الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكام العرب آلهة على هيئة بشر

راني ناصر

2020 / 2 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


في الأنظمة الديموقراطية تكون العلاقة بين الحاكم والمحكوم مبنية على أساس ان الحاكم خادم للشعب كُلف لممارسة عمله لفترة زمنية محدودة، وانه عُرضة للمحاسبة والعقاب في حال ارتكب أي أخطاء؛ هذه الثقافة في تعريف وتحديد طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم مستوحاة من العديد من الفلاسفة كأفلاطون وسقراط وابن خلدون وغيرهم ممن اجمعوا على ان الأوطان ملكاً للشعوب، وان الشعوب هي المصدر الأول والأخير للسلطات والتشريعات.

اما في الأنظمة الوراثية والشمولية العربية فيرى حكامها اوطانهم ملكاً لهم بكل ما فيها من مقدرات وثروات وانهار وبحار وجبال ووديان وشعوب ودواب؛ حتى في بعض الأحيان تقترن اسماء الأوطان العربية بأسماء عائلات حكامها، او تكون الاناشيد الوطنية عبارة عن قصيدة تمجيد وتعظيم لهم، او يعُتبر يوم مولدهم عيدا وطنيا ليذكّروا، أي الحكام العرب شعوبهم بكرم الله الذي مَّنَّ عليهم بحكام مثلهم.

هذه الثقافة الاستبدادية مكنت بعض الحكام العرب من الارتقاء الى منزلة الألوهية ليشاطروا الله سبحانه وتعالى خصائصه واسمائه وصفاته الحسنى؛ ففي الدول العربية يوجد قوانين تجرم المساس بمقام الحكام، وتعتبر انتقادهم او الخروج عليهم بمثابة فتنة وبدعة وكفر وتهديد لأمن بلدانهم القومي. أضف إلى ذلك أن أغلب الحكام العرب لا يُخاطبون إلا بالقاب خاصة بالله سبحانه وتعالى كصاحب الجلالة او السلطان او الملك المعظم، وغيرها من الألقاب التي تضفي عليهم صفة الالوهية، ليذكّر من يخاطبهم بعلو وقدسية الحاكم المخاطب وعصمته من الخطأ، فلهذا من النادر جدا ان نشاهد او نسمع عن حاكم عربي يعتذر لشعبه لارتكابه أي أخطاء.

لهذا نجد صورهم على جدران المدارس، والجامعات، والمكاتب، والبيوت، والمستشفيات، وصالات الافراح، ومواقع التواصل الاجتماعي، وقوالب الحلوى لاعتقادهم ان شعوبهم عبيد وملك لهم خلقهم الله سبحانه وتعالى لخدمتهم وليسبحوا ويمجدوا بأسمائهم وصفاتهم "الحسنى". فقد تحول بعض الحكام العرب الى آلهة على هيئة بشر رغم ركاكة منطقهم ولغتهم وهذيانهم، واختصاصهم في تدمير أوطانهم، وغلوهم في سفك دماء شعوبهم، واستخفافهم بأرواح واعراض وكرامة المواطنين، وتكريسهم للجهل والذل والعار في اقطارهم.

ولهذا لا يمكن لامتنا العربية أن تنهض وتزدهر ما دام يقودها قادة مستبدون، لأن الاستبداد هو طريق لصنع آلهة بشرية، وهو كما وصفه المفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي "أعظم بلاء؛ لأنّه وباءٌ دائمٌ بالفتن، وجَدْبٌ مستمرٌّ بتعطيل الأعمال، وحريقٌ متواصلٌ بالسلب والغصب، وسيلٌ جارف للعمران، وخوفٌ يُقطّع القلوب، وظلامٌ يُعمي الأبصار، وألمٌ لا يفتر، وصائلٌ لا يرحم، وقصّة سوء لا تنتهي."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران