الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين نتأمل في -صفقة القرن-

راتب شعبو

2020 / 2 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لا تنفصل "صفقة القرن" عما يجري في إدلب اليوم. العالم الذي يسكت عن حقوق السوريين ويتغاضى عن عذاباتهم ومأساتهم وموتهم اليومي، هو نفسه العالم الذي سكت عن مأساة فلسطين وإلغاء الشعب الفلسطيني. واليد التي تمعن في تشريد السوريين في أصقاع الأرض، هي نفسها التي شردت الفلسطينيين من قبل. وما يقال عن السوريين اليوم يقال عن غيرهم من مقهوري الأنظمة الطاغية. هكذا كان الحال دائماً. الصلة عميقة وأكيدة بين استبداد أقوياء العالم بالأمم الضعيفة، واستبداد السلطات المحلية بالأهالي. الظلم أخو الظلم أينما كان.
في الجانب الاسرائيلي نحن أمام حكومات أو نخب سياسية حاكمة تستمد شرعيتها من مدى خدمتها للدولة وللمشروع الصهيوني الذي يقوم على إلغاء حقوق الفلسطينيين. واستطاعت هذه النخب أن تبني دولة فيها شكل من العلاقة السياسية بين الحاكم والمحكوم، قادر على استيعاب الصراعات الداخلية وإيجاد حلول لها ضمن النظام السياسي نفسه بما يخدم المشروع المشترك بينهما. حتى رئيس الوزراء الاسرائيلي ليس بمنأى عن المساءلة القانونية. لا يوجد لدى المسؤول الاسرائيلي الأول أجهزة يكون ارتباطها به أقوى من ارتباطها بدولتها. لا يوجد أجهزة قوة في إسرئيل لها ولاء يعلو على الولاء إلى دولتها. ولا يستطيع المسؤول الاسرائيلي الأول، مهما كان، أن يقول أنا أو أحرق البلد. الأولوية المعطاة للمشروع الصهيوني ولبناء "أمة" هو ما يعزز الشعور "بوطنية" اسرائيلية، فيما تعمل الأنظمة العربية ليل نهار على تحطيم هذا الشعور لدى محكوميهم، حتى بات السوري مثلا، غير مبال تجاه الضربات الإسرائيلية على مواقع سورية. وبات قرار نقل السفارة الامريكية إلى القدس، او قرار الاعتراف بسيادة اسرائيل على الجولان يمر دون ارتكاسات شعبية مهمة، الأمر الذي استغربه الرئيس الأمريكي نفسه صاحب "الصفقة"، واعتبره حجة على صواب قراراته.
على الجانب العربي، القريب أو البعيد من إسرائيل، نحن أمام واقع سياسي معاكس للواقع الاسرائيلي. الحاكم يستمد شرعيته من قدرته على الوقوف في وجه المحكومين والثبات أمام غضبهم، والنجاح في إخضاعهم. السلطة تعلو على البلد، والدولة تتحول إلى وسيلة لاستمرار السلطة بحيث يمكن للمسؤول الأول أن يقول وأن ينفذ: أنا أو أحرق البلد. وهو ينفذ "حرق البلد" مستخدماً الدعم الذي يحظى به من الجهات التي تدعمه. هنا يجري السعي للحصول على الدعم لتدمير البلد العربي من أجل استمرار الحاكم، وهناك يُستخدم الدعم لبناء المشروع الاسرائيلي الذي يكون الحاكم الاسرائلي خادماً له.
لا يصح القول إن الدعم العالمي لاسرائيل هو ما جعلها تتفوق على محيط عربي كامل، دون الانتباه إلى أن الدعم الذي تسعى إليه الحكومات الاسرائيلية هو الدعم الذي يصب في مصلحة المشروع الاسرائيلي، وأن القيمة التي يسعى إليها الحاكم السياسي في إسرائيل لا تستمد إلا من التقدم الذي يحققه لهذا المشروع. فيما تسعى السلطات والأنظمة العربية إلى الدعم الذي يصب في مصلحة استمرارها في الحكم على الضد من مصلحة المحكومين ورغبتهم. يمكن القول إن العلاقة التي تكرست بين مصلحة النظام العربي ومصلحة "الأمة" هي علاقة تضاد. على هذا يبدو أن الدعم السياسي والمالي وحتى العسكري الذي تحصل عليه الأنظمة العربية يذهب في نفس اتجاه الدعم الذي تلقاه إسرائيل، اتجاه دعم المشروع الاسرائيلي. والنتيجة أن كل الدعم الذي يصب في المنطقة يجير في المحصلة لصالح اسرائيل ومشروعها.
هنا حاكم عربي مشروعه هو الاستمرار الأبدي في الحكم، وجاهز لكل شيء يمكن أن يقود إلى هذه النهاية، وهناك حاكم اسرائيلي (غير مؤبد) مشروعه الدائم هو أن يحافظ على تقدم دولته وتوسع حدودها وتجيير كل الدعم العالمي لصالح هذا المشروع. مع الزمن تحول الحاكم العربي، في سعيه للتأبيد، إلى سند للمشروع الإسرائيلي. ومع الزمن، وتحت رعاية أمريكية، تضافرت الإرادة الإسرائيلية في الوجود والتوسع مع إرادة السلطات العربية في التأبيد. الثمرة الممكنة لهذا الزمن هي "صفقة القرن" التي هي، في الواقع، ليست سوى تشريع لأمر منجز وقائم مع إضافات لوجستيه يقتضيها هذا التشريع.
المفارقة التي تكشفت أن الأنظمة الأكثر بلاغة قومية في معاداة إسرائيل وأطماعها، كانت الأكثر عنفاً تجاه شعبها، فضلاً عن هزائمها القومية المتواصلة. وكان دالاً أيضاً أن الثورات العربية التي تواترت منذ بداية العقد الثاني من هذا القرن، ركزت على الخلاص من استبداد الأنظمة، أكثر من تركيزها على العداء لإسرائيل، وفق منطق شعبي عفوي سليم يقول إن الوجود الاسرائيلي في بلدانهم يتجسد عملياً بوجود هذه الأنظمة.
بعد الحروب التي لا تنتصر فيها اسرائيل انتصاراً ساحقاً، تتشكل في إسرائيل فرق للتحقيق والمحاسبة، ويمكن أن يحاكم الجميع وأن يخسروا مناصبهم أو أن يعاقبوا، لأنهم فشلوا في أن ينتصروا أو في أن يحققوا أهدافهم. ومن المرارة أن سياسيينا الحاكمين يغتبطون لعزل قائد جيش أو رئيس وزراء اسرائيلي لأنه فشل في مهمة ما، بينما هم لا يخضعون للمساءلة أو العزل رغم هزائمهم المتتالية.
كشفت السنوات التي مرت منذ 1948، أن الدولة الصهيونية لم تكن غريبة عن التركيبة السياسية الحاكمة في الشرق الأوسط، أو لنقل إن هذه الدولة صنعت قبولها ضمن هذه التركيبة السياسية حتى باتت مهيمنة فعلياً فيها، بعد أن عجزت شعوب المنطقة عن إنتاج علاقة سياسية تجعل مصلحة البلد أولى من مصلحة النظام الحاكم.
ولكن، بعد كل شيء، لا بد من التفكير بكثير من الأسئلة: أين أصبح موقع القضية الفلسطينية في عقول وقلوب الشباب العرب الذين يلمسون بأيديهم أن الأولوية هي للصراع المحلي مع مستبديهم؟ وماذا أصبح حال الفلسطينيين أنفسهم حيال قضيتهم بعد أن باتوا هم الآخرين واقعين تحت استبداد حكم محلي تشكلت له أولويات لا تتوافق مع أولويات الشعب الفلسطيني؟ وأين أصبح موقع القضية الفلسطينية في العالم بعد أن شطبت "صفاقة القرن" تاريخاً كاملاً من الشرعية الدولية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع