الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يهود العراق في خطاب ثورة اكتوبر

طلال الحريري
سياسي عراقي

(Tallal Alhariri)

2020 / 2 / 15
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


منذ اندلاع ثورة اكتوبر برزت مفردة يهود العراق بشكل غير مسبوق في اوساط المجتمع المدني العراقي ولهذه المفردة سوابق تنامت مع حراك التنوير والوعي الذي يشهده العراق منذ اعوام خاصة من خلال ما تم طرحه من رؤى وطنية وحضارية اعادت لليهود العراقيين منزلتهم التاريخية في الوطن وضمير الأمة العراقية. لكن ظهورها اليوم بهذا المنطق الشفاف والرؤية الواعية بالوطنية لها عدة اسباب اهمها اهتمام اليهود العراقيين بالثورة من خلال متابعة اخبارها واحداثها والتنديد بالقمع والابادة الممنهجة التي تستهدف شبابها السلميين وهذا الاهتمام جاء من منطلق الشعور بالوطنية التي لم تفارق ضمائرهم فكان اهتماماً غير مسبوق خاصة ان ثورة اكتوبر لم تكن اول ثورة او انتفاضة شهدها العراق بل هي اخر ثورة في العقد الثاني للقرن وسبقتها احداث كبيرة تراوحت حدتها بين التظاهرات والإحتجاجات والانتفاضة منذ 2011 ولغاية اكتوبر 2019م والسبب الذي جعل اليهود العراقيين يهتمون بالثورة ويأملون نجاحها هو خطابها الذي مثل اهم تحولات العقل العراقي الجديد فما بين مفردات الدولة المدنية والحرية والعلمانية تجلّى الخطاب الليبرالي الذي جعل الثورة محط انظار العالم في حين ان تحدياتها كانت رهيبة خاصة انها انطلقت ضد نظامين متداخلين الأول اسلامي فاسد تحميه وتتزعمه مليشيات ارهابية، والثاني اكبر نظام راعي وداعم للإرهاب يحتل العراق بالمليشيات ولا يتهاون في ابادة كل العراقيين من اجل بقاءه المتمثل بالاحتلال والنهب والوصاية. فكانت هذه الثورة تحول عظيم في العراق تمثلت بإرادة عامة واجهت هذه التحديات وماتزال تُعطِ وتقدم تضحيات كبرى في سبيل تحقيق اهدافها الوطنية وتأسيس دولة الإنسان والحرية. اما السبب الثاني لبروز مفردة يهود العراق فهو لا ينفصل عن الخطاب العام للثورة فمن بين الرؤى التي يطرحها الجيل الجديد تصاعدت رؤية الكفاءات الوطنية والتخصص في ظل تزايد شعارات واهداف ترفض الاسلام السياسي وتطالب بإنهاء الوجود الايراني وبناء دولة علمانية تحمي جميع العراقيين وتحافظ على تنوع الامة وتطبيع الاختلاف بين مكوناتها، وفي ظل دولة فاسدة وثورة واعية اصبح العراقيين اكثر مَيّلاً لتجارب التاريخ وأصبحت انجازات اليهود العراقيين لها المساحة الاكبر في هذه التطلعات فإلى جانب انجازات وزير المالية الأول للدولة حسقيل ساسون الذي يعد نموذج وطني كبير في ضمير العراقيين هناك انجازات الفن والاداب والثقافة والموسيقى التي اعادها الى الواجهة البناء الثقافي الذي صاحب الثورة منذ اندلاعها واعاد التاريخ الى عقلية الجيل الجديد الثائر فاليهود اكثر مكونات الامة اغناءً للثقافة العراقية منذ القرن التاسع عشر بل ومنذ العهد البابلي كان لليهود دور كبير في البناء الثقافي والحضاري في بلاد وادي الرافدين.
وفي هذا الجو الممتلئ بالوطنية والتمدن والمطالبات بالحريات واستعادة هوية العراق الحضارية ومكوناته الأصيلة حاول الاسلاميين اتباع ايران من خلال اعلامهم الموجه من قبل مخابرات طهران اتهام الثورة كالعادة بالعمالة لإسرائيل واميركا متناسين تماما ان اليهود العراقيين من اهم واقدم مكونات الهوية العراقية اجتماعيا وثقافيا ووطنيا. يتهمون تعاطف اليهود مع ابناء شعبهم بالتحريض على الثورة في حين يدركون بأن الثورة صنعها الوعي وحرضتها ظروف التبعية والفساد والفقر، يتجاهلون ويُكذبون القمع والقتل وينكرون العدد الهائل من الشهداء وفي نفس الوقت يحاولون ان يحولوا تعاطف اليهود العراقيين الى وسيلة للتخوين وهم يعلمون ويدركون شديد الادراك بأن العراقيين لم يعد بإمكانهم الا تصديق العقل واتباع الوطنية ومنهج الثورة الذي رسخته دماء الحرية وشبابها الطامحين للعلمانية والسلام والحياة الكريمة.
وانا اكتب هذا المقال سألت عدد كبير من العراقيين القريبين على الجاليات اليهودية العراقية عن مشاعر اليهود ووطنيتهم فكانت اغلب الأجوبة تسبقها عبرة وشجن وجميع الاجوبة تؤكد بأن اليهود اكثر تمسكا وحبا بالعراق والتراث العراقي والتاريخ، هناك في اسرائيل الممتلئة بالحداثة مايزال اليهود العراقيين متمسكين بالتراث العراقي ونمط الحياة البغدادية ونرى ذلك واضحا في طريقة عيشهم في ادق تفاصيل الحياة والمنزل وهذا ليس غريبا على يهود العراق اذا امعنا النظر في تاريخهم المشرق البنّاء.
هذا المكون الاصيل الذي دفع ثمن الوطنية والاخلاص تهجيرا وقتلا على يد الأنظمة الفاشية الا يحق له التعاطف مع ابناء جلدتهِ؟ الا يحق لليهود العراقيين ان يفرحوا بثورة عراقية مدنية اعادت لهم الأمل بالعودة والمساهمة في بناء العراق مع بقية مكوناتهِ واطيافهِ؟ اليهود العراقيين في كل دول العالم وخاصة في اسرائيل يعيشون حياة طبيعية ويحصلون على كامل الحقوق المدنية والسياسية ولهم المساحة الأكبر في الابداع والابتكار والتعليم فما الذي يدعوهم للتعاطف مع ثورة عراقية في وسط هذه التحديات؟ انه حب العراق والايمان بالارض والأمل بالسلام هذا ما يدعوهم للتعاطف مع قضية وطنية انسانية تعاطف معها العالم.
لقد شدتني كثيرا عبارة لأحد اليهود العراقيين وهو السيد فؤاد عكه في لقاء على قناة الحرة حين ما سأله مقدم البرنامج لماذا تتعاطفون مع العراق؟ لقد قال عبارة عظيمة تهتز بها ضمائر كل العراقيين الأحرار حيث قال: نحنُ خرجنا من العراق لكن العراق لم يخرُج مِنا !!! هذه العبارة دليل قطعي على ان كل ما تعرض له اليهود على يد الأنظمة الفاشية وكل ما لحق بهم من اذى وقتل وتنكيل وكراهية تم نسيانه بالكامل ولم يبقى الا حُب العراق المتجذر في مبادئهم. هذا العِبارة التي نطقت بها فطرة هذا الرجل تتكامل مع قول شهيد الثورة صفاء السراي حينما قال: بالأخير لا يبقى الا العراق. نعم بالنهاية لا يبقى الا العراق الا هذا الوطن الذي سينعُم بالسلام والاستقرار على يد ابناءه المخلصين لأنه امة قبل كل شيء.

#طلال الحريري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟


.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح




.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا


.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ




.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم