الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدخان الابيض … !

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2020 / 2 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


التجارب والظروف المريرة وقسوتها علمتنا ان المشكلة اذا امتدت وطالت تجاذبتها الميول والاتجاهات ، وعبثت بها رياح المصالح الضيقة والاهواء الفاسدة حتى يوصلوها الى حافة الضياع وفقدان السيطرة او نحوهما … فتزداد عندها فرص الحل ضعفاً وارتباكاً نتيجة تداخل الازمة داخليا ، والتدخلات الخارجية الحاملة لاجندات مشبوهه تهئ فرصة نادرة لبعض الدول في المنطقة وخارجها لممارسة نفوذها ، وسطوتها بواسطة عملائها و جواسيسها المزروعين مسبقاً على الارض ، والتي لا تساعد الا على زيادتها اشتعالاً وخراباً …
وهكذا هو الحال مع الازمة العراقية الحالية اذ طالت وعرضت اكثر من اللازم مما صعَّب من ايجاد حل سريع ومنصف لها ، فالكل مصر وبعناد على موقفه السلبي مع ازدياد الحملات الاعلامية على منصات التواصل تُجانب هذا الفريق او ذاك ، والقسم الاعم منها ينطلق من نية قد تكون صافية ومخلصة لانجاح الحراك لان به خلاص ليس للمتظاهرين وحدهم وانما لعموم العراقيين والعراق …
والقسم الاخر وكأنه يصب الزيت على النار دون ان يدرك ان دعواته للعنف او حمل السلاح ( عسكرة الحراك ) ثمنها كبير وغالي على العراق والعراقيين جميعاً ، فسقوط اي عراقي في اتون هذا الصراع هو خسارة مروعة للجميع والم يعصر قلوب العراقيين ككل ، وهو اقرب ما يكون دعوة الى هد المعبد على رؤوس الجميع ، وهذا امر مرفوض جملةً وتفصيلا ! ولا نريد اسالة المزيد من الدماء سيتعذر علينا منعها او ايقافها …
ان حل اي مشكلة في العالم المتمدن الان هو في ( التفاوض ) والبناء عليه ، فاتفاق الظن افضل من سوءه ! والتفاوض ليس ضعفا كما يتوهم البعض ، بقدر ما هو قوة تعكس حدة الوعي ونضوج التفكير … نُقَدِّر بان الالم يولِّد العناد عند البعض من محدودي التصور والتفكير ، ولكننا على اية حال كلنا عراقيون ، واختلافنا في الراي يُفترض ان لا يُفسد للود قضية ، او هكذا يجب ان يكون !
ولكم ايها الاشاوس اقول : لا يفترض ان تتركوا المغرضين ، والمتسلقين على الاختلافات ولسان حالهم يقول : اتركوا الاعداء ينشغلون بانفسهم ، ولا تتركوا لغراب البين ان ينعق في عراقنا الحبيب ! ولا نريد تقسيم حالنا الى فريقين ، هذا يُجانب ذاك وذاك يُجانب الاخر …
الفاسدون واللصوص والطائفيون والقتلة سينحسرون ويتلاشون كما تتلاشى موجة البحر وتتوارى خلف غيرها ، ولا مكان يليق بهم الا سلال النفايات … قد يقول قائل المسألة اصبح بها دم ، صحيح …اتفق معك تماماً ، ولكن العقل ايضا يقول بان الايغال بالمزيد من الدم هو الغباء بعينه ، ولا يخفى على الكل ان اي صراع حتى ولو بين الاخوة لا يخلوا من دم !
اذن حان الوقت لتدخل العقلاء منا لايقاف هذا الهدر بالارواح ، وكفى تسخيناً للمشهد، والنفخ بالجمرات فالشرر سيصل الى اقدام الجميع !
فاذن والحال هذه يجب ان يُنظِّم الاخوة المحتجون صفوفهم ويشكلوا وفداً يدخل في مفاوضات مع الحكومة وحوار دون تدخل اي طرف خارجي مهما كان ، فانتم تمتلكون قوة الحق ، واتركوا حق القوة الغاشمة للاذرع المسلحة فهي لن تنفعهم في كل الاحوال !!
ويبدو جلياً ان الطرف الاخر قد استوعب الدرس تماما ، والصدمة المباغتة التي احدثتموها قد زلزلت كيانهم ولن يجروء اي واحد منهم على رفع عقيرته بوجهكم مرة اخرى .
فانتم فتحتم بدمائكم وشجاعتكم وتضحياتكم بابا موصداً ليس في وجه العراقيين فقط بل في وجه الشعوب العربية كلها ، والحق اقول : ان الكثير من الشباب العربي اليوم بات يحسدكم ويفتخر بكم وبشجاعتكم ويتخذ منكم رمزا وايقونةً لكسركم حاجز الخوف المطوِّق لارادة الملايين من شباب هذه الامة ، وانا شخصياً ارفع لكم القبعة وانحني امامكم احتراما وتقديرا لمعاناتكم وصمودكم ، واحي بصدق واخلاص ارواح شبابنا الذين ذهبوا برصاص الغدر والخسة والجبن ، فطوبى لهم ولارواحهم الخالدة خلود الحياة ما بقيت !
اكيد ستحقق هذه المفاوضات اهدافها او الشئ الاهم منها … افضل من ترك الامر على ما هو عليه يتمسك كل طرف وبعناد بمواقفه دون زحرحة تذكر ، والخسائر لا تنتظر ولا تتوقف … كما قيل : ( سنوات من التفاوض افضل من يوم واحد من النزاع ) وارضيتكم صلبة ، واحقية مطالبكم مشروعة ، وظهوركم محمية من شعب لا يعرف الخوف ولا النكوص ! واياكم والغفلة فيسرق الجبناء وصيادوا الجوائز النصر منكم كما قيل : ( الثورات يدبرها الدهاة وينفذها الشجعان ثم يكسبها الجبناء …)
وليتذكر الكل باننا جميعاً لا نساوي حفنةً من تراب بدون العراق … اما اولائك اللاهثون وراء فتات السلطة وفضلات موائدها ، والذين تفتنهم المناصب حد التقديس ، فيكفيهم ما سطره التاريخ ووعي الناس لهم من صفحات الخزي والعار … وما افضع النفس اذا خانت صاحبها !! فالعراقيون يعون تماما حجم اللعبة وبيادقها وكيف ومن يحركها من داخل وخارج البلد ، ولم يعد هذا سرا على احد !
اخطر ما في المسألة هو فقدان الهوية الحقيقية للعراق ، فبلد عريق في النضال من اجل الحرية وتقرير المصير كالعراق ، والذي قدم ما قدم في هذا الطريق من تضحيات قل نظيرها يليق به ان يعيش في نظام مدني ، حداثي ديمقراطي يحمي الكل ويدفع بالبلد نحو التقدم والازدهار والرقي ، لا ان يُستنسخ نظاماً كسيحاً متخلفاً من الخارج ، ويُفرض على الناس دون الرجوع الى رايهم في الامر ، وكاننا لم نخرج من نظام الحزب الواحد لنقع باخر شبيه به مع القليل من التحسينات الفوقية !
اخيراً نتطلع بلهفة الى اليوم الذي يخرج فيه الدخان الابيض معلناً التوصل الى حل ينهي هذه المأساة ، ويضع حداً لنزيف الدم وهدر الطاقات ، وارهاق اقتصاد البلد الذي يكفيه ما اصابه من عجز بفضل دناءة النفس عند المسؤولين الذي تجاسروا على سرقة حق الفقراء والمحرومين ! وهي دعوة مخلصة من كل الاحرار والشرفاء في العراق الى تشمير السواعد وشحذ الهمم لبناء بلدنا على اسس مدنية حضارية صحيحة تليق به وبشعبه الطيب !
الامن والسلام لبلدنا وشعبنا الطيب ، والخلود والسلام لارواح من ضحوا من اجلنا لنحيا ، والشفاء العاجل لجرحانا …








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلمو بريطانيا.. هل يؤثرون على الانتخابات العامة في البلاد؟


.. رئيس وزراء فرنسا: أقصى اليمين على أبواب السلطة ولم يحدث في د




.. مطالبات بايدن بالتراجع ليست الأولى.. 3 رؤساء سابقين اختاروا


.. أوربان يثير قلق الغرب.. الاتحاد الأوروبي في -عُهدة صديق روسي




.. لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.. فرنسا لسيناريو غير مسب