الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (200) الاطاحة

بشير الوندي

2020 / 2 / 20
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (200)

الاطاحة

بشير الوندي
-----------
مدخل
-----------
القراء والمتابعين الكرام : هاهي سلسلة مباحث في الاستخبارات تصل الى مئويتها الثانية بثبات استمده من متابعاتكم وملاحظاتكم واقتراحاتكم , وكلي أمل ان استمر فيها بطرح مايهمكم في علم الاستخبارات حتى يأذن الباري ان نحيل تلك المباحث الى مجلدات عسى ان تسد فراغاً في المكتبة الاستخبارية الناطقة بالعربية والتي تفتقر الى الدراسات الاستخبارية الجادة , انه سميع مجيب .
وسنتناول في مبحثنا هذا موضوعة الدور الاستخباري في تغيير انظمة الدول والاطاحة بالخفاء ودون ان تظهر في الصورة .
---------------------------
غرف عمليات انيقة
---------------------------
كلنا يعلم ان الاجهزة الاستخبارية العدوة تسعى دوماً لإثارة القلاقل في البلد الهدف , وان مسعاها دوما هدفه سقوط نظام العدو وانهياره , وتستخدم الاجهزة الاستخبارية مختلف الوسائل في سبيل تركيع عدوها سواء بالحصار الاقتصادي او بإسلوب الانقلابات العسكرية او الثورات الشعبية , وكل تلك الوسائل هي من انواع الاطاحة الاستخبارية .
وتعد الاطاحة وتغيير الانظمة بإسلوب الثورة الشعبية هي الاضمن والاقل كلفة بكثير من الانقلابات العسكرية العنيفة , حيث تتميز الاطاحة الاستخبارية بأنها تعتمد على التكنلوجيا وتكون صامتة وهادئة ولاتترك آثار واضحة تدل على الاصابع المحرضة اذ تضيع اثار الجريمة وسط الاضطرابات .
فالتغيير الاستخباري هو نوع من المعارك ويحتاج الى غرفة عمليات عسكرية والى جنود والى خطط وتقييمات للمتغيرات , الا انها ليست كغرف العمليات العسكرية في الحروب الجبهوية وجنودها هم شباب متقن للعمل الاعلامي والتقني , والقصف يكون بالكلمات والشائعات وليس بالقنابل , كما تحتاج الى نوع آخر من الجنود الميدانيين المحليين من بلد العدو ممن يتقنون العمل وسط الجماهير , كما تعتمد الحرب الاستخبارية الى اعلام مركّز لايهدأ على مدار الساعة والاهم من كل ذلك ان يوجد قيماً ودوافع تصنع التعجيل الذاتي من خلال مجموعة من المثقفين والمدونين الذين يتم جرهم الى الموجة والذين يسعون بكل طاقاتهم الثورية عن طيب نية الى المساعدة في الاطاحة الاستخبارية دون ان يدركوا انهم مسيرون , فالاطاحة الاستخبارية تتلخص في عبارة جوهرية هي " ان افضل طريقة لإجبار شخص على عمل ما هي ان تحببه اليه " .
وقد ذكرنا في مباحث سابقة ان الاجهزة الاستخبارية تنقسم الى ثلاثة انواع بحسب طموحات الدول وامكاناتها , فمنها استخبارات دولية لدول عظمى او طموحة ترى طموحاتها في كل مكان كروسيا او الولايات المتحدة او الصين , وهنالك استخبارات لدول اقليمية يتجاوز نفوذها الى جيرانها ومحيطها الاقليمي , وهنالك استخبارات محلية وهذه تكون في الدول التي تهتم بشؤونها الداخلية فقط , ومن هنا فإن الاطاحة تعتبر من واجبات الاستخبارات السرية الدولية او الاستخبارات الاقليمية , اما الاستخبارات المحلية فلا تهتم ولاتستطيع العمل على فعل الاطاحة وتكون هي المتلقي لفعل الاطاحة .(انظر مبحث ١٥٤ الامن الخارجي وادوار الدول).
----------------------
اسباب الاطاحة
----------------------
لايمكن حصر الاسباب الموجبة للاطاحة بنظام ما الا ضمن عنوان عريض يتناول صراع المصالح والحروب الاستخبارية المستقطبة بالنيابة عن صراع دول عظمى بالاضافة الى الاسباب الاقتصادية التي كثيراً ماتأتي في المقدمة , فلكل بلد اسباب للإطاحة به , فبلد مثل ليبيا النفطية , تكون هناك مصلحة استخبارية لاستمرار الصراع فيه لأنه قادر ان يدفع اجور السلاح والمؤون , ودولة غنية بجغرافيا فريدة كالعراق يجب ان يحكمها نظام ضعيف غير مستقر , والسعودية بلد ثري يجب ان يكون له تهديد خارجي مستمر كي يستمر حلبه , وايران دولة مارقة يجب ان تشن عليها حرب لقصقصة اجنحتها , وهكذا.
فهذه هي معايير الاستخبارات الدولية التي تحددها للهجوم بفعل الاطاحة وفق نظرتها للعالم , فهي تعاقب دول وتبتز انظمة وتسرق قوت الشعوب وتزيد الفقر والمرض و ترضى على نظام وتغضب على آخر بحسب مصالحها .
وقد تكون احد اساليب الاطاحة هي من داخل النظام , فيتم الاتيان بالفاسد او الجبان او العميل فيتحول النظام الى عميل لدولة اجنبية , وهنا لايتم اسقاطه بل الاطاحة به استخبارياً .
ولاتقتصر الاطاحة بالدول , حتى التنظيمات السرية والاحزاب يمكن الاطاحة بها وحرف مسيرها واهدافها الى المحور الذي تريده الاستخبارات , فما يجري في السعودية الان هو اطاحة بنظام الوهابية من داخل النظام وتغيير هوية النظام.
من عمليات الاطاحة البارزة في القرن الماضي عملية الاطاحة بحكومة مصدق في ايران عام 1952بسبب طرده لشركة النفط البريطانية وتأميم نفط البلاد , فتم اعتماد خطة اطاحة من قبل الاستخبارات البريطانية والامريكية بالتعاون مع جنرالات الجيش وتحريك الشارع والقيام بتظاهرات وعصيان انتهت بسقوطه , ومن هنا تنبه الزعيم عبد الكريم قاسم حيث جمع وزراءه ليتخذوا قراراً بتأميم النفط , فخاطبهم في الاجتماع قائلاً : "دعونا نوقع على قرار اعدامنا "!!!.
-------------------
فساد الانظمة
-------------------
ان الكلام عن الاطاحة الاستخبارية لايعني مطلقاً ان الشعوب تتحول الى توابع للانظمة الاستخبارية , او ان الاطاحة هي عمل سهل يمكن ان يطبق على اي نظام وفي اي بلد .
فغالبا ما تستخدم ادوات واخطاء وفعاليات وممارسات حكام البلد وفسادهم كعوامل لتسهيل الاطاحة بهم , فالاطاحة تحتاج الى تحرك جماهيري غاضب , والجماهير لاتغضب الا عندما يطفح بها الكيل من التهميش والظلم , فحينها يتم في مراكز العمليات الاستخبارية التسريع في بناء رأي عام شعبي من خلال ادوات متعددة ابرزها وسائل التواصل والمدونين ووسائل الاعلام وتقنيات التزوير في الصور والفيديوات والاخبار المزيفة والاشاعات , بالإضافة الى تثوير القيم الدولية التي وضعها النظام العالمي كالحرية والديمقراطية , واستغلالها في مقارنات تظهر بشاعة النظام وضرورة تغييره , فتصبح تلك القيم سيوفاً تضرب به الانظمة التي يراد الاطاحه بها او تهديدها.
----------------------
اشكال الاطاحة
----------------------
الاطاحة انواع , فمنها ماهي اطاحة سريعة وأخرى بطيئة , ومنها ماتكون صامتة او ان تكون صارخة , ومنها الاطاحة العسكرية بالانقلابات ومنها مايتم بطريقة سلسة وناعمة , فليس بالضرورة ان تكون الاطاحة خشنة , بل ان منتهى الفن الاستخباري يبرز في الاطاحة الناعمة , حيت يسير الامر بالعمل على دولة وشعب ما بخطوات مدروسة تستهدف تغيير المنهج او الاهداف او المصالح او المعايير , فكل ذلك تتم ممارسته على الدول والشعوب من اجل اخضاعها .
فحين يتم الاستهداف الناعم لنظام ما تبدأ عمليات مدروسة لزيادة جبهة العداء للنظام سلميا وبشكل هاديء مع تحريك نظرة المجتمع تجاه السلطة ونشر تجاوزاتها وفسادها , ثم يتم الانتقال الى خلق التحديات لإنهاك النظام بمجموعة من الازمات والتهديدات حتى يصل الى مرحلة الانهيار .
فالثورات الناعمة تكون من وجهة نظر الحكومة كمرض السرطان ,لأن الحكومة تحتار في كيفية التعامل مع شعبها , فيكون استخدام العنف معه بمثابة الانتحار , فبغض النظر عن احقية الحكومة او عدمها , فان اصعب الخيارات هو خيار العنف , فحين يتم استخدام العنف تسقط السلطة ويزداد الاصرار والاحتراب ويعمل الثأر للدماء كعامل ذاتي يشعل الجذوة , ولامجال هنا للسلطة لتقنع الشعب بأن مايحصل هو مؤامرة حتى لو كانت محقة وكان لديها الف دليل ودليل حقيقي .
-------------------------------
معايير سرعة الاطاحة
-------------‐----------------
ان الاطاحة بأي نظام او حكومة, تعتمد على عوامل تحدد سرعتها وسلاستها :
1- العامل الاول : الوعي الاستخباري للبلد المستهدف , فكلما كانت الاجهزة الاستخبارية واعية وتعتمد الاساليب العلمية ومنتبهة , كلما كانت الاطاحة الاستخبارية معها صعبة , وكلما كانت الاجهزة الاستخبارية فاسدة ونائمة في العسل ولاتعتمد الكفاءآت , فحينها تكون الاطاحة بالنظام سهلة .
2- التنوع : فمن العوامل التي تلعب عليها الاجهزة الاستخبارية المعادية اللعب على التناحر القومي والديني والمذهبي , واشاعة الفرقة من اجل زعزعة الشعوب وتفرقتها واضعافها واستخدام تناقضاتها في التسريع بالاطاحة بأنظمتها .
3- العدالة : تزداد صعوبة الاطاحة تبعاً لطبيعة نظام الحكم ومدى قربه من الشعب وتلبيته لطموحاته , فكلما كان النظام عادلاً والحكومة ملبية لمطالب جماهيرها , كلما صعبت الاطاحة به , وكلما كان النظام مستبداً وسيئاً كانت الاطاحة به سهلة , الا في حالات شاذة تتأخر الاطاحة بنظام ما لأسباب استراتيجية كأن لايكون هنالك بديل ناضج ليحل محله ممن ترتضيه الاستخبارات المعادية , وهو الامر الذي جعل الامريكان يسهمون في تقوية النظام الصدامي الذي حاربوه ليتمكن من تصفية الانتفاضة الشعبانية عام 1991 لخطورة البديل , وعموماً فان تلاحم شعب ما مع سلطته يقلل فرص نجاح الاطاحة ويبطؤها .
4- الخطر المحدق : في الدول التي تمر بخطر محدق كالارهاب , يتسامح الشعب في مطالباته لتقوية الحكومة وقواتها العسكرية لمواجهة الخطر , لذا تكون امكانية الاطاحة السريعة بالنظام مكشوفة كمؤامرة ولايقف الشعب معها ويفشلها , اما حين زوال الخطر العام فامكانية الاطاحة تكون اكثر سلاسة .
وبشكل عام , لايوجد كاتالوج لاساليب ولسرعة عمليات الاطاحة الاستخبارية , فقد لاتمتد سوى لاسابيع , وقد تمتد لعقود , ومثاله الصارخ في اسقاط الاتحاد السوفيتي , حيث تم جره لعدة حروب جانبية والعمل الاستخباري الدؤوب لصناعة راي عام داخلي ناقم , واللعب بالتأثير في القوميات المختلفة تحت شعارات الحرية والديمقراطية والانتخابات والنمط الغربي الساحر , مما أثر كثيرا في تآكل نظام مدجج بالسلاح النووي والامن فإنهار مجتمعياً من خلال تخريب العقل الجمعي خلال عمل دؤوب امتد لأربعة عقود.(انظر مبحث ١٥١ تخريب العقل الجمعي).
-------------
خلاصة
-------------
الاطاحة هي مؤامرة من استخبارات اقليمية او دولية او بإتفاق او صراع دولي , وفي بعض الاحيان يكون تآمر الاطاحة من استخبارات دولية بالضد من دولة لها تأثير اقليمي , الا ان المتضرر دوماً هي الدول التي لاقبل لها بالفعل وانما بتلقيه كالدول الناشئة او الضعيفة .
الا ان مايؤلم ان الكثير من تلك الدول تمكن الاستخبارات الاجنبية من نفسها من خلال استشراء الفساد والظلم الاجتماعي ومن خلال الهيمنة والتسلط وعدم تكافؤ الفرص والسخرية من حركة الشعوب وعدم السعي لكسبها وتفضيل رضى المتنفذين على رضا الجماهير وهو ماحذر منه الامام علي ( ع ) حين قال " إِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ ليُغْتَفَرُ مَعَ رضا الْعَامَّةِ" , وكذلك من خلال اعتبار المواقع الوظيفية الاستخبارية مغانم تتقاسمها شخوص لاعلاقة لها بالمعرفة الاستخبارية مما يؤدي الى انها تعين العدو على بلادها بجهلها مصداقاً لقول امير المؤمنين الامام علي (ع) " مابارزت احداً حتى مكنني من نفسه " فالاجهزة المعادية تدخل من منافذ الضعف والعيوب , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون