الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صمود البطون الجائعة

وجدي عبد العزيز

2020 / 2 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


تزايدت الآمال الطيبة بعد الإطاحة بنظام البشير، ووضح أن هناك تصميماً شعبياً على السعي من أجل بناء سودان جديد يليق بتضحيات الشهداء الذين قتلوا بالرصاص الحي وقنابل الغاز خلال ثورتهم العظيمة لتحقيق الحرية والسلام والعدالة والحياة الكريمة، ولكن سرعان ما اصطدمت هذه الآمال بالواقع المرير والمؤامرات التي تحاك ضد مسيرة الثورة، ليس بسبب التدخلات الخارجية فقط ولكن أيضا بسبب الكثير من الصعوبات الداخلية الناتجة عن هشاشة بنية الدولة، وتفشي الفساد وسيطرة رموز النظام البائد على المفاصل الرئيسية للدولة، فضلاً عن غياب الاستقرار الأمني وبؤس الحالة الاقتصادية في البلاد، بما أثر على تنامي الشعور بخيبة الأمل بين قطاعات من السودانيين لعدم احساسهم بحدوث تغييرات جوهرية على نمط حياتهم سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.
ففي الأيام القليلة الماضية بدأت تظهر بوادر فقدان الثقة في الحكومة بسبب استمرار تردي الأحوال الاقتصادية واستمرار ارتفاع الأسعار وتراجع قمية الجنيه السوداني أمام الدولار ليتخطى حاجز المائة جنية سوداني، وارتفع ثمن رغيف الخبز ليصل إلى 3 جنيهات في بعض المناطق نتيجة انخفاض انتاج المطاحن من 100 الف جوال إلى 53 الف جوال يوميا، فيما تسعى الحكومة حاليا إلى زيادة الانتاج اليومي إلى 73 الف جوال، بعدما تأكدت من كفاية واردات القمح من الخارج، ناهيك عن اصطفاف السيارات في طوابير طويلة أمام محطات البنزين بعد تخريب خط لنقل البترول، مما دفع الحكومة لإستيراد باخرتي بنزين وتحديد حصص محددة لكل سيارة للتقليل من آثار التزاحم التي باتت تؤرق السودانيين.
ولعل موكب مليونية 11 فبراير كان تعبيرا صادقا عن تزايد المخاوف من انحراف الثورة السودانية عن أهدافها ووضع عبد الله حمدوك رئيس الوزراء أمام مسئولياته في تخفيف الاعباء عن المواطنيين ووضع خطط سريعة لتجنب تفاقم هذه الأزمات التي كانت أساس لتحرك الجماهير ضد نظام البشير، وتعالت هتافات الجماهير "الجوع الجوع ولا الكيزان"، للتأكيد على قدرة الشعب على الصمود وعدم تقبل فكرة العودة لحكم الإخوان المسلمين، ولكن تستمر المخاوف بعدما تداول النشطاء عبر الانترنت إعلاناً عن دعوة لمليونية في يوم 15 تطالب العسكريين بالإستلام الكامل للسلطة السياسية في البلاد، بما ينذر بإقتراب الخطر الشديد على مصير الثورة السودانية في ظل تزايد حالة الاستقطاب، وبعدما تصاعدت الخلافات بين شركي الحكم على خليفة لقاء البرهان مع نيتنياهو، ودعوة حمدوك لمجلس الأمن لإيفاد بثعة دولية للمساهمة في احلال السلام بالسودان وحللة الأزمات التي يواجهها، تلك الدعوة التي آثارت حفظية العسكريين وينتهزها رموز النظام البائد لشن حملة ضد رئيس الوزراء والحكومة المدنية.
ويعتبر الصراع بين المدنيين والعسكريين أحد المظاهر الأساسية للحياة السياسية في السودان فيما بعد الاستقلال، وكانت آخر حلقات هذا الصراع انقلاب 30 يونيو المشئوم الذي استمر ثلاثون عاما، وضع خلالها السودان في ذيل قائمة الدول على كافة مؤشرات التنمية، ونتيجة غلبة حكم العسكريين في أغلب الفترات واستمرار الحرب ضد الجنوب لم يتم الالتفات جديا لضرورات بناء وتدعيم مكونات الاقتصاد بشكل يسهم في تحقيق التنمية والرفاه للشعب الذي ظل يعاني من ضيق العيش والفقر والبطالة نتيجة الاختلالات الهيكلية للاقتصاد السوداني، ناهيك عن حالات الفساد والمحسوبية والنهب المنظم والكثيف لموارد البلاد من قبل "القطط السمان" من منتسبي الحركة الإسلامية والمؤتمر الشعبي وعلى رأسهم عمر حسن البشير الذي احتفظ بأموال الدولة في القصر الرئاسي واتضح للناس خداع وزيف شعارات طهارة أيدي حكام الشريعة.
ورغم أن السودان يعد من أكبر الدول في أفريقيا، ويزيد عدد سكانه على 45 مليون نسمة إلا أنه يعاني منذ الاستقلال في يناير 1956 من تراجع معدلات التنمية الشاملة والنمو الاقتصادي، في ظل تباين شديد في التطور بين مركزها التاريخي في العاصمة الخرطوم وبقية مناطق الأطراف بالشرق والغرب والجنوب، ومثلت قضايا تقاسم الثروة والسلطة أهم أسباب الحرب والنزاعات عبر تاريخ السودان المتأرجح بين الحكم العسكري والمدني بسبب تطلع الشعب السوداني إلى التمتع بالعدالة والحرية والمساواة.
ومن أبرز المفارقات والغرائب أن يمتلك السودان مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية التي تقدر بحوالي 200 مليون فدان ولايزرع فعليا ربع هذه المساحة، بينما يعتمد السودان في تلبية احتياجاته من القمح عبر الاستيراد من الخارج، ولاتصل المياه اللازمة للزراعة لأراضي مشروع الجزيرة المنتجة للقمح في هذه الأوقات بما يقلل من انتاجية الفدان ويخرب الزراعة، فلابد من العمل وقف الاستيراد وتوفير المياه للزراعة وانتاج القمح بكثافة باستخدام التنقنيات الحديثة ليصبح السودان فعلا سلة الغلال في أفريقيا.
ورغم إمتلاك السودان للكثير من الكفاءات والخبرات المتخصصة في مختلف المجالات إلا أن التعامل مع الأزمة الأقتصادية في البلاد لازال يتسم باللجوء للمسكنات والحلول السريعة التي تعالج مظاهر الأزمة ولكنها لاتصل لجوهرها بالقضاء التام على أسبابها، فالسودان يعاني من أزمات متشابكة على الصعيد الاقتصادي أهما أزمة الركود التضخمي الذي يتسبب في ارتفاع معدلات زيادة الأسعار، الناجم عن ارتفاع معدل التضخم الذي وصل إلى 30% بالإضافة للممارسات الاحتكارية للسلع الاساسية مثل السكر والدقيق، وارتفاع نسبة البطالة لتصل إلى أكثر من 60% وخاصة بين الشباب الحاصلين على شهادات جامعية والذين يقدرون بحوالي 400 الف طالب سنويا يتخرجون من 60 جامعة عامة وخاصة، ويدخلون لسوق العمل الذي لايتيح أي فرصة حقيقية للعمل، بما يضطرهم للهجرة أو العمل في أعمال هامشية، وكذلك تزايد نسبة الفقر التي تقدرها بعض المصادر بحوالي 95%، وتراكم الديون وفوئدها التي تصل إلى 56 مليار دولار، علاوة على ذلك تفشي الفساد الإدراي والمحسوبية والتهرب من الضرائب والجمارك، وضياع 70% من عائدات البترول بعد انفصال الجنوب، والأخطر الاستمرار في تهريب الذهب في ظل غياب الرقابة الحكومية على انتاجه أو تصديره الذي يقدر انتاجه 102 طن في السنة، ولاتستفيد منها الميزانية العامة للدولة سوى حوالي 4 مليار دولار من التصدير لدولة الآمارات، واستمرار تعثر القطاع الصناعي وشبه توقفه والاعتماد كليا على الاستيراد لغالبية المنتجات الصناعية، وتوقف قطاع البناء والتشييد، وتراجع وتدهور الاستثمار في المجال الزراعي، كل هذه ملامح للآزمة الشاملة التي يعاني منها السودان، وتؤثر سلبيا على حياة المواطنيين وتجعلهم نهبا للبطالة والفقر والجوع بينما ينعم منتسبي النظام البائد بسرقاتهم ونهبهم لحوالي 100 مليار دولار من ممتلكات ومقدرات الشعب السوداني.
إن تحديات الأزمة الاقتصادية كبيرة وهائلة ولكن يمكن مواجههتا، ونأمل من الحكومة الانتقالية البدء في المعالجة الشاملة لها، عبر وضع الخطط والبرامج العملية للإرتقاء بالوضع الاقتصادي ودفع عملية النمو الاقتصادي إلى درجة تتيح توفير حلول لهذه الأزمة، بشرط ألا تلجأ للحلول السريعة التي قد تضع السودانيين فريسة لشروط مؤسسات التمويل الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي تفرض روشتة قاسية ووحشية ولاتقدم حلولاً حقيقية للأزمات بل أنها تدفعها للمزيد من التعقيد، إذ تفرض الغاء الدعم على السلع الأساسية مثل الخبز والوقود، وتوصي بخصخصة الممتلكات العامة بدعوى اتاحة الفرصة للمشروعات الخاصة والفردية، وتفرض تحرير سعر الصرف، هذه الروشتة تمثل خطراً داهماً على مستقبل السودان، يجب اعتماد سياسة اصلاحية داخلية قائمة على وضع خطط لإصلاح هياكل الجمارك والضرائب وتشديد الرقابة على المستوى الإدراي، ومحاكمة الفاسدين ونهابي المال العام، والتصدي للرشوة والمحسوبية، وتحسين مناخ الاستثمار، وتشجيع تحويلات السودانيين بالخارج، واعتقال عصابات تهريب السلع والمنتجات وخاصة الذهب، إن الحلول ممكنة إذا ما توافرت الإرادة السياسية، والشعب السوداني العظيم لايجب أن يطلب منه الصمود كثيرا أمام مشكلات الفقر والبطالة والجوع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت