الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من سوريا إلى السودان، هذا هو البرهان

ناجح شاهين

2020 / 2 / 6
القضية الفلسطينية


"يطالبون سوريا بحرب فورية ضد إسرائيل، ولكنهم لا يطالبون الخليفة إردوغان بأضعف الإيمان: قطع العلاقات مع إسرائيل، والانسحاب من حلف الناتو الاستعماري".
ليس لقاء عبد الفتاح البرهان بنتنياهو فتحاً جديداً في السياسة السودانية. فقد سالت في نهر العلاقات السودانية مياه كثيرة قبل عهد ثورة "الربيع السوداني" الأخيرة. كان النميري قد تورط في نقل يهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل. كذلك كان هناك اتصالات متنوعة بين نظام البشير والدولة العبرية. ومن ناحية أخرى كانت وزيرة الخارجية السودانية الحالية قد أشارت في ايلول الماضي إلى إمكانية إقامة علاقات "طبيعية" مع إسرائيل.
كان السودان في المستوى الافتراضي سلة خبز العالم الثالث، أو على الأقل الوطن العربي.
تعرفون أن الرأسمالية السودانية "الذكية" قررت بعد استشارة البنك الدولي أن القطن أفضل من القمح والمحاصيل الغذائية الأخرى. بالإمكان زراعة القطن وشراء احتياجات السودان الغذائية كلها وتحقيق ربح وفير. وقع ذلك الاختراع العجيب أواخر السبعينيات من القرن الماضي بإيحاء من نموذج الخليج "النفط مقابل كل شيء".
لكن "المفاجأة" المؤلمة هي أن البنك الدولي كان قد نصح "آخرين" بزراعة القطن، فانهار سعره في الأسواق العالمية، وجاع السودان بالمعنى الحرفي للكلمة.
المهم أن السودان "اكتشف" بعد سقوط النميري ومن بعده الصادق المهدي طريقاً آخر للتنمية والسياسة متمثلاً في التحالف مع إيران ودعم قضايا العروبة والتحرر وعلى رأسها فلسطين. لكن الاستعمار العالمي لم يعجبه ذلك بالطبع. ويبدو أن السودان لم يكن يمتلك من الذكاء السياسي ما يكفي لتنفيذ التنمية المستندة إلى الانفصال عن الاستعمار العالمي ومقاومتة.
ساد حكم إسلامي منذ العام 1989 بالتحالف مع عمر البشير الذي قاد انقلاباً على التحالف الذي كان يقوده "حزب الأمة" وزعيمه الصادق المهدي. لكن مسيرة هذا التحالف الذي جمع عددا من التناقضات توجت بمحاصرة السودان من قبل الولايات المتحدة وحلفائها وصولاً إلى إضعاف الدولة إلى حد انفصال جنوب السودان ليأخذ معه 75% من نفط البلاد. ثم عمت الإضطرابات نصف البلاد التي تعيش حروبا داخلية في مناطق دارفور وكردفان الجنوبية والنيل الأزرق، وهاجر ملايين المواطنين من مناطقهم. وهكذا تم تجويع البلاد وإثارة الفوضى فيها وصولاً إلى الدولة الفاشلة أو شبه الفاشلة على الأقل. وتم التلويح باعتقال عمر البشير وتقديمه للمحكمة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ماذا يفعل "قائد الدولة الإسلامية"؟
الجواب معروف بالطبع: لم يعد أمام حكم البشير الذي يحمل الصولجان ويرقص في الاحتفالات الشعبية من طريق للنجاة إلا التنازل عن القضايا العربية المختلفة وصولاً إلى عرض ما لديه للبيع. فعرض نفسه على أردوغان ثم على السعودية وصولاً إلى "تأجير" السودانيين للجهاد في اليمن وخطب ود أمريكا وإسرائيل بالطرق كلها. لسوء الحظ تواصل حكومة "ثورة" البرهان وحميدتي السير على النهج ذاته.


بالنسبة لصفقة القرن فإن ردة الفعل العربية الرسمية لم تكن تحتاج إلى أي برهان. عبد الفتاح البرهان هو القشة التي قصمت ظهر البعير العربي فيما يتصل بإغداق الحب على إسرائيل التي ما عادت عدواً لا في السر ولا في العلن.
لكن إذا كانت الأنظمة العربية القديمة من جهة والمستحدثة بفعل الربيع من ناحية أخرى أنظمة تسير بشكل حثيث على طريق رسم سياساتها في ضوء ما تظن حكوماتها أنه مصالحها "القومية" حتى لو تضمن ذلك احتضان إسرائيل، فما الذي يفعله النظام السوري صاحب البراميل، قاتل شعبه الذي يشكل موضوعاً فريداً للإجماع العربي المعادي من ناحية والجهاد الإسلامي الإخواني والداعشي من ناحية أخرى؟
أليس هو الآخر عميلاً سرياً لإسرائيل يمكن لإسقاطه إن تحقق أن يفتح الباب على مصراعية للجهاد الإسلامي بقيادة تركيا وقطر من أجل فلسطين؟
نرغب في مناقشة هذه الفكرة باختصار لأنها تتكرر في أدبيات الإسلام السياسي، والليبراليين العرب على السواء.
هناك أراض عربية مغتصبة ومنها الجولان، ناهيك عن فلسطين.
وهناك قوتان تتقاعسان على ما يبدو عن تحرير الأراضي المحتلة ألا وهما سوريا والمقاومة اللبنانية.
لذلك استقبل الإخوان المسلمون بفرح شديد قصف الطيران التركي لمواقع الجيش السوري قاتل الأطفال. بالطبع يؤمن هؤلاء، خصوصاً البسطاء منهم أن سقوط دولة الأسد سيفتح الطريق على مصراعيه لتحرير فلسطين والجولان. من نافلة القول إن قطع علاقات تركيا بإسرائيل في هذه المرحلة ليس ضرورياً. سيأتي ذلك قريباً بعد أن نتمكن من إيصال المجاهدين إلى سدة الحكم في سوريا.
لكن لنترك هذا جانباً. ونحصر أنفسنا في محاكمة نظام الأسد: لماذا يحقق الأسد الانتصارات في داخل سوريا ضد "الثورة" الإسلامية أو الديمقراطية، ويقدم التضحيات الجسام في حربه "المجرمه" ضد شعبه ولكنه يهرب من معركة الجولان؟ ولماذا يساعده حزب الله –أم نقول اللات؟- في حربه تلك، ويهرب من واجبه القومي/الإسلامي في تحرير فلسطين؟
سوف نضرب صفحاً عن إمكانية توجيه الأسئلة ذاتها للثوار الليبراليين والجهاديين. بمعنى أننا لن نفحص لماذا لا نتوقع من المجاهدين المدججين بالرجال والمال والسلاح أن يقدموا شيئاً من أجل فلسطين والجولان. نعرف أن هذا غير وارد بتاتاً لأن مشروع "الثوار" الأهم هو قتال المجرم الطاغية الكافر عميل إسرائيل وأمريكا الذي هو النظام السوري. وفي سبيل ذلك يتعاونون مع إسرائيل وأمريكا والخليج وتركيا.
هل الكلام متناقض؟ ألا يجوز الاستعانة بإسرائيل لمواجهة الأسد عميل إسرائيلي؟ يبدو أن "الجهاد" يجوز كل شيء.
عودة لسؤالنا: لماذا لا يقوم الأسد بواجبه تجاه الجولان؟
الجواب في رأينا لا يعدو أن يكون أحد ثلاثة:
1. أن النظام السوري عميل لإسرائيل.
2. أن النظام السوري جبان ولا يجرؤ على قتال أحد باستثناء شعبه.
3. أن النظام السوري يسعى لبناء قوته مع دعم قوى المقاومة في المنطقة، حتى يصبح بالإمكان دحر المشروع الصهيوني.
أنا من السذاجة بمكان بحيث أتبنى الفكرة الثالثة.
وأود هنا أن أبين بتبسيط مخل أن إسرائيل أقوى ولاية أمريكية من الناحية العسكرية، وأن التغلب السريع عليها ليس في متناول يد حماس ولا حزب الله ولا الجهاد الإسلامي ولا الجبهة الشعبية ولا سوريا ولا حتى دولة الخليفة إردوغان. أتوهم أيضاً أن الدحر النهائي للصهيونية قد لا يكون متأتياً قبل بناء جبهة عربية مشرقية واسعة تتكون من العراق ومصر والشام.
للأسف إسرائيل حققت اختراقات مريعة في العمق العربي مقوضة الامتداد البعيد في صحراء الجزيرة العربية بحيث تحول إلى حليف/عميل وتابع لإسرائيل، كما اخترقت بدرجة كبيرة مصر وليبيا وتونس والمغرب والسودان. وهذا يسعفنا في تقدير مقدار السذاجة المتمضنة في عنتريات البعض الذي يطالب سوريا بتحرير الجولان أو فلسطين...الخ. لا بد أولاً من توسع محور المقاومة ليشمل مصر على الأقل، وإلا فإن الأمور تظل صعبة بما يقترب من المحال ذاته.
بالطبع لن تتأخر الأردن أو السلطة الفلسطينية أو نظام السيسي أو نظام طارق خليفة قابوس في عمان...الخ عن شن حرب لتحرير فلسطين وضمها لو كان لديه القوة لفعل ذلك.
وحتى المتعاونون مع الاحتلال من قبيل دول كالسعودية ومصر والإمارات وتركيا إنما يفعلون ذلك لأنهم موقنون أنه لا قبل لهم بإسرائيل، فينضمون لها ويخطبون ودها.
سوريا وحزب الله يعلمان أن إسرائيل المدججة بأحدث الأسلحة الأمريكية ما تزال أقوى منهما عسكرياً، لكنهما يقاومان بكل شجاعة وإصرار، ويواصلان مراكمة الانجازات على طريق حرب طويلة شاقة ومؤلمة لدحر المشروع الصهيوني.
البعض من فئات "المسقف" البارعة في الكلام، يظن الحرب ضد إسرائيل في سهولة كتابة قصيدة أو لعبة نرد أو غارة من قبيل غارات الصحراء. الحرب ضد الصهيونية في حقيقتها ملحمة مأساوية قد تستغرق عقوداً وعقود.
لذلك نتمنى أن يعي الناس أن أعشار المثقفين الذين يطالبون سوريا بالهجوم الفوري على إسرائيل، إما أنهم جلهة تماماً بألف باء السياسة، وإما أنهم يتمنون في أعماقهم أن تذهب سوريا إلى حرب غير متكافئة تذهب بها إلى الهلاك. هؤلاء بالطبع لا يفكرون حتى في مطالبة الخليفة اردوغان بأضعف الإيمان ألا وهو قطع العلاقات مع إسرائيل والانسحاب من حلف شمال الأطلسي. لكننا نود أن نقول للمخلصين والعقلاء أن أمل فلسطين والعروبة الوحيد حالياً يحمل اسماً حركياً واحداً ووحيداً هو "محور المقاومة" الذي تشكل سوريا والمقاومة اللبنانية عمودة الفقري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو