الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كَ وِ ه ْ ...

حازم العظمة

2006 / 6 / 5
الادب والفن


كنت أتبع الحجـل أينما سـمعت به ، أبحث عنـه في الكتـب و الموسـوعات ، أحفظ إسـمه اللاتيني alectoris choucar يعجبني إسمه هكذا في الموسوعات ،يعجبني أيضاً إسمه الآخر : "الحجل الرومي" ، إسمه بالكردية " ك َوِِِِِهْ " ، هكذا أخبرتني منذ شـهرين الشـاعرة الكردية فيوليت محمد،هي تحب أن يسميها أصدقاؤها هكذا " ك وِه " ...جرْسه بالكردية و جدته غامضاً و بعيداً ...
بقيت أتبع الحجل سنيناً كثيرة ، أحتفظ بصوره في مخيلتي ، يدرج على الأرض نشيطاً ، منتبهاً ، يتوقف للحظة ، يرفع رأسه ليرى أبعد َ، يمط عنقه الرقيق ذاك .. ليلتقط من الأصوات أخفتها ، يستدير برأسه نزقاً ، قليلاً في كل اتجاه ، نزقاً و هادئاً في آن معاً ...
يطربني صدحه ، يصدي في الوديان السحيقة ، أو في الظهيرة في وعرة جرداء ..
لم تكن الوعرات جرداء إلا حين تعبر مسرعاً ، و لكن إن تمهلت أو توقفت قليلاً ، لعثرت على الشقائق الضئيلة في ظلال الصخور ، أو على الخزامى البرية بجانب بقعة ثلج ما تزال تذوب بطيئة في أواخر نيسان
ثمة "حور صنّين " أيضاً في نهاية أيلول ، بتويجاته النهدية الفاتحة ، هناك في ظل صخرة كبيرة ستجد أن الحجل نبش الأرض و ترك هناك حفرا ًصغيرة مخروطية كان اقتلع منها أبصال الزنابق ، و أبصال "حور صنّين" التي يحبُ
تبعت الحجل في كل جبال و جرود سورية و قفارها ، الحجل لا يحب مكاناً أكثر من الوعرات و الجرود و القفرات النائية ، تبعته في جرود "الفليطة" و "راس العين" و "حلايم قارا" ... ، إسمها هكذا" حلايم قارا " تشبيهاً بالحَلَمات .. ، لأنها ، القمم التي هناك ، تشبه نهوداً .. ، منتصبة تتجه إلى السماء ، إلى الغيم ...، و كأن إلهة تمددت هناك على ظهرها ، على طول السلسة الشرقية ، كأن جبال لبنان هناك و السلسلة الغربية ، والثلج الذي انسكب عليها من قممها .. كأنها لم تكن سوى خلفيةٍ ، لتبدو أمامها الإلهة العارية أجملَ ..

تبعت الحجل في السلسلة التدمرية الجنوبية .. ، و الشمالية ، في "زْبيدة" و "بير الأفاعي "، من هناك ،حين تقفل عائداً ، لا بد أن تمر من التلتين التوأمتين" العبد و العبدة " ، تلال بركانبة قاتمة و قديمة ... ، ملساءُ إلا من شظايا حصى صغيرةٍ بسطحها .. ثمة حجل هناك أيضاً ..

أحياناً تبحث عن الحجل ساعات طويلة ، تصعد و دياناً و تهبط جرودا ً و لا شيء ، و لا أحد ، ثمة الصمت الذي يؤكده حفيف أعواد عشب يابسة هزتها نسمة ضئيلة ، ثم فجأة يمتلىء الفضاء بصخب الحجل ، يفزّ رفوفاً ، ثم فرادى ، من حيث لا تتوقعه ، و لا تراه
مرة وكنا في طريقنا إلى " عين حجل " ، في الجزائر ، قرية صغيرة و نائية ، حيث كان علينا أن نزور مركزاً صحياً صغيراً هناك ، الإسم لفتني " عينْ حْجْلْ " و باللكنة تلك ( بتسكين كل الحروف) ، قلت أن لا بد أن للإسم نصيباً من هذا المكان ، طلبت من السائق والطبيب الجزائري الذي يرافقني أن نتوقف في أسفل تلة كنا نعبر بخاصرتها ، قلت إن كان ثمة من حجل فلا بد أن يكون هنا ، صعدت إلى ظهر التلة و رحت أتأمل المنظر الصحراوي الساحر من هناك .. ، ثم فجأة ، تماماً من أسفل الصخرة التي أقف عليها الصخب ذاته الذي أعشقه : رفٌ كبير من الحجل الأفريقي ( أصغر قليلاً من الحجل الرومي) يفزّ من تحتي تماماً .. لم أتمالك نفسي ، من صيحة عالية طويلة ، أصدقائي الجزائريون نظروا إلي مندهشين ، هزوا رؤوسهم و ابتسموا ...

تبعت الحجل في "وادي الرقاد "و في" وادي خالد "، في تلك المنخفضات السحرية التي نتهار مع الماء إلى نهر " اليرموك "
تبدأ بالهبوط من هناك من مكان يدعى الشجرة ، و لا تنتهي ، تهبط في طبقات و مستويات ، بعد كل واد تقول لا بد أن الهبوط انتهى الآن ، و تقول أن ما من حيز أو من فضاء، ما من طبقة بعدُ تهبط فيها ، أو إليها .. ، إلا أنك تنزلُ و تنزلُ ، تتبع الشلالاتِ و المساقط َ– الصخور َ ، و لا تتوقف إلا عند ضفة اليرموكْ ،
الحجـل هناك يتمـوّه بالدُفلى و بالعشــب ِ، يتموه بصخور ٍنحاسٍ أحرقتها الشمسُ ، يتداخلُ و الجنادبَ و الحمامَ الأزرق َ، و غيوماً خفيفة تشبه غلالات ٍ

بقي الحجل هكذا في ذاكرتي برياً إلى هذا الحد ، جافلاً و برياً ..
، ثم بعد سـنين ، في مدينة مزدحمة في مساء صاخب .. ، بين سامرين و ضحكات عالية ، و قصائدَ و نبيذ ٍ، تصادفُ جميلة ما تقول لك انها " كَ وِه " ، و تفسر لك أن كاوه هي الحجل ...
تعود في آخر الليل و انت تعيد لتتذكر : " كاوه" ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق


.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس




.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم