الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البديل عن المعارضة

احسان طالب

2006 / 6 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


من داخل المعارضات و من خارجها يتم نقد الحراك السياسي و المطروحات الفكرية التي تقدمها تيارات خارج السلطة و يعاب عليها افتقارها لبدائل و برامج سياسية و اقتصادية مختلفة عن تلك السائدة و القائمة تحت سطوة الأنظمة القمعية ، وتحاول الأقلام الموالية الوقوف على قاعدة : إن عدم وجود البديل يعني القبول بالموجود ، وهنا تبدو الأزمة وكأنها أزمة فكر وثقافة فقط . و في ذلك مجافاة للحقيقة وخلط للأوراق .
فالأزمة سياسية و إنسانية بامتياز ، تكبر وتتسع يوما بعد يوم لتشمل مصير الوطن و أفراد الشعب ، تتدخل في كل مفاصل الحياة اليومية ، تتسرب إلى خبزنا و هوائنا ، تعبث في ضمائر ووجدان شبابنا و أطفالنا. و ما نشهده اليوم من اعتقال لثلة من المثقفين السوريين على خلفية طرحهم لرؤية سياسية لا تخرج في إطارها العام عن رؤية وطنية متوافق عليها بين أطياف المكون الثقافي و السياسي السوري العام ، و كانت الحجة الوهم التوقيت ! الذي كما يبدو لم ولن يكون مناسبا في الماضي و الحاضر و المستقبل .
العلاقة التاريخية بين النخب و الجماهير لا تحددها ضوابط الحق و العدل , ويرتكز التفاعل الجماهيري تحديدا في بلادنا العربية والإسلامية , بإثارة الوجدان و الغرائز الدينية و النعرات الوطنية العدايئة و الخطاب القومي المتعصب (بترول العرب للعرب أما أن نأخذ حقنا من أو نشعله لهب ) فهل يعقل مثلا أن لأتخرج الشعوب العربية بد نكبة وهزيمة 67 لإسقاط الأنظمة القائمة ! بل الذي حدث عكس منطق التاريخ ، أخرجت الجماهير المصرية لمنع عبد الناصر من الاستقالة ، الأمن هو من أخرج الناس إلى الشارع ، الأزمة أنهم خرجوا وهتفوا : ما لناش حد غيرك يا ناصر
خمس مشايخ في خمسة مدن عربية بعد خطبة عصماء و مجموعة من شعارات جوفاء ،لديهم القدرة على إخراج الملايين إلى الشارع ، وربما كان المحرك الرئيس ، صورة عارية ، أغنية ، رسم كاريكاتوري ، مسرحية تعرض لمرات ، خبر عن انتهاك المقدس على بعد ألاف الأميال ، قصة مفبركة من أساسها
، وغيره كثير.
الجموع الشعبية ألفت لعقود طويلة الخوف و شكلت ثقافة تربوية نشأت عليها أجيال لا تعرف سوى القمع و البعد عن السياسة و حصر الحياة بلقمة العيش و ما يمكن الحصول علية أو ما تسمح به السلطة من التسلية و المتعة و استكانت للظلم و لم تعد قضايا العدالة الاجتماعية و الحرية و التسامح تحركها وتلهب وجدانها، و استولى عليها الهوس الديني و استهواها التزمت و التعصب .
في جولة سريعة إلى محلات الأقراص المضغوطة يبدو بوضوح سيطرة فكر التطرف على الأجواء الثقافية الشعبوية السائدة . في تجمع سوقي يبيع كل شيء ( ) تعلو مكبرات الصوت بخطب المشايخ يؤججون غريزة القضاء على الآخر و يحللون الأوضاع و الأزمات القائمة بمنهج سلفي يغرق في مفاهيم الجهاد و الغزو و الانتقام الإلهي و إعادة السبب وراء كل الكوارث الطبيعية إلى انتقام الله من البشر الفاسقين و الكفار
المعارضة في سوريا ومصر عانت لعقود طويلة من القمع و النتكيل و التخوين ، وما إن بدأت بالحصول على هامش ضيق من الحرية و بدأت تثمر استقطابا شعبيا محدودا عادت الحملات الأمنية القديمة و أسقطت حملة التنوير و التثقيف في أقبية السجون و ساحات الملاحقة القضائية .
لذلك نسأل كيف لمولود يعاقب و يضرب و يسحق و هو يزحف ، كيف له أن يشب و يكبر و يعمل و ينجز ؟ لقد اتبعت المعارضة السورية مجموعة من الاستراتيجيات السلمية و نبذت كل صنوف التغير العنيف و أصرت على التغير الداخلي بمعزل من الأجندة الخارجية , و قدمت بيانات و إعلانات سياسية و فكرية تطالب فيها بالتغير الديمقراطي الوطني التدريجي السلمي ، فماذا كانت النتيجة ؟
المعارضة المجني عليها في كل البلاد العربية تعاني من انحسار جماهيري غير موضوعي و ظلم سلطوي غير محدود ، وذا تحركت أصوات خارجية تدعو للإصلاح و التغير , صبت السلطات جام غضيها على المعارضة بحجة أنها تستقوي بالخارج ( إلى من تكلني ؟ إلى قريب ملكته أمري ، أم إلى بعيد يتجهمن ) . لقد كانت المعارضات الوطنية في البلاد العربية وما زالت تدعو إلى الديمقراطية كقيمة إنسانية وفعل سياسي أثبتت أنها قادرة على جمع التيارات المختلفة من اليسار الشيوعي إلى اليمين الإسلامي ،وهذه ظاهرة ايجابية وحضارية ينبغي استثمارها و استغلالها لتحقيق الوفاق الوطني و تحصين السلم الأهلي .
القضاء على المعارضة العلنية و الديمقراطية السلمية أمر خطير يفتح المجال أمام نمو و تغلغل التيارات المتطرفة في بنيات المجتمع ويترك الساحة خالية من أمثلة و نماذج معروفة بتوجهها و أهدافها واضحة في بياناتها و إعلاناتها .
البدائل و البرامج السياسية و الاقتصادية و الحلول العملية ليست قوالب جاهزة ووصفات طبية تصرف مع تعليمات الاستعمال إنها نتاج ثقافي و علمي يتأتى من خلال اشتراك القوى السياسية و الثقافية و العلمية ضمن أجواء من الحريات العامة و الخاصة مضمونة بدستور عصري مدني أقره الشعب وتوافق عليه .ولن تتمكن أية معارضة من تقديم برامج ونظم وسياسات بديلة ضمن أجواء من التسلط و القهر و الفساد تحت راية قانون الطوارئ و المحاكم الاستثنائية وتحت سقف رزمة من القوانين الخاصة التي تمتلك زراعا طويلة تصطاد بها أي معارض أو مخالف في الرأي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيون من غير العرب ينتقدون تعريب التعليم في البلاد


.. حذاء ملك الروك إلفيس بريسلي يباع في مزاد علني • فرانس 24




.. كلمة للرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد ساعات من مناظرة جمعته 


.. اتهامات وحوار أشبه بالشجار..بايدن وترامب يسدلان الستار على ا




.. إيران.. بدء عملية فرز الأصوات وتوقعات بجولة ثانية