسبب بها نظريته (الإسقاطية) أي العودة إلى حالة الأمة التي تشكلت على يد النبي محمد وصحابته من بعده (كان محمد كل العرب فليكن كل العرب محمد) وإلى فكرة الأمة الواحدة المشروعة "حاضرا" لأنها كانت قائمة "ماضيا, أي فلسفة (سيكون) لأنه (كان) ودون إعطاء إهتمامات أولية لبناء ما هو كائن وصولا إلى ما سوف يكون.
لقد أدخلت هذه النظرية عددا غير قليل من بلدان المنطقة وبالأخص سوريا والعراق في دوامة التجريد السياسي ووضعها بالضد من الظرف الموضوعي الذي نشأت فيه بعد الحرب الأولى. وبدلا من أن تحاول بمنهجية علمية سياسة تغيير الأوضاع من داخلها فإنها رفضت كاملا الإعتراف بها, وهكذا رأيناها منذ البداية وهي تضع نفسها وجماهيرها في موضع الضد من مفهوم الدولة الوطنية معتبرة إياها كيانات قطرية معادية لنظرية الأمة الواحدة, وقد جرى وضع كل من يعترف بها, ولو نظريا, في خانة الإنحراف وحتى في خانة الخيانة.
إن الصدام الذي حصل مع عبدالكريم قاسم ومجموعة القوى الوطنية المساندة له كان قد تأسس على قواعد هذه اللعبة الإسقاطية التي إستدعت "التاريخ" لكي يحل محل "الحاضر" بدلا من أن تغير الحاضر نفسه لبناء الهدف التاريخي. ولقد رأينا كيف كانت عليه الإنتكاسات البعثية وحجم الدمار الذي اسس له الحزب في سوريا والعراق وعمق التناقض الذي وجد الحزب نفسه فيه حال إستلامه للحكم في هذه البلدان.
عبدالخالق السامرائي كان مشروع (بعث بديل) يتناقض مع كل الأسس النظرية الكارثية لبعث ميشيل عفلق. وفي واقع الحال كان هو في واد والبعث العفلقي الصدامي في واد آخر, لذلك وجد الرجل نفسه في خصومة واضحة مع أغلب القيادين (في القومية بشكل خاص), ليس من واقع نكران الذات التي يؤسس عليها البعض وهم تقديسه, وإنما من واقع التناقض مع الذات البعثية التي أسس لها عفلق نفسه, أي من واقع التناقض مع نظرية الحزب الخطابية الأناشيدية التجريدية الإسقاطية, بما جعله في سباق مع الزمن لأجل صياغة نظرية عمل (بعثية جديدة) من شأنها أن تنقذ البعث من نفسه أولا وصولا إلى تحقيق عملية تحول جذرية تبدأ بالفرد وتمر بالوطن وتنتهي بالأمة.
ولكي ألخص الأمر سأقول أن دولة صدام التي حظيت بدعم ومباركة من عفلق الذي كان قد قال في بداية الثمانينات (صدام هبة السماء للبعث وهبة البعث للعراقيين) هي نقيضة بالتمام من المشروع الوطني العروبي الجماهيري الذي كان يعمل عبدالخالق لبلورته. ولا بد أن ذلك كان جعله نقيضا لعفلق نفسه ولكل الموالين له في قيادة الحزب القومية, وهيأهم أيضا للتعاطف مع جريمة صدام بإزاحته من الحزب والحياة أيضا.
عام 1973 كنت جالسا في ندوة "الكوادر البعثية" المنعقد في قاعة (الغدر) الذي ترأسه صدام وأعلن فيه عن قصة مؤامرة ناظم كزار, ويوم يطلب أحدهم مني أن أرسم صورة لوجه صدام آنذاك فسوف أخط صورة لرجل كان يبكي بعينيه ويبتسم بملئ فمه.
ولأشرح لك عن الوجه الذي كان قد تعارك نصفاه (نصف يبكي ونصف يضحك) سأقول أن دمعة صدام التي ذرفها في قاعة الخلد وهو يعلن إلقاء القبض على عبدالخالق كانت كاذبة بمقدار ما تعنية من حزن على عبدالخالق (الصديق), أما الضحكة ملئ الفم فقد كانت صادقة بمقدار ما تعنية من فرحة القضاء على عبدالخالق (المشروع).
في مطلع السبعينات مازحني صديق لي بقوله (كلاكما ستموتان ميتة الجاحظ). هذا الرجل الذي زارني وقتها في المكتب الثقافي كان من أقارب السامرائي, الأمر الذي جعله على معرفة حقيقية بالرجل منذ طفولته (السامرائي والكتاب هما واحد, وأراهما لا يفترقان أبدا) على عكس الكثير من البعثيين الذين لم يقرأوا كتابا واحدا.
وقصص موت الجاحظ متعددة , واحدة منها تقول أن رفوف مكتبته قد إنقلبت عليه فقتلته. يومها كان منظر آلاف الكتب التي ضمتها مكتبة "الثقافي" التي أشرف على بنائها السامرائي قد أثارت الصديق فتنبأ "ربما" بأن "رفوف" تلك المكتبة ستقع على السامرائي ذات يوم لتقتله.
والحال أن ما ما تنبأ به ذلك الرجل كان قد حصل, لكن ليس بالطريقة الشكلية التي تصورها الصديق, وإنما بالمعنى الذي تصورته أنا, اي أن ثقافة الرجل وأفكاره النيرة ورؤاه ومناهجه التغيرية هي التي جعلته وجها لوجه أمام مشروع دولة صدام التي إختطف من خلالها المجتمع والوطن لصالحه وعائلته وعشيرته.
وعلى عكس من يعتقد ويقرر أن صدام هو الذي إختطف البعث سأقول أن من حاول إختطاف البعث هو السامرائي لأنه كان يقود فعليا حركة تغيير فكرية وسلوكية تنال من المسلمات الخطابية والأناشيدية التجريدية الإسقاطية التي جاء بها عفلق والتي خرج من رحمها صدام حسين.
وأخيرا سأقول أن كثيرا من محبي السامرائي غالبا ما يتحدثون عن عبدالخالق الشخص بدلا من عبدالخالق المشروع. إنهم يحكون قصصا عن زهده وتجرده ونكرانه لذاته بطريقة تصوره راهبا وحتى قديسا, والذي أعتقد به هنا أن حديثا عن هذه الشاكلة, وإن هو إستند على محبة صادقة لشخص السامرائي وعن إعجاب به, إلا أنه يساهم بالنتيجة بتشويه صورة عبدالخالق المفكر العضوي والقائد السياسي الذي يجب أن يكون بعيدا تماما عن فكر وسلوك الراهب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالة 15 من (بعضٌ من بعضِ الذي كان)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جهد جميل
علاء احمد زكي ( 2020 / 1 / 30 - 21:23 )
شكرا للاستاذ جعفر المظفر على المقالة

حشد الجماهير معروف انه لاياتي بالكلام الموضوعي وانما باثارة انفعالاتهم فيُختطفون الى اهداف احيانا سامية واحيانا انانية، والمنحى الاناني بطبعه هدام لايحترم التعددية ويرفض المُسائلة وسيشرعن العنف وسيحصن نفسه بولاء المقربون والاقرباء وبذلك هو غير مستدام مجتمعيا حتى لو بدا بداية جيدا وناهضا بالبلد لبعض الوقت، ومآله الى حضيض
في حالة البعث لا استطيع قبول فكرة ان المآل الى حضيض استصعب تخمينه حتى قتل عبد الخالق السامرائي، ولكن عامة الثوريين كانوا شبابا في العشرينات من اعمارهم ظنوا ان ماحملوه من كراسات الايديولوجية (لجأت الى تمجيد النبي العربي للاستزادة من الشرعنة) لا زائفة ولا طوباوية
تحياتي


2 - محاولة بائسة
طلال السوري ( 2020 / 1 / 31 - 01:18 )
محاولة بائسة لتبرير مسؤولية البعث والبعثيين عن جرائمهم بحق العراق والعراقيين

اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة