الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رهائن الجغرافيا السياسية

جهاد الرنتيسي

2006 / 6 / 4
القضية الفلسطينية


يتجاوز الخطاب السياسي دوره في التعبير عن فكرة ما لدى وصول اصحابه الى منعطفات يصعب عليهم الاحاطة بمسبباتها ومكوناتها وطرق اجتيازها .
ففي هذه الحالة يتحول الى اداة لقياس عمق مازق اصحابه ، واتساع المسافة بين فضاءات اللغة والافاق المحكومة بصعوبات الواقع ، واحتمالات الالتفاف على المراحل .
ومنذ وقت مبكر استوطنت لعنة الجغرافيا مكونات الخطاب السياسي الفلسطيني بمختلف تنويعاته .
وعلى مدى العقود الماضية شكل الاستيطان الذي فرضه واقع الشتات عقدة لاصحاب شعار القرار الفلسطيني المستقل ومازقا للمتهمين بالارتهان للعواصم .
فلم تتوقف القيادة الشرعية الفلسطينية عن التحذير من تبعات الاستلقاء في احضان العواصم الباحثة عن رافعة فلسطينية تنفس احتقاناتها الداخلية .
وراوح تاثير التحذيرات بين استجابات خجولة بعد شعور بالخطا ، واتهامات مضادة بالقطرية ، والتفريط للتغطية على انزياحات سياسية حولت اجزاء من القوى الفلسطينية الحية الى ادوات قطرية لاصحاب الشعارات المغرقة في قوميتها .
وحالة السجال الفلسطيني الراهنة لا توحي بالخروج من دائرة المفردات الاتهامية التي بقيت جزء من لغة التخاطب وان تفاوت حضورها بين الحين والاخر .
وبما ان للظواهر دورها في بلورة الحالات وتشكيلها يمكن اعادة ديمومة اللغة الاتهامية بين الاطراف الفلسطينية الى عدد من العوامل .
ولظلال الجغرافيا السياسية الحاضرة على الدوام في تفاصيل المعادلات الداخلية الفلسطينية الدورالابرز في اعادة انتاج الازمات وامدادها بمقومات الاستمرار .
فالمؤشرات المحيطة بخطاب الازمة السياسية الفلسطينية الراهنة تعيد ظروف صياغته الى ازمة اشمل تشهدها المنطقة وتتمثل في مازقي طهران ودمشق مع المجتمع الدولي .
ولا يخلو الامر لدى الوقوف عند هذه النقطة من مفارقات قد تكون تسميتها بـ " الكوميديا السياسية السوداء " ممكنة .
فقد وجد القادة الاسرى في السجون الاسرائيلية هامش الحوار الوطني الذي لم يتوفر لاسرى المعادلات الاقليمية التي تتعامل اطرافها مع القضية الفلسطينية باعتبارها ورقة ضاغطة .
ويكشف تذبذب الخط البياني لتصريحات قادة حركتي حماس والجهاد الاسلامي بعد طرح وثيقة الاسرى للحوارعن بعض مظاهر الازمة التي يسببها تعامل بعض الاطراف الاقليمية مع الحالة السياسية والامنية الفلسطينية باعتبارها خط دفاع متقدم في مواجهة الارادة الدولية .
وراوح هذا التذبذب بين رفض ، ومراوغة ، ووضع العراقيل امام الاستفتاء الشعبي الذي طرحه الرئيس محمود عباس ، ووصل الامر حد التشكيك بقدرات بعض المناضلين الاسرى واتهام الشيخ عبدالخالق النتشة بقلة الوعي السياسي ، وتنصل حركة الجهاد من وثيقة السجون وكانها طفل خطيئة وليست تعبيرا عن حالة وعي بخطورة المنزلق الذي وصلت اليه خيارات الشعب الفلسطيني .
ولم يخل الامر من محاولة الاستقواء على فصائل منظمة التحرير بالدعوة لنقل الحوار الوطني الى الخارج .
ومن ناحيتها تحرص رئاسة السلطة الوطنية وقيادة منظمة التحرير التي اكتوت بنيران التدخلات الشقيقة والصديقة طيلة العقود الماضية على وضع حسابات الجغرا فيا السياسية وراء ظهرها باحثة عن الافق السياسي الذي توفره الشرعيات الفلسطينية ، والعربية ، والدولية .
والافق السياسي الفلسطيني محكوم باعادة الاعتبار لمنظمة التحرير ، وتفعيل مبادرة السلام العربية ، وضخ دماء جديدة في خارطة الطريق الموشكة على التلاشي .
وبين البحث عن افق سياسي والانكفاء الى دهاليز ازمات النظام الاقليمي هوة سحيقة قد تؤدي محاولات ردمها الى المزيد من الهزات والانقسامات في البنى السياسية الفلسطينية .
ومن شان هذه الهزات ان توسع حضور الحسابات الخارجية في المشهد السياسي الفلسطيني على حساب الهم الوطني .
والى جانب اثار التدخلات الاقليمية تطفو على سطح خطاب الازمة الفلسطيني ثنائيات تنطوي على قدر كبير من الغرابة كالحديث عن العملية السلمية والمقاومة .
فما يحدث على ارض الواقع لا يترك انطباعا بوجود عملية سلمية بالمعني الحقيقي لهذا المصطلح الذي وضع بذوره الاولى مؤتمر مدريد .
والمقاومة بالمعنى الذي رسخته تجربة الشعب الفلسطيني على مدى العقود الماضية ـ بدءا بالكفاح المسلح ومرورا بالانتفاضة ـ لم تعد موجودة .
وحالة التفكك والفلتان ليست حكرا على حاضنة الوطنية الفلسطينية المتمثلة بحركة فتح .
فالطرف الاخر الطامح لوراثة منظمة التحرير والسلطة الوطنية والمتمثل بقيادة حماس يواجه ازمة بنيوية قادرة على تفتيته .
وتتمثل هذه الازمة في صعوبة الاختيار بين الحركة التي تقوم على ارضية ميثولوجية والحكومة التي تخضع لتوازنات دولية واقليمية معقدة .
وتجربة قيادة حماس خلال الاشهر الماضية كانت بالغة الصعوبة فلم تستطع الحكومة التي شكلتها القيام بمهامها دون الاعتراف اللازم بالشرعيات الفلسطينية ، والعربية ، والدولية ، ولم تنفذ كتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية للحركة اية هجمات تذكر ضد اهداف اسرائيلية .
واحتمالات اقامة الدولة الفلسطينية تتحول الى وهم كبير مع تسارع خطوات الحل الاحادي الجانب الذي حصل على ضوء اخضر خلال زيارة ايهود اولمرت لواشنطن .
ولخطوات بناء الجدار العازل وتجميع المستعمرات في الضفة الغربية نتيجة واحدة تتمثل في ترسيم احتلال اسرائيلي بلا كلفة سياسية او عسكرية او مادية .
وفي طريقها الى هذا الهدف تتهرب الحكومة الاسرائيلية من الدخول في مفاوضات جدية مع القيادة الفلسطينية حول الحل الدائم الامر الذي يعني امتلاك اولمرت فرصة استثمار الموقف الحمساوي والشعارات التي تفرخها العواصم صاحبة المصلحة في تازيم الوضع الفلسطيني المتازم اصلا .
وهذا القدر من المؤشرات يكفي لتكريس قناعة بان المشروع الوطني الفلسطيني وصل الى طريق مسدود ويحتاج الى روافع جديدة تزاوج بين فهم عميق للواقع و صياغة الافق السياسي بعيدا عن الاوهام .
ويندرج في هذا السياق تلويح الرئيس عباس بالاستفتاء الشعبي ، و التحرك الرسمي العربي الذي بدا بالقمة المصرية ـ السعودية وقد يساعد على التقليل من تاثير عبث العواصم الاقليمية المازومة في الساحة الفلسطينية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ