الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفقة القرن .. النداء الأخير للسلام

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2020 / 2 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


صفقة القرن .. الفرصة الأخيرة للسلام

صفقة القرن محاولة أمريكية إسرائيلية جادة وعقلانية ومنطقية وسياسية واقتصادية واجتماعية، للمضي قدما في عملية السلام وإنهاء الصراع العربي الاسرائيلي الذي طال أمده. هي محاولة لن يفهمها العرب والمسلمون في الغالب، ليس لأنهم غير مطلعين على تفاصيلها، بل لأنهم أمة متأخرة ومتخلفة في مجال بناء الدولة وحكم الديمقراطية وأهمية الحوار والتفاوضات، كما وأنهم يعانون تماما من فقدان حقوق الإنسان والحريات والمساواة والمواطنة. أمة لا تفهم كيف تعمل السياسة الدولية، ولا فن الممكن واستغلال الفرص المتاحة للمطالبة لاحقا بالفرص الكاملة. أمة لا تزال حتى يومنا هذا تريد رمي إسرائيل وشعبها في البحر أو في أحسن الاحوال قتلهم أو حرقهم كما يطلبون من ربهم بعد كل صلاة، وكما يعلمون أطفالهم في المدارس الحكومية والاعلام الرسمي والخاص. أمة عجزت أن تفهم أو تستوعب أن الدول المهزومة عليها أن تقاوم بطرق مختلفة عن الغزو والسبي والجزية، كما فعلت اليابان بعد هزيمتها وكما نهضت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وغيرها من التجارب التاريخية، بأن استغلت الدول الضعيفة الفرص السياسية والاقتصادية والعلمية، بمجهود شعوبها، لتكون في المقدمة، وهو ما هم عليه اليوم من تفوق وقدرة وتطور وانتصار.
صفقة القرن أو خطة ترامب للسلام هو اقتراح، أو خطة سلام تهدف إلى حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، أعدها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب. وتشمل الخطة إنشاء صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصادات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة، وقد تم التمهيد لها خلال مؤتمر في البحرين عقد يومي 25 و26 يونيو 2019. ورأت النور يوم الثلاثاء الماضي في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض عقده الرئيس الأمريكي بحضور رئيس الوزراء الاسرائيلي السيد بنيامين نتنياهو. وتتضمن الخطة، بحسب عدة وكالات إخبارية، استمرار السيطرة الاسرائيلية على معظم الضفة الغربية التي احتلتها اسرائيل عام 1967، وضم المستوطنات في الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل وبقاء مدينة القدس موحدة وتحت السيادة الاسرائيلية. هذا بمقابل تعهد اسرائيل بالحد من النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية لمدة أربع سنوات وهي الفترة الممنوحة للجانب الفلسطيني كي يقر الدخول في مفاوضات مع الجانب الاسرائيلي لتطبيق الخطة.
كما سيحافظ الحرم الشريف في القدس على وضعه، وستواصل إسرائيل حماية الأماكن المقدسة في القدس وضمان حرية العبادة للمسلمين والمسيحيين واليهود والديانات الأخرى. بينما على الجانب الاقتصادي، فقد تحدثت الخطة التي تقع في 181 صفحة ونشرها البيت الابيض على موقعه بعنوان "السلام على طريق الازدهار" أن هناك مليون فرصة عمل جديدة ستخلق للفلسطينيين في حال قبولهم بتنفيذ الخطة، كما سيتم خفض معدل الفقر إلى النصف، مما سيؤدي إلى رفع الناتج القومي الإجمالي للاقتصاد الفلسطيني مع توفير 50 مليار دولار للإنفاق في مشروعات للبنية التحتية والاستثمار على مدى 10 سنوات لكل من الدولة الفلسطينية وجيرانها الأردن ومصر ولبنان.
وقال ترامب على هامش المؤتمر "يعاني الفلسطينيون من فقر وعنف، ويستغلهم أولئك الذين يسعون إلى استخدامهم كبيادق لتعزيز الإرهاب والتطرف. إنهم يستحقون حياة أفضل بكثير". كما قال "إنها المرة الأولى التي سمحت فيها إسرائيل بطرح خارطة نظرية توضح التسويات الإقليمية التي ترغب في تقديمها من أجل قضية السلام".
هنا، علينا اليوم أن نفهم صفقة القرن بطريقة أفضل من الانجرار إلى مسميات الخيانة ونكران القضية الفلسطينية وغيرها من المصطلحات التي عفى عليها الدهر وأصبحت علامة مميزة للأدعياء والمتأخرين والمتأسلمين والطائفيين الذين يعتاشون على أسم فلسطين بوصفها أحد أسباب تواجدهم وهيمنتهم على القرارات السياسية والعقل الجمعي العربي المسلم.
صفقة القرن سوف تنهي القضية الإسرائيلية الفلسطينية التي طغت عليها المزايدات الدينية والطائفية والقومية دون أي حراك سياسي فعلي يصب في صالح حل المشكلة المزمنة ما عدا التهديد والعويل والصراخ والفشل الذي لازم الحراك العربي في مواجهة إسرائيل سياسياً منذ اتفاقية فيصل – وايزمان في العام 1919 إلى حلف بغداد في العام 1955 وانتهاءً بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في العام 1979.
حيث مرت المقاومة العربية بإخفاقات عديدة وهزائم عسكرية مريرة وخيانات عربية عربية واستعلاء ديني قومي دوغمائي أدى إلى تغير في موازين القوى الدولية واستمرار الدولة الإسرائيلية في البناء والتوسع حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم من تفوق واقتدار على مواجهة، بل وإخضاع العرب والمسلمين إلى شروطها ورؤيتها للسلام وإقامة دولة واحدة إسرائيلية يخضع لها الفلسطينيون بإدارة حكومية إسرائيلية على أرض إسرائيل. فالتفوق الإسرائيلي اليوم، لا يعود فقط إلى امتلاكها للقوة العسكرية أو لعلاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية، بل لأنها تحظى بوجود دبلوماسي فاعل ومؤثر في الأمم المتحدة بعد أن تمكنت في عمقها السياسي والاجتماعي بإنشاء نظام حكم أفضل من كل الدول العربية، وبإدارة أنسب لمواردها البشرية والاقتصادية، ولنظامها السياسي القائم على الديمقراطية والتعايش بين مختلف الأديان والثقافات ووجود العرب في انتخابات الكنيست ومحاسبة الفاسدين وحبسهم وتقديم يد المساعدات الإنسانية إلى العالم وحتى إلى بعض من يمثلون أعداءها.
نحن اليوم بحاجة إلى أبطال في السياسة والمصلحة والبراغماتية أكثر من حاجتنا إلى أبطال في المعارك والمواجهات العسكرية بعد أن فشل العرب والمسلمون تماماً في تقديم أي دلالة علمية وعسكرية على تفوقهم واقتدارهم تاريخياً وراهنياً في مواجهة إسرائيل أو حتى تهديدها فعلياً، ولا عليكم بما تطلقه الشعارات العربية والإسلامية، ومن التيارات الليبرالية والديمقراطية العربية نص كم، من غوغائية ورجعية، فما هي إلا شعارات من فقد كل شيء وأصبح يتمسك بالأوهام ظناً منه بأنها قابلة للتحقق، وفي أحسن الأحوال تكون هذه الشعارات مجرد تلبية لرغبات شعوب في غالبيتها رجعية عاطفية طائفية حتى النخاع تستلذ بالانتقام لمجرد كلمات رنانة تخاطب عقولهم المهترئة ثم تذهب إلى حياتها البهيمية في الطعام والشراب والتكاثر الجنسي دون أي تخطيط أو تفكير جدي وعلمي بمستوى ما وصلوا إليه من جهل واستبداد وفساد وتخلف يلف حياتهم الخاصة والعامة ومجتمعاتهم الغارقة بالبؤس والرثاثة واستحكام الحكام الطغاة ورجال الدين والفقهاء بإرادتهم وحياتهم ومستقبلهم.
إن صفقة القرن بما تحمله من حلول للشعب الفلسطيني أولا، ومن إنهاء الصراع العربي الاسرائيلي، كلها تصب في صالح المنطقة العربية واستقرارها على المدى البعيد وترتيب الأولويات والمصالح المشتركة إن أحسن العرب استغلال الفرص السياسية، وما رفض السلطة الفلسطينية لصفقة القرن إلا حالة تعبر عن العجز الفلسطيني الدائم في مواجهة استحقاق السلام والمواجهة السياسية مع إسرائيل بعد أن تمت أدلجة القضية الفلسطينية بالدين وانقسام الشعب الفلسطيني على الولاءات والتبعية الطائفية السنية والشيعية. وبعد أن استفادت السلطة الفلسطينية ودول الممانعة من أموال الشعوب العربية والاسلامية التي ذهبت الي صناديقهم الخاصة وقصورهم الفارهة.
إن المشاركة في صفقة القرن تمثل قمة الحكمة والمسؤولية الأخلاقية، بالإضافة الي المصداقية والشفافية في التعامل مع القضية الفلسطينية وإيجاد الحلول الدائمة، في الوقت الذي تتاجر فيه التيارات السياسية والشعوب المغيبة بالقضية الفلسطينية في محاولة منها للتمسك بأي قضية عاطفية دينية بعد أن فشلت تلك الأنظمة وتلك الشعوب في بناء مجتمعات ديمقراطية حداثية تهتم بالإنسان والمواطنة والحريات والديمقراطية والكرامة الإنسانية.
لقد دفعت مجتمعاتنا العربية أثماناً باهظة جراء ادعاءات المواجهة الحتمية وضرورة الانتصار على إسرائيل، فقد تعطلت التنمية الاجتماعية وفشل العرب في التحول الديمقراطي واستمرت انتهاكات حقوق الإنسان ووأد الحريات وبقت الأنظمة العربية على حالها البائس والمستبد في قمع الشعوب وسرقة الثروات تحت حجة مواجهة إسرائيل وتحرير القدس.
إن السلام مع إسرائيل في حال استكماله ونجاحه سوف يكشف نفاق وكذب تلك الأنظمة التي تدعي أن قضيتها الرئيسية هي تحرير القدس. أفلا يكفي العرب ما قدموه من ضحايا وموتى أبرياء في سبيل مواجهة إسرائيل، ألم يدّعِ صدام حسين أن تحرير القدس يمر عبر احتلال الكويت، أفلم تدّعِ إيران أن تحرير القدس يمر عبر الرياض، أولم يدمر حسن نصرالله لبنان ويدخلها في حروب عبثية واستهلاك مواردها ومواقفها السياسية من أجل ترضية الجانب الإيراني في صراعه الوهمي مع إسرائيل. أولم يكتفِ العرب من مهاتراتهم وتخبطهم وتخلفهم وابتعادهم عن بوصلة التفوق والنجاح من أجل أن يصبحوا ملكيين أكثر من الملك، أولم تسعَ السلطة الفلسطينية بل وتجتمع مع الإسرائيليين، إن كان سراً أو علانية من أجل استكمال شروط السلام مع اسرائيل. فإن كان الطرف المسؤول عن قضيته هو من يحاول التطبيع فلماذا كل من يعيش في الرخاء والدعة يزايد على صفقة القرن كاستحقاق للسلام والتعايش مع دولة قائمة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً؟.. بل وقد اعترف العرب بمعظمهم استعداداً للتطبيع مع إسرائيل في قبولهم مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991 ثم انخراطهم في ما عرف بالمفاوضات متعددة الأطراف التي تناولت التعاون مع إسرائيل في مجال المياه والبيئة واللاجئين والأمن والتي توجت بعد مؤتمر مدريد بعقد الكثير من المؤتمرات والمحادثات في الرباط والدوحة وعمان والقاهرة بهدف التعاون الاقتصادي.
إن ثقافة العرب والمسلمين قد صنعت الهيجان ضد الآخر المختلف، وحطمت كل أمل في التقدم والبناء. فلم تكتفِ الشعوب العربية بهزائمها الساحقة بل حولتها إلى انتصارات وهمية كما حدث مع جمال عبدالناصر حين حدثت المذبحة الجماعية لجيوش العرب في حرب 1967، ولكنه ما زال بطلاً في نظر الكثيرين وحتى النخب المثقفة التي تحاول خداع نفسها بشعارات القومية التي سقطت تماماً بعد احتلال العراق للكويت في تسعينيات القرن الماضي.
إن الحالة الذهنية التي بثتها الأنظمة العربية والمؤسسات الدينية بشأن عداء إسرائيل وأننا سوف ننتصر عليها آخر الزمان، هو ما جعل من إسرائيل دولة قوية ومتفوقة وتحت حماية دولية لحمايتها من شعارات غوغائية تريد رميها في البحر وقتلهم أجمعين. اليوم، لم تعد إسرائيل هي العدو الذي يجب مواجهته، بل علينا أولاً مواجهة ذاتنا وإخفاقاتنا وما أنتجناه من إرهاب وتطرف وتعصب وكراهية قسمت مجتمعاتنا وشعوبنا إلى طوائف وأحزاب تسعى كل منها إلى تدمير ما تبقى من الوطن العربي الذي أصبح أوطاناً خربة لا يعرف أي قيمة للسلام والحوار والتعايش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي