الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكتب نيابة عنى

سمير الأمير

2020 / 2 / 24
الادب والفن


ما الذى يمكن أن يكتبه شاعر كشهادة عن نفسه؟ ،إن الأمر برمته يبدو لى أقرب الى الاعتراف فى الديانة المسيحية ولكن ذلك أيضا يتطلب أن يرى المرء كتابة الشعر كفعل من الأفعال المنكرة وهو فى تقديرى مسألة قد تقترب من روح المفاهيم التى تحاول أن تجعل الفن كله يندرج تحت تصنيفه الجديد " كرجس من عمل الشيطان “، هل على إذن أن أكتب فى هذه الشهادة بعض مبررات ارتكاب الجرم أو أن أتخيل أننى أدافع عن وجودى كشاعر أمام محكمة تفتيش مفترضة؟أعتقد أننى لست بحاجة لكل هذا العناء ،إذ أن الشعر عندى هو منتج من المنتجات الجانبية فى حياتى كريفى بهرته أضواء المدن فضاع و سقط فى الحنين لقرية مفقودة لم يعد يراها حين يزور أمه كل أسبوع أو كل شهر أو كل عام وجارى التعديل لتصبح الزيارة كل ربع قرن وذلك لتطور تكنولوجيا الاتصالات التى تجعله يستبدل كل هذا العناء بنقرات أصابعه على لوحة مفاتيح حاسبه الشخصى، و الشعر عندى أيضا – وليغضب من يغضب –منتج جانبى فى حياتى كمدرس مصرى كان عليه أن يمشى على دمه كل يوم ليفتح بيته الذى ظل سنوات غريبا عن عالمه بالنظر إلى عدم القدرة على تجاوز دوره كممول لتكاليف الطعام والكساء، ويبدو أننى مضطر هنا لقول الحقيقة كاملة وللاعتراف بأن الشعر عندى كغيره من المعانى المجردة التى تتحول إلى سلع بمجرد وضعها فى أشكال وقوالب ،وأنا مجبر أيضا على أن أتحدث عن نوعين من البشر، نوع ينتج الحياة والمحبة كالفلاحين والمحبين فى حقول الله ونوع آخر يكتب عن تلك الحياة وتلك المحبة كالكتبة فى المخازن وتجار الحاصلات الزراعية فى الأسواق وحقول الشيطان ولكم أن تتصوروا بأنفسكم فى أى النوعين يقع معظم منتجى القصائد وكتاب المقالات الأدبية مثيرى الضجيج فى قنوات التلفاز ومثيرى الاشمئزاز فى مؤتمرات وزارة الثقافة التى يحضرونها دون أن يكلفوا أنفسهم عناء المشاركة الجادة فى أى جلسة بحثية من جلساتها، وعلى المعترضين مراجعة كشوف مؤتمر أدباء الأقاليم مثلا ليدركوا أن بمصر نوع من (الشعراء) يمكن تسميته "بالمؤتمرجيه" وستبكى حين تراهم وهم يتعاركون بسبب قلة " كمية الأرز" فى طعام الغذاء أو بسبب أن بعضهم حصل على علبة زبادى واحدة فى العشاء أو أن " الحساء " كان باردا، هل أوضحت أم ترانى تجاوزت حدودى؟ “ على أية حال أريد أن أقول أن الإنسان أكبر من الشاعر وأن الحياة أهم من القصيدة وأن عدم إدراك معظمنا لتلك الحقيقة هو ما يؤدى إلى تلك الظواهر المقززة التى تحدثت عنها بالإضافة طبعا إلى أن المؤسسة الثقافية التى كانت دائما ظلا للمؤسسة الأمنية أرادت أن تختصر الشاعر وتحوله إلى كائن يسعى إلى البدل النقدى للندوة ويصبح من آماله الحصول على " الحقيبة" التى يوزعونها فى المؤتمر لدرجة أن أحد هؤلاء قال لى ذات مرة " تصور أن المؤتمر مر دون توزيع الحقائب" لأن وكيل الوزارة أراد لسبب ما أن يذل الأدباء، فلا أحد يسأل عن أبحاث أو توصيات ويختصر الأمر فى كلمة واحدة " انبسطتم؟" أو ربما يتعمق بسؤال من نوع " هيه.. والأكل.. هل كان حلوا ؟"
كل ذلك يجعلني بعد أن جاوزت 56عاما أدرك أننى كنت على صواب حين استمسكت بما تعلمته فى طفولتى من أمى " الست أم سمير " عن العدل والحرية وعن كفاح البشر الذى يجعلهم جميعا أبناء أسرة واحدة تسمى " الإنسانية “ ومن ثم يجعلنى أكثر وثوقا بأن الشعر هو جزء من تلك الإنسانية وأن هؤلاء "المؤتمرجيه" مستلمى الحقائب ينتمون لقبح يلفظه الشعر الحقيقى تماما كما تلفظه الإنسانية،
إن التكاثر غير الطبيعي لظاهرة المستشعرين وبالذات من شعراء العامية جعلنى أمزح ذات مرة مع الشاعرالكبير سمير عبد الباقى وكان ينتظرنى وتأخرت عن موعده فسألنى عن سبب التأخير فقلت له لقد كان المترو مزدحما وأظن أن عليهم أن يخصصوا عربتين على الأقل لشعراء العامية،
هل أوضحت أننى أصبحت أقلق من وجود كلمة الشاعر أمام اسمى بسبب كل ما ذكرت آنفا، نعم لقد خدعتنى التسمية لأنها كانت تسبق أسماء مناضلين كبار كلوركا ونيرودا وناظم حكمت وهوشى منه وجيفارا ومثقفين تقدميين كأمل دنقل وصلاح عبد الصبور ومحمود درويش وفؤاد حداد وصلاح جاهين، لقد كان هؤلاء شموعا تضىء ظلام العالم وكان الشعر أحد تجليات أحلامهم العظيمة ولم يكن أبدا هدفا فى ذاته، الآن أظن أن" الكلمة" لم تعد تعنى ما كانت تعنيه، وأنها قد تعنى الآن هؤلاء الصنف من البشر مرتادى الندوات الذين يشتهون إلقاء القصائد ( ذات مرة كان أحد الشعراء يدير ندوة ولا حظ تململ الحضور وكلهم من الصنف الذي تحدثنا عنه فأمسك بالمكريفون ليؤكد للجميع أنه لن يستثنى أحدا وأن كل شاعر سيتمكن بإذن الله من إلقاء قصيدته) فهدأ الجمع واستأنفت الندوة،
إذن سأشهد أن المبدعين الحقيقيين جميعا والشعراء على وجه التحديد مناضلون يسعون لتغيير العالم، مناضلون ضد الاستغلال والقبح والقهر وغير هؤلاء هم كتبة ومدعون وينبغى الحذر منهم وكشفهم لكى يظل للشعر قيمة فى هذا العالم. وسأشهد أيضا أن بمصر حاجة لشعراء ومبدعين يعيدون بناءها على الأسس التى ينبنى عليها كل إبداع جميل " أليست الثورة من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية " قصيدة بهية - بل أبهى القصائد - التى يسعى لكتابتها معا كل المبدعين و كل المتلقين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا