الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الدموية و الثورة السلمية

راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)

2020 / 2 / 15
الادب والفن


( الثورة الدموية و الثورة السلمية)

قلم #راوند_دلعو

مع تطور المجتمعات البشرية بات مفهوم الثورة و تكوينها التشريحي نسبياً اعتبارياً تابعاً لطبيعة الشعب الذي يقوم بالثورة ، أي أَنه يتعلق بوعي المجتمع الذي تحدث فيه الثورة ...

فالشعب الذي بُني وعيه الجمعي على أفكار شمولية موروثة ، ستحتاج ثورته إلى الكثير من العنف و الدماء كي تنجح ، إذ ستكون طبيعتها عنفية شرسة تدميرية ... فالإقصائي لا يزيحه إلا إقصائي و العنيف لا يزول إلا بسيف عنيفٍ مثله ( و غالباً لن تنجح الثورات الدموية في دول العالم الثالث اليوم ، حيث سيذهب حاكماً شمولياً ليأتي حاكم شمولي آخر أو ستتحول إلى حرب أهلية طائفية أو عنصرية أو مصالحية ....)

أما الشعوب المدنية المتحضرة ذات الوعي الجمعي العلماني حيث تنعدم الأفكار الشمولية الإقصائية ، فهناك نجد أن بضعة تجمعات و اعتصامات سلمية قد تغير الحكومة و تقلب ميزان القوى و تنقل السلطة من فئة إلى فئة بكل سلاسة و تحضر ....

إذن باتت الثورة أمراً اعتبارياً يتبع البنية التشريحية لمكونات الشعب ...

فالشعب الذي تنتشر فيه التيارات و الأحزاب الإقصائية و الأديان الشمولية ( لا سيما المحمدية ) بحاجة إلى عنف و دم لتقوم فيه الثورة ... فلا يمكن تخيل ماهية الثورة بلا دم أو عنف في هذا النوع من المجتمعات ...

في حين يختلف التكوين العضوي و التعريف الاجتماعي للثورة بشكل كلي في المجتمعات التي تنقرض و تتلاشى فيها النظرات الشمولية الإقصائية ... فتصبح عندئذ عملية تشغيل طابعة لطباعة منشور ورقي يحمل نصاً توعوياً مقنعاً ، أو تشغيل حاسب لنشر تغريدة تدعو للتغيير على وسائل التواصل الاجتماعي ، بمثابة عمل كارثي رهيب قادر على تغيير ميزان القوى بشكل كلي في المجتمع المدني الراقي و المتحضر ... !

و #الحق_الحق_أقول_لكم ، يتوجب على المجتمعات البشرية أن تحاول جاهدة للارتقاء بنفسها بحيث تحول طبيعة الثورات الشعبية المطلوبة و طرائق تبادل السلطة من الطابع الدموي إلى الطابع السلمي ... و ذلك من خلال :

1) قيام الشعب بعملية قتل ذاتي لكل الأفكار الشمولية و التوجهات الإقصائية المنتشرة فيه ... و ذلك من خلال النخبة المثقفة الواعية و بالتالي تجديد العقد الاجتماعي و إعادة صياغة الدستور وفق أسس علمانية مدنية.

فالقتل الذاتي للفكر الشمولي ثورة .... !

2) ترسيخ التعددية و مبدأ الفصل بين السلطات بشكل حقيقي بين الناس ...

فالتعددية ثورة ... و فصل السلطات ثورة ...

3) السير بالمجتمع نحو المدنية المطلقة .... و محاربة الفساد ...

فالمدنية ثورة ...

4) القضاء على النزعات الطائفية و العنصرية ... و منع تشكيل الأحزاب بناء على أساس ديني أو عرقي.

فالقضاء على الدين ثورة .... و اللادينية ثورة .... و اللامحمدية ثورة .... و اللايهودية ثورة ...

5) و الأهم وجوب تحجيم الأديان ضمن إطار المنزل ( لأن الدين كائن خطير يستخدم في زرع الكراهية و التصنيف و التحريض و القتل و و و ... فالأفضل و الأسلم وضعه في المنزل في إطار الحياة الشخصية).

فتحجيم الدين ثورة ...!

و بالتالي عندما تُكمِل المجتمعات البشرية رحلة العبور بنسيجها الاجتماعي نحو التمدن و التحضر و قبر الأديان ، عندها ستحدث الثورة بمجرد اتفاق مجموعة من الشباب و الصبايا على التجمع بمكان معين للتظاهر و التعبير عن الرأي و تناول بعض النقرشات و المقرمشات و التسالي و الشيبس و البوشار و المشروبات الغازية و من ثم تغيير النظام الحاكم ... !

الحق الحق أقول لكم ، إن الخطأ الذي ارتكبه غاندي هو أنه لم يدرك هذه الحقيقة فحاول تطبيق النظرة الثانية ( الثوريّة السلمية) في مجتمعه القائم على الأفكار الشمولية ( هندوسية و محمدية إرهابية )، فتم قتله بدم بارد باستخدام رصاصة أطلقها أحد أتباع طائفته من المتعصبين .... !

في حين أدرك كل من تشي جيفارا و ماو هذه الحقيقة فحملا السلاح منذ البداية لأنهما كانا يعرفان مدى إقصائية و شمولية الأفكار و التوجهات التي تتبناها الأنظمة العسكرية التي كانت تحكم أميركا الجنوبية و الصين في زمنيهما.

لذلك لا تحلم يا صديقي الثورجي أن تقوم بثورة سلمية في مجتمع مبني على المزدوجات الشمولية الإقصائية القائمة على ال( نحن _ الهم ) ، ( مؤمنين _ كفار) ، ( أطهار _ أنجاس ) ، ( وطني _ خائن) ، ( لوننا _ لونهم) ، ( قبيلتنا _ قبيلتهم) ....

و لا تحاول أن تعتصم حاملاً باقة من الورود في دولة يحكمها العسكر و البسطار .... فسيصبح ثمن حياتك التي لا تقدر بثمن مجرد رصاصة بنصف دولار ! أو أنك في أحسن الأحوال ستعفّن في أقبية المخابرات ...

و الحق الحق أقول لكم ، كي أكون واقعياً أكثر لا بد أن أقر بحاجة المجتمعات المتخلفة اليوم إلى تدخل النظام الدولي بقيادة الدول المتحضرة لإجبارها على إكمال هذه الرحلة سلمياً و بالتالي القفز التاريخي فوق مراحل العنف الثوري للوصول بها إلى المدنية ، مما يؤدي إلى توفير الكثير من الدماء على دول العالم الثالث ....

و إلَّا فإنه لا مفر من أن تَمُرّ الدول المتخلفة عبر سلسلة من الثورات الدموية كي تصل بمجتمعاتها و شعوبها إلى مرحلة القابلية لحدوث ثورات مدنية لاعنفية كتلك التي تقوم بها الشعوب المتحضرة ... تلك الثورات التي تؤتي أكلها من خلال تجمعات سلمية يتم خلالها تبادل النكات و رفع اللافتات و فصفصة البزر و شرب الكولا و الاستهزاء برأس السلطة و كبار المسؤولين و من ثم تناول الوجبات السريعة ثم الرجوع للبيت و النوم للعودة للاعتصام في اليوم التالي بنفس الطريقة .... و تكرير ذلك حتى إسقاط النظام و نقل ميزان القوى و تداول السلطة بشكل كلي !

فما تتمتع به أوروبا الغربية اليوم من القدرة على تغيير الأنظمة بمجرد اعتصامات سلمية مُسلية أو نشر تغريدات فيسبوكية مقنعة ما كان ليحدث لولا الثورة الفرنسية 1879 م التي أنفقت أطناناً من الدماء ... ثم أجهضها الديكتاتور نابليون بشكل جزئي ثم تطور نظام الحكم من الديكتاتوري إلى المدني التعددي عبر عدة مراحل ...

فالرحمة و الخلود لكل الشرفاء الذين ظنوا أن سلميتهم ستنفعهم في مجتمعاتهم الشمولية .... فقد قتلوا أنفسهم بلا قصد ....

و أخيراً أرى أنه يتوجب علي أن أختم مقالي بتحميل النظام الدولي الجديد كامل المسؤولية الأخلاقية عن تقصيره في التدخل فيما يجري من ثورات دموية تجتاح العالم الثالث ، إذ يجب عليه التدخل الفوري لتعديل المسار الثوري لكل دولة بهدف مساعدة الشعوب و إيقاف الدماء قدر المستطاع و تمكين النخب المثقفة من إدارة البلاد و تزويدها بالدعم المادي لتنوير الشعوب المغيبة بالأفكار الإقصائية الدينية للوصول إلى شعب واع متنور قادر على تداول السلطة بشكل سلمي ....

لكن النظام الدولي الحديث يقف بكل دناءة و خبث مكتوف الأيدي متفرجاً على الشعوب و هي تلتهم بعضها.... لا بل يستثمر آلامها في تصريف السلاح لتحقيق المرابح الخيالية و إجراء التجارب العسكرية و البيولوجية على لحوم البشر الضعفاء ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انت طوباوي
muslim aziz ( 2020 / 2 / 16 - 01:12 )

السيد الكاتب انت طوباوي جدا، هذا المجتمع الدولي والامريكي خاصة منه، سئلت سياسية منفية عن الامريكي ما هو فأجابت(إن الامريكي داخل امريكا ملاك ولكنه خارج امريكا لص ومجرم) والحمد لله انك ختمت مقالتك بما تقوم به المجتمعات المدنية الراقية من مص لدماء العالم الثالث وبلدك خير مثال
أعجبني · رد · دقيقة واحدة

اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي