الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 1

دلور ميقري

2020 / 2 / 3
الادب والفن


في سنة تحرير دمشق من الأتراك، أكملَ خلّو الثلاثين، وفي الوقت نفسه، شعرَ بالحرية أكثر من غيره. لقد عَلِمنا مبلغَ معاناته في خلال العقد الأخير، بالنظر لملاحقة السلطات له بعدة تهم، كان من الممكن أن تسلّم عنقه لحبل المشنقة لو وقع بيدها. تجربته في الاختفاء بكهوف الجبل، ستساعده فيما بعد عندما حمل السلاح هذه المرة بوجه المستعمرين الجدد. مع أنهم الانكليز، مَن دخلوا دمشق مع أعراب الحجاز، لكن الفرنسيين ضمنوا سلفاً الكعكة السورية؛ وذلك بحسَب اتفاقية سايكس بيكو، التي أبرمت بين هذين البلدين الاستعماريين قبل نحو عامين. الوعي بهذه الأمور، استمده خلّو من شاب يكبره بالعُمر، اسمه " أحمد الملا ": كان هذا من المنضوين في العصابة كأحد أفرادها، برغم ما تميّز به من تحصيل علميّ فضلاً عن ثقافة عالية. وسيكون له لاحقاً إسهامٌ بالصحافة، تحريراً وكتابة، قبل أن يستبدل بدَوره القلمَ بالبندقية.
بينما المدينة تحتفل بانتهاء الكابوس العثمانيّ، الذي جثمَ أربعة قرون كاملة على أنفاسها، كان خلّو يستعيدُ في منزل أبيه عقداً من المشاق دونَ أن يرى، في المقابل، النهاية السعيدة. حقاً إنه فرحٌ بخلاصه الشخصيّ، معتبراً إياه جزءاً من الخلاص الشعبيّ، بيد أنّ الأفق ما فتئ مسدوداً لناحية الحظوة بالعيش الكريم لأسرته وأمه. في تلك الأعوام المنصرمة، كان مقبولاً لكرامته أن تعيش امرأته في بيت أبيها، كونه بنظر الجميع محارباً ضد الاستبداد وساعد بتخليص العديد من الشباب من مصير مجهول لو سيقوا إلى جبهات الحرب. اليوم، كان خجلاً من طلب زوجته إلى بيت أبيه، فيما هوَ عاجزٌ عن تأمين لقمة العيش لها ولبنتيهما. الشقيق الكبير، حسّو، دأب في السنين الأخيرة على نفح والدتهما بالمال، بالأخص وأنها تؤوي تحت سقف المنزل امرأة، هيَ خاني، وكانت إلى الأمس القريب زوجته بكتابٍ مُلتبَس. عندما مر خلّو على مضافة حميه، زعيم الحي، شدد هذا على تلك المسألة الأخيرة بقوله: " ليسَ مقبولاً لكرامة ابنتي أن تعيش في منزلكم، ولما تزل فيه امرأة مشبوهة السمعة. عليك أن تحل هذه المشكلة أولاً، ولن يضر لو ظلت عيشو في دار أبيها مدة أخرى ".

***

الرجلُ الملول، كان قد سرّحَ أفرادَ عصابته وآبَ إلى حياته العادية بعد حياة شاقة في الكهوف صُحبة الأفاعي والعقارب وبجسدٍ عشش فيه القمل. لكن خلّو وجد حشرة آدمية، تتطفّل على حياة المنزل. كان على يقينٍ، بأن الأم بطبعها العنيد لن تسمح برمي خاني إلى الطريق. عند ذلك، جاءته فكرة؛ وهيَ أن يبني حجرة للضيفة، يُفتح بابها على الجادة، وهكذا تبدو مستقلة عنهم بحياتها: " ولا تثريبَ لو بقيت تحصل على قوتها من الإحسان، لأنه مالُ زوج شقيقتها في آخر المطاف! "، هكذا انتهى تفكيره. في الحال، غادر حجرة الضيوف ثم دخل على أمه، وكانت في حجرة نومها تقلّب حبّات المسبحة. أدلى لها برأيه في حل مشكلة الضيفة، بلا حاجةٍ لتنميق أو تزويق. بانَ الاهتمامُ على وجه المرأة العجوز، وكانت متفهّمة قبلاً مشكلةَ الابن مع حميه بهذا الشأن.
" سليمان داوو، يعمل بالفاعل، وهوَ على قرابة بحميك. اسأله عنه. وفيما يتعلق بالتكاليف، سأتولاها من مالي "، ردت الوالدة على اقتراحه. خاني، كانت حتى ذلك الحين تنام في حجرة النوم الأخرى، المفصولة عن حجرة الأم بالإيوان. هكذا سيكون لخلّو حجرة نوم خاصة، تكفيه مع امرأته والبنتين الصغيرتين. عقّبَ على كلام الأم، بأن شكرها وهوَ يقبل يدها. قالت رامية بصرها عبرَ النافذة الوحيدة، المطلة على أرض الديار، وكأنما تخاطبُ تلك المرأة العاثرة الفأل، " نكسب ثواباً بإيوائها، لحين أن يعطف عليها أحد الرجال ويتزوجها ". هكذا رجل، كان موجوداً فعلاً؛ ولكنه ما يفتأ في مكان قصيّ بسبب سوقه إلى جبهة الحرب: إنه " آكو "، الابن البكر لعليكي آغا الصغير، الذي سيعود إلى الحارة بعد أشهر أخرى كي يبلّغ أبناء العشيرة بخبرٍ فاجع، كان عمه قد طواه في جنبه بحرص، إنما بمرارة وألم ولوعة.

***
عيشو، سرعان ما عرفت، سعيدةً ولا غرو، عزمَ خلّو على حل مشكلة الضيفة الثقيلة. فلم تتأخر أيضاً عن التشمير عن ساعد الجد، لمشاركة الزوج في العيش تحت سقف منزل أسرته. فبادرت إلى جمع متاعها ضمن صندوق جهاز العرس، المحلّى بالصدف، والمعبق بعطر أزهار الخزامى المجففة. أضافت إليه ثيابَ الابنتين، فيما كانت والدتها وجدتها تحضّران علبة خشبية كي تتسع لمرطبانات الأغذية المخللة، كالزيتون والباذنجان المحشو بالجوز.
تلك النعم، وكانت نادرة في زمن المجاعة، أمكن تأمينها بفضل الأبناء، العاملين في البساتين؛ كلّ باختصاصه: موسي، كان ما زال وكيل أعمال عمر آغا؛ سلو، بقيَ في وظيفته بمحل الماشية بناءً على طلب السيد عليكي الكبير؛ وأخيراً حسينو، وكان قد انضم للنواطير على خلاف رغبة والده.

* مستهل الفصل الخامس/ الكتاب الرابع، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | شراكة تعد بولادة جديدة للسينما العربية..تفاصيل الم


.. ما هو اكثر شيء يزعج نوال الزغبي ؟??




.. -احذر من صعود المتطرفين-.. الفنان فضيل يتحدث عن الانتخابات ا


.. الفنان فضيل يغني في صباح العربية مقطعا من أحدث أغانيه -مونيك




.. مشروع فني قريب بين الفنان فضيل وديانا حداد وجيبسي كينغ