الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدمير و إعادة الإعمار

راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)

2020 / 2 / 22
الادب والفن


( سياسة تدمير الدول الفقيرة ثم إعادة إعمارها )

قلم #راوند_دلعو

زعماء الكوكب بقداساتهم ، جلالات ولاة أمره بمواكبهم ، ها هم يتزاحمون في مؤتمرات (البارفانات) الصحفية و التصريحات الدولية بعد أن سحبوا ( السِّيفُونات) المُرَخّمة بالياقوت و ( المُسَرْمَكَة ) بالعقيق و الجمان على قضايا الجوع و المرض و الجهل و الفقر التي تجتاح الشعوب المقهورة ، ثم خرجوا من فنادقهم الفخمة أم الخمسة نجوم و الستة نجوم و السبعة نجوم ، و بعد أن استقلُّوا سياراتهم المرصَّعة بالفيروز و (الفرزاتشي و الكريم شانتيل) إلى قاعاتهم الزبرجدية المسلحة بأجواء المكيفات التي (تشرشر) عسلاً مصفى و رحيقاً منَقَّى ، إذا بهم يتقنَّعون بالإنسانية الزائفة و التعاطُفِيّة الماكرة ، ليخبّؤوا سكاكين أنيابهم التي تفضحهم بثَعلَبِيّة البريق في لُمَعِهَا ، و حِدَّة الذئبيَّة في أنصالها ... ها هم يبتسمون بطريقة ملائكيّة و دماء أطفال الدول التي دمروها و خلقوا فيها الحروب تتقاطر من ضواحكهم ، لكن مكرهم إلههُم يتجبّر في أخيلة شفاهِهِم و ظلالها ، فإذا بهم يجرجرون خبثهم وراءهم ظِهريّاً ، و مكرهم أمامهم وَجهيّاً ، ثم ها هم و قد اشرأبُّوا يتشدقون أمام ( المايكروفونات ) :

إحم إحم " نريد أن نتفضل على هؤلاء الفقراء في دول العالم الثالث و نساعدهم في إعادة إعمار بلادهم المنكوبة من جيوبنا و رؤوس أموالنا " ... !

( تصفيق حار رنان ، يصفع بضجيج صداه جدران المكان !!!!!! )

ثم من بعيد ، إذا بصوتي الخافت يهمس في حضرة آذانهم :

{ عفواً سادتي ، من قال لكم أننا نريد منكم إعادة إعمار حجارة سوريا أو العراق أو الصومال أو أفغانستان أو اليمن أو ليبيا أو كشمير ...... !!؟

لا تريد هذه البلاد إعادة إعمار حجارتها ، بل تريد إعادة إعمار الإنسان الكوني فيها ..... !

نصيحتي لسادة المال و الأعمال ، احفظوا استثماراتكم في جيوبكم ، فما نريده في هذه الدول هو إعادة إعمار إنسانها الكوني بعيداً عن ثقافة الطائفية التي دمَّرَتها ، بعيداً عن المحمدية و المسيحية و الهندوسية ، بعيداً عن السنية و الشيعية و العلوية و الأرثوذوكسية و المارونية ... بعيداً عن (نحن ) و (هم) ، بعيداً عن ( أنا حق مقدس ) و أنت ( باطل مُدنَّس) ، بعيداً عن (أنا وطني ) و (أنت خائن ) ، بعيداً عن ( أنا عربي و أنت كردي و هو سرياني و ذاك أمازيغي و قبطي و و و ) .

كفاكم كذباً و تجارة بدماء هذه الشعوب العريقة التي اخترع لكم أساس الحضارة ، و صدّرت لكم الزراعة و بداية التمدن.

نواياكم حسنة و تريدون أن تعمرُوا ؟؟

إذن عمِّروا الإنسان الكوني في هذه البلاد ، بمقاييس كونية من تعايش و حب و سلام و تسامح و لا عنصرية و لا طائفية ، ثم دعوا هذه البلاد المنكوبة تعمِّر نفسها بنفسها على أكتاف إنسانها الجديد.

إنسانها الكَوني الذي إذا أراد أن يخرج من بيته خلع انتماءه الديني الطائفي و العرقي على عتبة باب بيته ، ثم خرج إنساناً صرفاً خالصاً بلا أي انتماء إلا للكون و الحياة و العلم.

إذا ذهب إلى شركته عامل الجميع كبشر دون أن يحابي ابن طائفته أو عرقه من حيث التوظيف و الترقية ... !

إذا اعتلى منصة القاعة في الجامعة أو المدرسة ، علَّم كل الطلاب بإخلاص بغض النظر عن ابن ساحل أم ابن داخل أم ابن جبل ....!

إذا استقبل مريضاً في عيادته طبّبه على أنه إنسان ، لا على أنه ابن طائفته أو عرقه !

أما هؤلاء الذين يدّعون إعادة إعمار حجارة هذه البلاد في هذا الوقت الزكام ، فلسان حالهم يفضحهم :

" لقد نَكَبنَا و دمرنا حجارة هذه البلاد ، لأننا نريد استثمار دمار حجارة هذه البلاد لخدمة تنمية أموالنا و ثرواتنا و مصالحنا حول العالم ".

سيداتي سادتي ، هل فكرتكم بإرسال وفد توعوي لمكافحة الطائفية و العنصرية في هذه البلاد المنكوبة بدباباتكم و طائراتكم و مخططاتكم؟؟

هل فكرتم بإغلاق المحطات المتلفزة التي تبث عبر أقماركم الصناعية خطابات الكراهية و العنصرية و الطائفية و التجييش و الدعس و المعس ؟

هل فكرتم بإنشاء ورش التربية الإنسانية لجيل الإنسان الكوني الجديد في هذه البلاد ؟

فلنبن الإنسان الكوني في الدول المنكوبة بالتفقير و التجهيل و التحريب ، ثم لنلق على عاتق هذا الإنسان بناء أفغانستان الحب و سوريا السلام و عراق الحضارة و ليبيا الاستقرار و اليمن السعيد و الصومال العظيم ... }.....

و ما إن أنهيت كلامي محاضراً بزعماء العالم حتى تمطّى القوم بلا مبالاة و هم ينظرون إلى بعضهم واجمين !

ثم قاموا و كروشهم تندلق أمامهم متخمة بالدهون الثلاثية و البروتينات الرباعية و الكربوهيدرات الخماسية و السكريات المعقدة !

لكأني برائحة تجشُّئِهم تملأ الكون قرفاً و البلاد قذارة و ترفاً.

و بعد هذه الحادثة بأعوام طويلة من التحريب و التدمير و التقسيم و التسليح و التطييف ... فرغ القوم من تدمير هذه البلاد التعيسة الحظ ، و جمعوا إلى جيوبهم أرباح التجارة بدماء أطفالها ، ثم ذهبوا إلى تدمير مجموعة أخرى من الدول كي يمارسوا عادتهم النبيلة في ( إعادة الإعمار ) .... !

#راوند_دلعو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المشكلة حصريا في الانسان
muslim aziz ( 2020 / 2 / 22 - 23:17 )

حتى لا اكون ظالما لك فمشكلة الانسان في الانسان نفسه وليست في الاديان، فالاديان انما جاءت لخير الانسان إذا ما طبق الانسان الدين السمح،
فها هي امريكا الحضارة، واوروبا التنوير، وروسيا، الكل نعم كلهم ينظرون الى شعوب العالم الثالث كمزرعة، ها هي امريكا واوروبا وروسيا، ماذا فعلوا عندما تم تقطيع الخاشقجي؟ فليقطع حاكم السعودية نصف شعبه وليبق البترول يتدفق لبلاد الغرب المستنير،
نحنُ شعوبٌ محرَّمة علينا الحضارة والديمقراطية.
أعجبني · رد · دقيقة واحدة


2 - يا مسلم...يا عزيز
ماجدة منصور ( 2020 / 2 / 23 - 03:24 )
إعذرني حين أقول لك: ها هي المرة الأولى لي في حياتي...أقرأ لك تعليق يتناسب مع إنسانية الإنسان!!0
خير...ان شاء الله خير
احترامي لك و للأستاذ الكاتب ،،،فهو يضع إصبعه مطرح الجرح0

اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي