الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


براءَةُ الخصام

ضيا اسكندر

2020 / 2 / 6
كتابات ساخرة


عندما كنا نتزاعل أيام الطفولة لسببٍ ما، كان أحد المتخاصمين يقول للآخر بغضب: «رُحْ ولاه! أنا مزاعلك، ما عاد تحكي معي أبداً لمدة أسبوع!» فيجيب الآخر مستوضحاً وقد تجهّم وجهه: «مزاعلني مع كلمة (قُلُّو: أي قُلْ له) واللا بدونها؟». وهنا يردّ من بادر بإعلان الزعل إما بالإيجاب أو بالنفي تِبْعاً لدرجة الزعل. والحقيقة أن الخصام بدون كلمة (قُلُّو) هو أشدّ أنواع القطيعة؛ إذ ينتفي الكلام بين المتخاصِمَين نهائياً. وربما لا يلتقيان في محضرٍ واحد. أمّا الخصام مع استخدام (قُلُّو) فقد كان أسهل أنواع القطيعة. إذ من الممكن أن يذهبا معاً مشواراً ويحضرا سينما ويتحدثان بكل شيء ولكن فقط باستخدام تلك الكلمة الأثيرة (قُلُّو) في بداية أي عبارة. مثال:
- قُلُّو ، مرحبا، بتروح عالسينما؟
= قُلُّه أهلين، أيّ سينما؟
- قُلُّو سينما أوغاريت، عم تعرض فيلم ديجانكو لفرانكو نيرو..
= (بحزن) قُلُّو والله ما معي مصاري..
- (بنخوة) قُلُّو، وَلَوْ.. مو مشكلة، على حسابي..
وهكذا.. وكأن ثمّة شخص ثالث وسيط غير مرئي يقوم بنقل الكلام بينهما. كما أن الصلح يمكن أن يحصل بحضور وسيط أو بدونه. ولا تخلو شلّة من بعض الصبيان (العوازل) الذين يُبهجهم تخاصم الآخرين. فلا يَسعَون أبداً لعقد الصلح بين المتخاصمين لأسبابٍ عديدة. فقد يكون الزعل بين صديقين مدعاة لتحقّق مصلحة لدى طرف ثالث، أو بسبب الحسد والغيرة.. فلا يبذلون أي جهد لمعالجة الخلاف، إن لم يسعَون إلى تسعيره. ومفتاح الصلح عادةً هو تبادل ذكر اسم الزميل المخاصَم بين الطرفين. ومن يقبل أن يذكر اسم المتخاصم الآخر أولاً، يكون متسامحاً أكثر، ويشير إلى طبعه الطيب. ولكن البعض قد لا يذهب تقييمهم إلى الشخص المبادر للصلح على أنه أطيب، بل قد يعتبرونه أقلّ شكيمةً واعتداداً من الآخر. وإذا ما سمع صبيان الحيّ بالصلح بين متخاصِمَين يسألون بفضول: «من ذكَرَ اسم الآخر أولاً؟».
طبعاً ولا أحلى من الساعات الأولى التي تعقب الصلح بين المتخاصِمَين. فكلاهما يحرص على إسعاد الآخر، سواء بالكلمة الحلوة أو توخّي بذل أقصى الجهود بغية مرضاته، أو الدعوة لتناول البوظة، أو بعض أنواع الحلويات الرخيصة احتفاءً بالصلح. وقد يدوم الصلح أياماً ثم يعود الطرفان إلى الخصام مجدداً. فقد كانت القطيعة تُعَدُّ العقوبة المثلى لردع الآخر المذنب. هذا إذا لم يلجآ إلى العنف اللفظي أو الجسدي في أحياناً كثيرة.. إلا أن القطيعة الطويلة نادراً ما تحدث بين أبناء الحيّ الواحد. لحاجتهم الماسّة للتواصل. على خلاف ما إذا كان أحد المتخاصِمَين في حيّ والآخر في حيّ مجاور، فقد كانت القطيعة تستمرّ أحياناً سنوات عديدة.
* * *
وكبرْنا وانخرطْنا في عالم السياسة.
وبسبب نظام الاستبداد وفقدان الحوار الديمقراطي الراقي حتى داخل الحزب الواحد، جعلَنا نأنف من تقبّل الآخر المناقض. ولا نكتفي بمقاطعته، بل نرفض فكره وشخصه ووجوده. وبات الخلاف في الرأي يسبّب الحقد والكره والضغينة، وحتى تمنّي الموت لصاحب الرأي المختلف.

الصفاء والسكينة لروح المطرب الكبير وديع الصافي عندما قال في إحدى أغنياته:
«يا مين يرجّعني صغير وياخُد مالك يا دِني.. يَبا أووف.. وأرجع أكبر عالهدى!».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | الغناء في الأفراح.. حلال على الحوثيين.. حرام على ا


.. الفنان عبدالله رشاد: الحياة أصبحت سهلة بالنسبة للفنانين الشب




.. الفنان عبدالله رشاد يتحدث لصباح العربية عن دور السعودية وهيئ


.. أسباب نجاح أغنية -كان ودي نلتقي-.. الفنان الدكتور عبدالله رش




.. جزء من أغنية -أستاذ عشق وفلسفة-.. للفنان الدكتور عبدالله رشا