الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليست أخطاءاً، بل جرائم بربرية

يوسف محمد

2006 / 6 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


تثير التصريحات الأخيرة لبوش وبلير بخصوص الحرب الأمريكية في العراق و(الأخطاء!) التي ارتكبتها القوات الأمريكية والبريطانية الكثير من علامات الاستفهام والتعجب والاستغراب، بل وأنها تثير الكثير من السخط والغضب الشديد لدى كل من ينظر الى الأمور من زاوية مصالح وأهداف وتطلعات الجماهير في العراق. فببساطة متناهية يفسر بوش وبلير كل الجرائم التي ارتكبت في العراق وكل حمامات الدم وأرقام الضحايا اليومية التي ضربت معدلات قياسية بأنها (أخطاء!). إنهما يفسران، بصفاقة متناهية، الانهيار التام للمجتمع العراقي وإغراقه في مستنقع السيناريو الأسود الحالي بهذا البساطة وكأنهما يستغفلان الملايين من الجماهير ويضحكان على الذقون!!
ولكن لماذا هذا (الاعتراف!) ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ بالتأكيد أن هناك دوافع كثيرة تدفع كل من بوش وبلير لمثل هذه (الاعترافات!). فبعد أكثر من ثلاثة أعوام على الاحتلال الأمريكي للعراق عجزت الولايات المتحدة الأمريكية عن تحقيق مفردات مشروعها في العراق وهي تواجه الفشل التام على كافة الصعد. والحجج التي ساقتها لخوض هذه الحرب الدموية تساقطت واحدة بعد أخرى وهذا ما خلق الكثير من الشكوك والاحتجاجات على الصعيد العالمي وعلى صعيد الداخل الأمريكي والبريطاني تجاه النوايا والمخططات الأمريكية. مؤشرات شعبية كل من بوش وبلير تتراجع لأدنى مستوياتها واحتجاجات واسعة تواجههما أينما حلا فيما راحت تتعالى الأصوات لإقالتهما وآخر ما سمعناه هو الأحاديث عن انقلاب يعد له خلف الكواليس في حزب العمال البريطاني ضد بلير. بالتالي لا بد من مناورة تضع حداً لهذا التراجع وتقف بوجه تلك الشكوك والتساؤلات والاحتجاجات أو تسعى لتحييدها على الأقل، وهنا يقف (الخطاة!) للاعتراف في مراسيم طقوسية خاصة بـ(أخطاء!) تم ارتكابها مشفوعة باستدراك ذا مغزى خاص أن تلك (الأخطاء!) ما كان لها أن تقلل من أهمية المهمة التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في العراق!!
إننا منذ البداية قلنا أن إسقاط النظام البعثي الفاشي هو خطوة مهمة وأساسية في مسار تحرر جماهير العراق ولكن هذا الأمر هو مهمة جماهير العراق وقواه التحررية والتقدمية لا أمريكا وحلفائها. فالسياسات الأمريكية هي من قوّى هذا النظام في الوقت الذي أصابت فيه إرادة الجماهير بالشلل وأضعفتها لدرجة عجزت عن أخذ زمام المبادرة. وبالنتيجة كنا شهوداً على منتهى الوحشية والعنف والاستبداد الذي مارسه النظام البعثي المجرم طوال ثلاثة عقود ونصف من الزمان لم نسمع حينها كلمة من أمريكا بحق تلك الجرائم والعنف المنفلت العقال والبربرية الفاشية. وحتى أن نفس رامسفيلد أحد مهندسي هذا المشروع كان يأتي الى بغداد في زيارات متواصلة تضفي الشرعية على وجود نظام مجرم وفاشي. إما حين اقتضت المصالح والاستراتيجية الأمريكية رسم صورة عدو شرس وخطر داهم يهدد، كل لحظة، المصالح الأمريكية، ويقوم بدور كيس الملاكمة من منظار أمريكا بعد نهاية الحرب الباردة، رأينا كيف تضخمت الحجج والذرائع وكيف انساقت الصحافة المأجورة خلف جوقة من المطبلين لحرب همجية وحشية أتت على المجتمع العراقي بكامله وخلفته ركاماً من حطام وضحايا ودماء يصفها الآن السادة بوش وبلير بأنها مجرد (أخطاء!) ليس لها أن تنال من (نبل!!) المهمة التي قاما بها.
وعلى أية حال (أخطاء!) الولايات المتحدة وحلفائها هي تعبير مخفف جداً وهو ذا وقع قليل الوطأة لدى السامع شبيه بـ(الاساءات!) التي أطلقت على وصف مشاهد تعذيب السجناء في العراق. ولا تعدو المسألة أن تكون لعباً على الألفاظ والكلمات، وكأن العالم المتمدن والبشرية التحررية تقبل، ببساطة، مثل هذه التفسيرات والصياغات. لا. إن هذه (الأخطاء!) هي بالضبط جرائم كبرى وهي في قاموس الحقوقيين وحتى وفق المعايير والمواثيق العالمية جرائم حرب يجب جلب القائمين بها والمحرضين عليها وكل من له صله بها الى العدالة، ووضعه في قفص الاتهام، بالضبط مثلما أن (إساءات!) أبو غريب وغيره من السجون هي عمليات تعذيب بحق السجناء.
تصريحات بوش وبلير الأخيرة هي مسمار آخر في نعش المشروع الأمريكي في العراق، وهي دليل، ما مثله دليل، على فداحة المأزق الذي تتخبط فيه الإدارة الأمريكية، كما أنها دليل آخر على جرائم ارتكبت وترتكب يومياً بحق مجتمع من سبعة وعشرين مليوناً يتم دفعه، يوماً بعد آخر، نحو هاوية الفناء التام. هذه التصريحات تضع بوش وبلير في نفس قفص الاتهام الذي يتعفن فيه جلاد جماهير العراق، المجرم صدام حسين، وتدعو العالم الى محاكمتهم جميعاً عن الجرائم والوحشية والعنف الذي جرى ويجري ضد جماهير العراق. وهذا أقل ما نتطلع له، نحن الضحايا، ونطمح إليه بهذا الخصوص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. باريس سان جرمان يأمل بتخطي دورتموند ومبابي يحلم بـ-وداع- مثا


.. غزة.. حركة حماس توافق على مقترح مصري قطري لوقف إطلاق النار




.. لوموند: -الأصوات المتضامنة مع غزة مكممة في مصر- • فرانس 24 /


.. الجيش الإسرائيلي يدعو إلى إخلاء -فوري- لأحياء شرق رفح.. ما ر




.. فرنسا - الصين: ما الذي تنتظره باريس من شي جينبينغ؟