الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افلاس نظام المناهبة وانهياره

عديد نصار

2020 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


سبق ان اطلقت تسمية "نظام سبطرة ائتلاف المافيات الطائفية" على نظام حكم القوى المسيطرة على الدولة اللبنانية. اذ ان هذا النظام قام على ائتلاف عدد من القوى التي اتّسمت دائما بكثير من سمات المافيا ابرزها استخدامها لمجموعات من البلطجية التابعين وخروجها الدائم على القوانين والاحتيال عليها وتطويعها لخدمة مصالحها، القوانين التي يخضع لها العامة وتستباح من الخاصة. ومنها استباحتها للمال العام والاختصام حوله والتوافق بعدئذ على الحصص فيه بحسب موازين القوى بينها.
غير ان المفكر احمد بيضون قدم مصطلحا اكثر كثافة ومقدرة في التعبير عن طبيعة هذا النظام، وهو اجدر بتبنيه. فقد اطلق عليه تسمية " نظام المناهبة"، وجاء في شرحه لهذه التسمية:
و" "المُناهَبة". وهذه، في عُرْفِنا، أعَمُّ بكثيرٍ ممّا يُدْعى "الفساد"، (...) وهي غيْرُ "النَهْبِ" أيضاً أو هي صيغةٌ من النهْبِ العموميّ تتَّصِفٌ بأوصافٍ وتتَعيَّنُ بشروطٍ تُضْفي عليها فرادةً مؤكَّدةً بينَ سائرِ حالاتِه. فهي تفترضُ تقابُلاً أو تبارِياً ما بينَ الأطرافِ الناهبةِ فيَلْزَمُ أن تكونَ هذه الأطرافُ عديدةً ومنخرطةً في بنيةٍ واحدة، ويسعُها، بَعْدَ ذلكَ، أن تكونَ متواجِهةً أو متواطئةً ويسَعُها التقلّبُ بينَ الحالَين. المناهَبةُ، أخيراً، غيرُ التَناهُبِ باعتِبارِ الأخيرِ يسمّي نَهْبَ أطرافِهِ بعضَهم بعضاً فيما تسمّي المناهَبةُ تباري الأطرافِ في نَهْبِ ما ليسَ لِأيٍّ منهم أصلاً، وهو هنا المالُ العامّ. ولَمّا كانت المناهَبةُ مشتَمِلةً على التصرّفِ بالمالِ العامِّ جُمْلةً فهي التعبيرُ عن بنيةٍ سياسيّةٍ تُمْلي أسلوباً موصوفاً في التصرّفِ بما يقعُ تحتَ سُلْطتِها أيْ هي "نِظام". "نِظامُ المناهَبةِ" هو الاسْمُ الذي نقتَرِحُه للنظام الطائفيِّ اللبنانيِّ، إذن، ناظِرينَ في هذه التسمِيةِ إلى الأسْلوبِ الذي انتهى إليهِ هذا النظامِ في أداءِ وظيفتِهِ الماليّة، الحَيوِيّةِ لبقائهِ، وهي تحصيلُ المالِ العامِّ والتصرّفُ به."
ونظام المناهبة لا يقوم الا بالطائفية التي اتاحت لأطرافه احتكار التمثيل السياسي للطوائف واختصارها بزعاماته المؤبدين الذين يتوارثون اتباعهم رعايا، كما يتوارثون البلاد ومواردها، حفيد عن وليد.
ونظام المناهبة الطائفي هذا، إضافة الى ما شرحه المفكر بيضون، يحتاج دائما الى حامٍ يهيمن فيه ويحميه، إذ إن انشغال أقطابه وقواه وانغماسهم في الفساد والزبائنية والتحاصص يجعلهم في متناول القانون والاعلام والمتضررين الذين يمثلون غالبية ساحقة من الناس، لذلك كانت وصاية نظام حافظ الأسد ومن بعده بشار، تدوزن العلاقة بين أطراف هذا النظام وترعاه بما يعود بالفائدة الجمى على نظام الوصاية المهيمن آنئذ، وبعد انسحاب النظام الأسدي من لبنان سنة 2005 وخروج قواته وأجهزة مخابراته بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وعدد من الشخصيات السياسية والاعلامية اللبنانية، شهدنا ارتباكا في السيطرة على البلاد إلى أن فرض حزب الله نفسه بما امتلك من قوة وايديولوجيا مذهبية وسلاح. هذه الهيمنة تجلت في عدة محطات وأزمات سياسية مر بها نظام سيطرة القوى المافيوية، بدءا من انتخابات سنة 2005 التي أدخلت التيار العوني والقوات اللبنانية كوافدين جديدين على الساحة السياسية، كما تجلت بالتحالف الانتخابي الرباعي الذي كان حزب الله جزءا منه الى جانب تيار المستقبل (الحريري) بزعامته الجديدة (سعد الحريري ابن رفيق الحريري) وحركة أمل (نبيه بري) والحزب التقدمي الاشتراكي (وليد جنبلاط). ثم عجز الطبقة السياسية عن انتخاب رئيس للجمهورية بعد انتهاء ولاية إميل لحود (الممدة)، وصولا الى اتفاق الدوحة الذي جاء بميشال سليمان الى رئاسة الجمهورية وأمن لحزب الله الامساك بمفاتيح الهيمنة السياسية على المنظومة الحاكمة، وصولا الى الفراغ الرئاسي المديد الذي انتهى بانتخاب ميشال عون، رئيس التيار الوطني الحر وحليف حزب الله ومرشحه الوحيد لرئاسة الجمهورية، بعد اتفاق معراب مع سمير جعجع والتسوية الرئاسية مع سعد الحريري.
استكمل حزب الله هيمنته على المنظومة الحاكمة في لبنان بفرض مرشحه رئيسا للجمهورية، وأعاد رسم الخريطة السياسية للقوى المتآلفة في السلطة بما يتيح له التحكم بكل مفاصلها إما مباشرة أو بواسطة حلفائه (حركة أمل والتيار الوطني الحر وآخرين في الشارعين المسيحي والسني)، ما أتاح له الحصانة التامة غير المسبوقة أمام جميع مؤسسات الدولة وفتح له الحدود سياسيا بعد أن كانت مفتوحة واقعيا ليتصرف عبرها كما يشاء، وليحمي عناصره وأتباعه في وجه القانون والقضاء من اي ملاحقة في أية قضية.
لم يكن نظام المناهبة في يوم من الأيام معنيا بالقطاعات الاقتصادية المنتجة، فانهارت قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة الى حدود كبيرة، في حين اعتمد هذا النظام في تمويل الدولة على الريوع والاستدانة، لقد تحول الى نظام مرابٍ بكل معنى الكلمة فتحولت المصارف عن تمويل القطاعات الاقتصادية الى تمويل الدولة نظرا للفوائد المرتفعة التي أمنتها لها حكومات هذا النظام المتعاقبة. وكان انهيار هذه المنظومة حاصلا بالفعل في عهد رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري لولا الثقة التي تمتع بها الرجل عربيا وعالميا ولولا علاقاته الطيبة والاستثنائية مع رؤساء وملوك وأمراء غربيين وعرب أتاحت له تأمين تدفقات مالية خارجية مكنت في أكثر من محطة تفادي انهيار النظام المالي للدولة اللبنانية، فكانت مؤتمرات باريس 1 و2 و3 محطات أجلت الانهيار.
ومنذ سنة 2011 أمّن اللجوء السوري الى لبنان مليارات الدولارات كمساعدات خارجية نقدية للنازحين السوريين ما أرجأ عمليا الانهيار الى سنة 2018، حيث بدأت علائم الانهيار بالبروز ما دفع من هم في قمة السلطتين السياسية والمالية الى تهريب أموالهم بعشرات المليارات ( قرابة 27 مليار دولار بحسب المراقبين خلال سنة 2019) الى الخارج، إضافة الى ما تم تهريبه الى سوريا سواء كأموال نقدية بالدولار أم كمشتقات نفطية تم استيرادها عبر لبنان وتم دفع أثمانها بالدولار بينما تم استيفاء أثمانها في سوريا بالليرة السورية.
هذا الانهيار المالي، الى جانب الاستهتار بتأمين الخدمات الضرورية للمواطنين، أدى بالحكومة السابقة برئاسة سعد الحريري وبهيمنة واضحة من حزب الله وحليفه جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر (العوني)، الى التوجه الى فرض ضرائب إضافية على المواطنين وانتزاع بعض من المكتسبات القليلة التي تحصلوا عليها بعد نضال مطلبي طويل ومرير، ما أفضى الى انتفاضة 17 تشرين التي أودت بالحكومة ولا تزال تقف عند مطالبها بالتغيير السياسي الذي لا بد منه للوصول الى التغيير المطلوب في السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية التي أوصلت البلاد الى الانهيار.
بات معروفا موقف حزب الله من هذه الانتفاضة ومن مطلبها بالتغيير، حيث أطلق حسن نصر الله زعيم حزب الله لاءاته الثلاثة في وجه الانتفاضة في يومها الثالث، في حين استمر باقي السياسيين على صمتهم لأسابيع منتظرين من الحزب المسلح أن ينقذ نظامهم الذي هو نظامه، نظام المناهبة الذي يهيمن عليه بالكامل.
وبات معلوما كيف، بالمماطلة وباستخدام اساليب متنوعة في قمع ساحات الانتفاضة وشوارعها، أخذت قوى السلطة بزعامة حزب الله، اعادة انتاج نظام سيطرتها متكئة بشكل كامل على حزب الله وحلفائه في تشكيل الحكومة وفي إقرار الموازنة الوهمية التي هي نفسها موازنة الحكومة السابقة وفي منح الثقة للحكومة الجديدة حيث كانت القوى السياسية الأخرى تؤمن النصاب الدستوري في المرتين، متجاوزة اعتراض المنتفضين الذين حاولوا حصار مبنى البرلمان ومنع النواب من الوصول، فكان أن تحولت ساحات الاعتصام ومداخل مجلس النواب الى ثكنات عسكرية بآلاف الجنود من الوحدات الأكثر شراسة في الجيش والقوى الأمنية (المفاوير والفهود ومكافحة الشغب..) كي تتأمن الجلسات.
لكن النظام بات مجوفا، الليرة اللبنانية في أسوأ ايامها وفي تراجع مستمر أمام الدولار الأمريكي، القوة الشرائية للبنانيين تتضاءل باستمرار، اسعار المواد الحياتية تشهد ارتفاعا مخيفا كل يوم، المؤسسات التشغيلية تقفل، العمال والموظفون يفقدون أعمالهم ومن كان منهم محظوظا بقي على نصف راتب... البنوك نضبت من السيولة بعد تهريب الأرباح ورؤوس الأموال الى الخارج تاركة الدولة أمام استحقاقات مالية عاجزة عن تلبيتها..
البلد ينهار فوق رؤوس ابنائه والقوى المسيطرة تحاول اشغال الناس بصراعاتها المخادعة. وزعيم حزب الله يخطب في الناس مؤكدا أن عناصر حزبه لن يتأثروا بالأزمة النقدية في البلاد، ويطلب اليهم فصل الاقتصادي عن السياسي وكأن ما حل بهم كارثة طبيعية لا يتحمل مسؤوليتها أحد. ثم يطلب مقاطعة البضائع الأمريكية في وقت يعجز فيه اللبنانيون عن أي استيراد من اية بلاد.
نظام المناهبة بات خاويا أجوف يتهاوى مهما تمسك به حزب الله باعتباره عنوان سيطرته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو