الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المخابرات الناعمة

راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)

2020 / 2 / 4
الصحافة والاعلام


( المخابرات الناعمة )

قلم #راوند_دلعو

فعلاً ..... لقد أصبح الفيسبوك اليوم أقوى رجل مخابرات في العالم .... !

رجل مخابرات بلا لثام و لا نظارات شمسية و لا تنكر و لا بزة رسمية و لا تلصص و لا تجسس ...

رجل مخابرات بعينين زرقاوين جائرتين وقحتين .... و شامة بيضاء ناصعة أيضاً .... تقول لك : هأنذا !

رجل مخابرات حاذق خبير .... لا يضطر لاستخدام التعذيب كي تدلي له بمكنونات صدرك .... !

لا يكتب عنك التقارير .... بل أنت من يكتبها له ... و ترسلها عبر القارات أيضاً ... و على نفقتك الخاصة !!

لا يستخدم كرسي التعذيب و لا غرف الاعتراف و لا السكاكين و لا المشارط و لا الخوازيق العثمانية الحقيرة و لا الغاز الهتلري السام و لا سيف الحجاج بن يوسف الثقفي ... بل يستخدم هرموناتك التي تسري في عروقك ... ( كالدوبامين) مثلاً .... ذلك الهرمون الذي يتم إفرازه كلما حصلت على إعجاب أو تعليق أو مشاركة ... مما يدفعك للاستزادة و بالتالي الاسترسال في الاعتراف و الإقرار ، و أن لا تترك بنت شفة إلا و تفضحها ( بلعلعة و جلاجل ) .... ثم تُطلِقُها عابرة للفضاء الإلكتروني متعدد الأطياف و الألوان !

كما يجند مشاعر الاستفزاز ضدك ... فكلما استفزك شيء ( خبر_حادثة_ منشور _صورة ....الخ) كتبت و عبَّرت و أقررت و اعترفت و ( انبحتّ ) على صفحة هذا الفضاء لا نهائي الأبعاد .

لا يوجد رجل أمن قادر على أن يأخذ رأيك في كل شيء .... أما الفيسبوك فقادر .... و بسهولة ... و دون أن يمس شعرة منك ... !

يأخذ رأيك حتى في جمال بنت الجيران !!! و صفاء الزرقة في عينيها... و الحمرة في شفتيها .... ! و رغبتك العارمة في التصبيح عليها مصادفة .... و الارتطام المفاجئ بعطرها مساءً ....!

يفضح رأيكَ الشخصي بصديقة زوجتك من خلال إعجاب يتسرب من لوحة مفاتيحك بالخطأ إلى صورة من صورها العائلية !

كما ينشر على الملأ رأيكِ _عزيزتي _ بصديق زوجِكِ من خلال إعجاب طائش أو كره مقصود على صورة من صوره و هو يمارس رياضة بناء الأجسام !!!

كما يسجل تفاصيل المشاجرات و المشاحنات و المنابزات و الردح و الحظر .... بالتفاصيل و تفاصيل التفاصيل !!!

ليس ذلك فقط ، بل يستثمر ملكات و غرائز من مثل الفضول و حب الإفصاح و الاستطلاع و التحشر لكشف باطنك ... فيعرض لكَ صورة خصمك السياسي فإذا بك تتفجر بتعليقات فاضحة رادحة متبردحة !!!! فيخرج ما في جعبتك من قاذورات قبل العطور ...

يعرض لك صورة فتاة جميلة فيكتشف الشاعر الذي فيك قبلك !

يفاجئك بأغنية لمطربتك المفضلة فتنسال مدحاً و غراماً إلكترونياً ...

يفاجئك بصديق دراسة متفوق كنت تغار منه فتنهال كرهاً و شتماً و تبخيساً ....

يسجل موقفك من عيد الأضحى و النيروز و الفطر و الميلاد و الفصح ..... و ميلاد نيوتن و وفاة شكسبير و قيامة المسيح ...

يسجل مواقفك الحاسمة من فرو القطط و ريش الطيور الأليفة و طريقة تأنفك من المكياج الصارخ !!

يتابع نظراتك للتنانير القصيرة و التيشيرتات و البكيني و الحجاب و النقاب و الضيق و الفضفاض ....

و يركز على لونك المفضل ... و ستايلك الذي ترغبه ...

باختصار ... يتابعك في كل شيء و يسجل عليك كل شيء ...

لكن ... إياك أن تظن أن ما تحذفه أو تتراجع عنه من تعليقات و منشورات و رسائل يذهب إلى الأبد و يختفي ....

لا ابداً .. لا تكن ساذجاً ...

فلم ينفق الغرب مليارات الدولارات و آلاف الساعات على تطوير هذه الوسائل لترفيهك فقط ....

فحواسيب و سيرفرات فيسبوك الأضخم هي تلك المعدة لتحزين المحذوفات و تحنيط المهملات و التقاط الهفوات و من ثم دراستها و تحليلها ....!!

تاريخك عندهم ... بتفاصيله ....بتفاصيل تفاصيله ... بمكنوناته المملة .... بتضاريسه المُخِلَّة ... بحروف الجر و العلة ... بالكثرة و القلّة ....

متى أسلمت ... متى تدينت .... لحظة تحولك للمسيحية ... لحظة تشيعك ... كيف صرت ليبرالياً ... متى ألحدت و من ساقك للإلحاد ....

من أين خرجت ؟ ...

من أين دخلت ؟ ...

بماذا تشعر ؟

تاريخ آخر إلغاء صداقة بينك و بين زوجتك ... ثم متى طلبتها مرة أخرى .... و هل قبلت عن طيب خاطر أم لا !!!

كم قضيت من الوقت في مكان كذا و كذا .... ؟

كم لحظة تقضيها و أنت تتلصص على بروفايل أم صديقك الشقراء التي لا يزال جمال حجابها يصدح برعونة و طيش !!

من هي الزميلة الجامعية التي تحبها بصدق .... و من هي التي تغارين منها و تكرهينها سيدتي ...

هل أنت ملحد !!

هل أنت إسلامي متطرف !!

درجة تدينك !!!

هل أنت طائر مغمض مسالم من جماعة معجبي الكاهن عمرو خالد .... و بالتالي أنت مسلم ( كيوت )...

هل أنت من المطبلين للكاهن العريفي ؟ فأنت سلفي و مشروع داعشي.

هل أنت من المتعصبين للينين و ماركس ؟ فأنت مشروع شيوعي !

أم من متابعي الظواهري و الخميني و بن لادن و سيد قطب فأنت مشروع إرهابي ....!

شحروري قادياني عدناني عرعوري .... الخ

ما هي درجة استعدادك للارهاب و المروق ؟؟

هل أنت ليبرالي !! و إلى أي درجة ....!

موقفك من الديموقراطية و العلمانية ؟

ماذا حمَّلت من كتب !! ما هي قراءاتك !!

ميسي أم رونالدو ؟؟

بليغي أم فريدي أم وهابي أم سنباطي ؟

كلثومي أم فيروزي ؟

بتهوفن أم موتسارت ؟

هل تحب العصافير !!

هل تعشق زوجتك أم أنك تنتظر فرصة لتخونها بنظرة أو لمسة ....!

الخ الخ

( هامش استراحة :

عزيزي القارئ .... يسعدني أن أقدم لك شربة ماء كمكافأة على استمرارك بالقراءة ....

تفضل 💦 ! )


و الآن .... هل علمت لماذا تنشئ حسابك الفيسبوكي وتجدده مجاناً !!!


ليست جملة عابرة تلك المكتوبة على صفحة الفيسبوك الرئيسية (مجاناً ... و سيبقى مجاناً ) !!

أي أننا نتجسس عليك مجاناً ... و سنبقى نتجسس عليك مجاناً ... !

ندخل إلى غرفة نومك عند الصباح مجاناً ...!

نتسلل إلى مكتب عملك عند الظهر مجاناً ....!

إلى حمامك عند قضاء الحاجة مجاناً .... !

إلى سريرك و علاقاتك الحميمة مجاناً ... !

فعلك .... ردود فعلك ... حركاتك ... سكناتك ..... مجاناً !

ما تفعله من وراء زوجك .... مجاناً !!!

عذوبتك بشاشتك ساديتك وصوليتك انتهازيتك أحلامك حدودك طموحك ..... رياضتك المفضلة .... حيوانك المدلل ... زعيمك المفضل ... حزبك الذي تنتمي إليه ... حزبك الذي تفكر أن تنتمي إليه ...مجاناً ... !

إن ما فعله مؤسسوا الشبكة العنكبوتية و مخترعوا مواقع التواصل الاجتماعي عجزت عن فعله كل أساليبنا و فلسفاتنا الدينية الرائدة في تبرير القمع و التعذيب لاستنطاق البيانات ....

عجزت عن تحقيقه كل موروثاتنا التي بررت الأفعال الديكتاتورية و طرائق السحل و الدحل و القتل و التقطيع و الصلب و الشبح و الفرم و القهر لجمع البيانات من الكفار و الزنادقة و المرتدين و أشباه الثوار على الأمر الواقع و ولي الأمر الواقع !!!

#الحق_الحق_أقول_لكم .... إن غوغل و الفيسبوك و تويتر و إنستغرام و سنابشات ..... أقوى رجال المخابرات في التاريخ ... !

لا يفوقهم مهارة و اطلاعاً إلا مخابرات الأديان الماورائية (أنكر و نكير ) ... الذين لا يغادران كبيرة و لا صغيرة إلا و أحصياها ....!

فلتتفضل و لتكتب في المربع الاستخباراتي الأَلأَم و الأحقر في التاريخ ....



فالمخابرات اليوم .... لطيفة ...حساسة ....ملونة ... براقة ....ناعمة .... جنتل ... كيوت ... رقيقة ... زرقاء العينين .... مليئة بالألوان ... و الألعاب.... و الثقافة .... و العلم .... و النوافذ ... و الآراء ... و التسلية ...

لكنها خبيثة .... دقيقة .... تسجل الكبيرة و الصغيرة ... ماكرة ... تصيبك في مقتل .... تفضحك في أخص خصوصياتك .... لا تترك كبيرة و لا صغيرة إلا و تحصيها ..

(انشر شيئاً ) ( غرد بشيء ) كي نعلمه عنك !!

تفضل غرد يا صديقي فنحن بانتظارك .... !

سو ... ( ? Whats on your mind ) ماذا يجري الآن في مخك ؟ حدثنا عن تفاصيل حركات السيالات العصبية التي تجري في كابلات دماغك الآن !!!

هامش:

و مع ذلك ....

سأتكلم و أتكلم و لن أخفي حبي للشعر و الكلمة الحرة .... و الإنسان الكوني ... و مدنية الدولة ... و الدعوات السلمية و التصالحية ... و الليبرالية .... و الأنظمة المتحضرة في الدول الاسكندنافية .... و كوكب اليابان ... و الببغاء ... و منظمات حقوق الإنسان ... و الموسيقا و بليغ و فريد ....

و بالمقابل كرهي للموروث و الدين و الطائفية و المذهبية و العنصرية و الإمبريالية الغربية و الشوفينية و الشمولية ....و التقديس ... و الانغلاق ... و الأصولية ... و إطالة اللحية .... و القطيعية .... و المشائخية ... و الكهنوتية .... و لما يحدث بسوريا من قتل بالجملة ....

كما لا يفوتني أن أسجل كراهيتي لمعظم الشعر التقليدي الموزون الذي يكتب اليوم .... فمعظمه مصطنع و مركب و مصفوف بأبعد ما يكون عن الشاعرية ....

و كراهيتي لأغنية حسيبك للزمن و فكروني لأم كلثوم ... و نصف أعمال عبد الوهاب المملة و المسروقة ...

و مبايعتي لبليغ حمدي كالإله الأوحد لعالم الألحان !!!

#راوند_دلعو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة