الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحتفاء بعذابات القصة

ابراهيم سبتي

2006 / 6 / 2
الادب والفن


كم من الناس تمنى ان يكون قاصا؟
كم من هذا الكم تمنى ان ينشر قصة واحدة على الاقل في حياته؟
القصة اذن تمني ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه . انه عالم غريب عجيب مليء بالنبوءات والخطايا والاكاذيب البيض والامنيات والمشاكسات ولغة الحوارات العذبة والبغض والندم والابتهاج ..
عالم غريب لا يشبهه شيء ولا يمكن ان يشبه مادام كل ما يكتب عبث وفوضى وانزياح لكلمات جاثمة في الرأس حد التقيؤ.. فالكلمات تبصق بصقا .. والتعابير تتراقص لاجل صياغة ما ، يقول عنها بارت لغة التعابير المفبركة ..
لماذا نكتب قصة ؟
هل هو احتقان وتمني وفضول وثقافة خاصة وعبث ؟
اهي فضح للمسكوت عنه !
ام انها الرحلة الطويلة في عالم الكلمات وأسرار الكتابة والشخصيات والأحداث والصراع بين السرديات والمرويات والوقائع والأحداث ؟
هو عالم الأماني والأحلام والأوهام، والطفولة والمكان والرؤى ، فيكتسب المكان فيه منذ اللحظة الاولى إيقاعا مناظرا للرهبة فكل الشخوص تتهافت إلى التقرب من التوجس والأحاسيس المتأججة لاظهار المعاني المسكونة بحركة الشخوص وعندها يدوي نفيرالمشاعر فيرفع راسه بغتة عن ورقته وبترتيل خاشع يوقظ الالفة والتواصل مع ذاته التي يشوبها الكر والفر بين السذاجة والفجاجة وصدق المروي ، فيحس نسيما على صفحة وجهه تثيره ريح ، فيرى وهجا يتألق .. فينتهي بحثه المضني لاكتشاف ما توارى خلفه .. ان ثمة كثيرين تفاعلوا مع الارث في الحدث المحكي استحضارا للنص الغائب وبحثا عن اجوبة لاسئلة التأويل والمقاربة التي كانت تستعصي عليه احيانا .. في القصة ، المكان مستباح ، ففيه أريقت أرواح وتلاشت الآدمية المهدرة انه مكان باهت، تعيس.. متجانس ومتنافر وساكن ومتحرك .. يالعذابات النفس وهي تمتحن امام ورقة بيضاء يجب ان تمتليء
واي امتلاء هو ..كثيرة هي الاملاءات التي القاص ان يسطرها ، املاءات النفس وهي تذرف عوالمها وصولا للمتعة الكبيرة وكأن صاحبها / سليل المعاناة / قد وطيء سطح القمر متربعا قبل ارمسترونج رائد الفضاء الاول ..
انها تيار من الاستطراد الوفير، وسرعان ما يكتشف أن الحلم مدثر برداء الفجيعة فيركن إلى الظل مع ذاته بلحظة طويلة / حيث ان المآسي ما تزال تترى مع كل يوم / باحثا وسط المتاهة عن سبيل للانفلات فتصرخ حروفه وتلتهب أسطره في كل كلمة تسيل فوق ورقته ..
مهووس هو القاص / رغم الإيحاء الخادع / بأن كل كلماته المراقة هي مظاهر من أنماط الوعي والثقافة المشكلة لبنية المجتمع ، فوعيه يتدفق متخطيا حواجز السرد و يحتاج إلى براعة وحنكة وذكاء وبصيرة، كي ينهمر فوق الشخصيات التى يستحضرها ومن خلالها الدال والمدلول فيؤجج الذهول والاندهاش في نص يحاكيه اولا وقبل الآخر تماما.. ذلك هو الواقع فعلا،فيخلق أسطورته الخاصة بعوالم سردية طافحة ماهولة وبحوار قوي ساحر وآخاذ مليء بالعاطفة والانفعال ..
يقول احدهم ( المبدع الحقيقي سيُعبر دائماً بالكلمات التي عجنت بآمال حياته وحياة أمته وبأحزانها، وبالأغاني التي احتضنت طفولته، وبالأحرف التي سمع فيها بواكير حبه أو عقابه، وباللغة التي رضع وعاش وكابد طوال حياته ، بتلك اللغة، وليس بأي لغة أخرى سيبدع عمله ) ..من هنا يسجل الابهار في جمله ولغته ويخلق اسلوبه الخاص اذ القص هو زوادته في تلك البرهة الظليلة. وذهب الجرجاني الى ان (تضافر بلاغيات الجملة مع نحوها لتاسيس جماليتها بعيدا عن قيد
المدلولات ) متوخياً الدقة المتناهية في تسجيل اللحظات المتصلة بالأحداث الصغيرة والكبيرة من خلال لغة تتماهى مع السرد الطافح تارة وترتبط بالوصف تارة أخرىودونما سابق تنويه او إشارة ،فيبعث رؤى جديدة داخل نسيج النص لتحقيق انزياح كامل للمعني المتداول بغير وعي من المبدع .. وحسب باشلار ( المؤلف يجب ان يكون قارئا متيقظا الى اقصى حد ) . وهكذا سافر النص / لتحديد هويته / عبر السيميائية والبنيوية شكلانية كانت ام تشريحية التي تعمل من داخل النص لتبحث عن الاثر بطريقة عبثية تماما متكئأ على الزمان كله وما أعمق الزمن عندما تكمن فى احتفائه واتكائه على تسجيل الواقع ، الواقع الإنساني بأعمق وأدق أبعاده كما تجلى في اول قراءاتنا (الاخوة كارامازوف) لدستويفسكي(ذهب مع الريح) مرجريت ميشيل) (الامير والفقير) لمارك توين ، و(دافيد كوبرفيلد ) لتشارلز ديكنز (مرتفعات ويذرنج ) لشارلوت برونتي و(مدام بوفاري) لجوستاف فلوبير و(ربيكا) لدافني دي مورييه و(دكتور زيفاجو) لبوريس باسترناك و(الشيخ والبحر) لهيمنجواي,و(عوليس) لجويس وثلاثية محفوظ وغيرها من الروايات. وعرفنا شخصيات مثل (أوديب) و(جيو كاست) و(الكترا) (هاملت) و(ماكبث) و(الدكتور فاوست) و(راسكولنيكوف) .. القاص ضمير الاخرين ، يتقمصهم ، يحلم بدلا عنهم ، يتلاشى ، يصارع ، يذرف دموعه وجلا .. يكتب بذاكرة منفتحة متيقظة مندفعة بسيل من السرد. فيحدث كل شيء بسرد موجع مروع احيانا لانه يعكس مرئيات محبطة او متفائلة لا فرق، فالمسافة مخيفة من الذاكرة حيث تقبع وتتداخل الرؤى ، الى الورقة كما المسافة من الزنزانة الى المقصلة فيستباح مخزون الذاكرة وينتفض .. وهكذا نحن نكتب ولان فيما نكتب نشوة والم ، فهي قدرنا الذي سعدنا باختياره وكما يقول الروائى أرنستو ساباتو: " يعيش إنسان اليوم فى حالة توتر دائم، هو يقف وجها لوجه أمام الدمار والموت والتعذيب والوحدة . انه إنسان الحالات المتطرفة وقد بلغ، أو على وشك البلوغ، نهاية وجوده . والأدب الذى يصف أو يفحص هذه الحالة لا يمكن أن يكون شيئا آخر عدا كونه أدب الحالات الاستثنائية ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن