الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستقبل الجامعة العربية

خالد عبدالله

2003 / 4 / 12
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 


كاتب عربي يقيم في وارسو


تنشأ المؤسسات في نطاق تاريخي تحدد القوى الأساسية وتفاعلها فيه طبيعة المؤسسة ومسارها وأهدافها. وليست الجامعة العربية استثناء فقد كان ميلادها تعبيرا عن حرص بريطانيا على تحصين خطوط دفاعها عن مصالحها في الوطن العربي. فقد أجهضت بخلقها الاندفاع نحو التكامل العربي أو الوحدة العربية، وأودعت فيها أسرار الاختلاف المستقبلي. وقد قامت الجامعة على ركنين أساسيين يحملان أسباب التناقض الكامنة، إعلاء شأن الدولة القطرية وحماية سيادتها الذي عبرت عنه مواد عدة من الميثاق، وتقوية العلاقات العربية في كافة المجالات التي عبرت عنها المادة الثانية من الميثاق. ومع أن التناقض كامن في نشأة الجامعة لكنه لا يعني بالضرورة أنه حادث تحت أي ظرف. فتوسيع التناقض أو تضييقه أو إزالته كان يعتمد على التفاعل بين هذين المحورين. وقد ساعدت عوامل موضوعية وأخرى ذاتية على خلق ازدواجية رهيبة في عملية التفاعل تمثلت في تضييق التناقض نظرا وتوسيعه عملا.

فمنذ منتصف الخمسينات طغى توجه قومي حاسم يدفع نحو الوحدة، بل أدى إلى الوحدة الفعلية بين قطرين عربيين، ومحاولات أخرى. وقد خلق هذا التوجه حماسا لدى البعض لترجمة هذا الحماس في أنشطة الجامعة، وساق البعض الآخر إلى المسايرة دفعا للظنون. وقد نشأ عن ذلك اتفاقيات، ومؤسسات، وقرارات متقدمة كان تطبيقها سيقود إلى وضع عربي اقتصادي وسياسي وثقافي غير ما نراه. وظلت الجامعة العربية مطحنة بيانات واتفاقيات وقرارات، وبقيت المؤسسات القطرية العربية مقبرة لها.

وقد كان الأمل يحدو الكثير في أن تجد التعهدات والالتزامات العربية داخل الجامعة العربية طريقها في حيز الواقع، وكانت المعطيات الموضوعية في الأقطار العربية أشد بأسا من كل الآمال، وأعظم تأثيرا من كل التفاؤلات. وأبرز هذه العوامل الموضوعية أن المصالح القطرية كانت تتعارض مع بعضها البعض، فقد خلف الاستعمار هياكل اقتصادية وسياسية وتعليمية استمرارها وتواصلها رهن ببقاء العلاقة مع الخارج قوية. وعملت السياسات الاقتصادية القطرية على تعميق هذه العلاقة التي كان من آثارها تباعد المصالح بين الأقطار نفسها. كما أضافت عوامل أخرى ليس هذا مجال بحثها إلى مضاعفة التناقض بين المصالح القطرية. ولم تكن هذه المصالح إلا مصالح النخب الحاكمة.

وفي ظل سنوات التمدد والانحسار في العلاقات العربية البينية لم يحصل تقدم بنيوي حقيقي يردم الفجوة بين الأقطار العربية.  فكل ما حصل إما مزيد من الاتفاقات والقرارات المسايرة، أو مزيد من الرشاوى سواء على مستوى العلاقات الجماعية البينية من خلال المؤسسات العربية المتخصصة، أو على مستوى العلاقات الثنائية مثل الهبات والقروض. فعلى امتداد عقود عديدة حمت البلدان نفسها من خلال الموافقة على ما يصدر من الجامعة أو من خلال الأموال لشراء الصمت أو الاستقرار. وقد كانت في معظمها استغفال للشعب العربي أو مخاتلة لبعضها البعض. هذه هي الصورة العامة القاتمة التي تتخللها إضاءات قليلة. ولعل أفضل بيان لهذا الحال هو ما آل إليه النظام العربي من حيث صورة هياكله الاقتصادية والسياسية القطرية والقومية. فأما القومية فهي مهلهلة، وبعضها موجود اسما أو شعارا، وأما القطرية فالفجوة بينها يتواصل توسعها.

ولم تنته الجامعة العربية بعد اتفاقية كامب ديفيد. فالبعض تصور أنه بغياب مصر خلت له الساحة للقيادة، والبعض الآخر أدرك أنها الأداة الوحيدة لترويض العرب على مسار كامب ديفيد. كما أنها أصبحت مفيدة لتوقي خطر حقيقي تمثل بالثورة الإيرانية. وقد تكتلت معظم البلدان العربية وراء العراق في حربه ضد إيران، واستخدمت الجامعة العربية لهذا الغرض. ونظرا للحاجة لخدمات العراق فكان لا بد من الموافقة على بعض تطلعاته كما حصل في قمة عمان حيث تمت الموافقة على مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية. ولكن الكثير ممن وافقوا عليها كانوا يعملون بجد على تعسير تطبيقها. ويتبدى الغرض الثاني في مؤتمرات القمة العديدة في المغرب التي كانت تهيئ العرب لتسوية سياسية مع إسرائيل. فبقيت الجامعة العربية.

وحينما احتل العراق الكويت أصبحت الجامعة العربية مفيدة. فمنها خرج الغطاء الشرعي للمشاركة العربية بتحرير الكويت. ومن بعد ذلك أمست ضمانة لعزل العراق عربيا حيث كان موضوع تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وبالذات الأسرى، شاغلا أساسيا للجامعة يمنع أي بحث حقيقي في موضوع العقوبات المفروضة على العراق. كما أنها كانت مسكنا لآلام ليبيا من الحصار المفروض عليها من خلال إصدار القرارات المؤيدة لها بينما كانت بلدان غير عربية تتجرأ على تحدي الحصار فعلا.

وقد اقتنع الكثير خلال السنوات الأخيرة بأن الجامعة، من حيث كلفتها المالية، ثمن معقول لكي تغطي العورات العربية خلال الأزمات، ولكي تشبع الرأي العام العربي بما يسد نهمه المتزايد لمواقف عربية موحدة. ولذلك أبقي عليها. فقد كانوا يريدون المبنى وموظفيه والاجتماعات ولا شيء آخر. وهذا يفسر لماذا أجهضت محاولات الأمانة العامة لتحديث نفسها، ولتطوير العمل العربي المشترك. لكن الحرب الأمريكية على العراق أظهرت عدم فعالية الجامعة العربية. ولا يظنن أحد أن المقصود بذلك أنها لم تستطع أن تفعل شيئا حقيقيا ضد العدوان، إذ متى كانت فعالة في وقف العدوان سواء على الأراضي المحتلة، أو على  لبنان أو غيرها؟ المقصود بالفعالية هنا أنها لم تستطع أن تضع المسؤولية الكبيرة على العراق في الحرب الحاصلة، بل اضطرت للقول أنها ضد العدوان على العراق. وحتى يمكن أن نفهم هذه النقلة ينبغي أن نستذكر أن دور الجامعة هو في إصدار بيانات دون أن تفعل شيئا. وكان هذا السلوك مقبولا أمريكيا في الماضي، لأنها كانت تريد أن تعطل الدور العربي في مواجهة إسرائيل. لكن المشهد تغير وأصبح المطلوب أمريكيا هو الفعل لا عدمه. فأمريكا الآن تريد تغيير المنطقة على شكل صورتها وهي تحتاج إما لتأييد أو صمت، لأن المعارضة قد يستخدمها خصومها من البلدان الكبيرة.

ثم إن هناك أمرا آخر، فالحرب الهمجية الدائرة ضد العراق من بين مقاصدها إدخال إسرائيل في المنطقة. والجامعة العربية بشكلها الحالي لا تصلح لدخول إسرائيل إليها. فالجامعة العربية أصبحت تضيق بالمطالب  الأمريكية. ولا يحتاج العرب لأن يعلنوا وفاة الجامعة، فهناك طرق مختلفة لإنهائها مثل ما حصل لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية. فيمكن خلق كيان بديل بموازاة الجامعة توكل إليه الأمور الحقيقية.
لقد كانت الأمور في المنطقة مكشوفة حتى قبل الحرب على العراق، لكن الكثير كان يرجو ويأمل لعل معجزة تحصل ويستيقظ العمل العربي المشترك. وقد كان هذا وهم لأنه كان يركز على المتغيرات ولا يرى الثابت في المنطقة. لقد أصبحت العلاقة الخارجية لمعظم الأقطار العربية هي الثابت، وأضحت علاقاتها البينية تعتمد على الاقتراب من هذا أو الابتعاد عنه. صحيح أن هذا الأمر كان موجودا في العقود الماضية، لكن برز متغيران أساسيان. الأول، أن القواعد الأجنبية كانت سبة، فأصبحت فضيلة. الثاني، أن هناك قوة وحيدة تخاصم ثم تقضي ثم تحكم. ومن يلوذ بها لا يخاف أحدا.

ومع ذلك، فالمقاومة التي حصلت ابتداء في  العراق بدأت تدخل إلى المنطقة بعدا جديدا، وقد تؤدي إذا ما تواصلت إلى إضعاف العاملين السابقين، إذ قد تعود القواعد العسكرية لعنة كما كانت،  وقد تظهر بدائل جديدة للقوة الأوحد. لكن كل ذلك يعتمد على ما سيجري على أرض العراق. ولذلك من السابق لأوانه الحديث عن مستقبل للجامعة العربية يختلف كثيرا عن ما عهدناه.
                                                                          

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و