الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأرجح العلاقات التركية تدفع ثمنه ادلب السورية وسط تنازلات تركية

كرم خليل

2020 / 2 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


إبّان إطباق نظام الأسد وحلفائه الحصارعلى مدينة حلب، في النصف الثاني من العام 2016، حيث سمحت الولايات المتحدة الأميركية لروسيا بتنفيذ حملة عسكرية قائمة على سياسة الأرض المحروقة، وكانت الخطوط الحمراء قد انهارت تمامًا وتم استبدال أضواء خضراء بها، وبذلك فإن انحسار دور الإدارة الأميركية وتأثيرها في الساحة السورية، تبعه انحساركبير للدور العربي، لاسيما ذلك المتمثل بدور المملكة العربية السعودية التي بدت غائبة عن المشهد تمامًا آنذاك، وبسبب هذه المعطيات، فقد كانت تركيا قاب قوسين أو أدنى من العزل عن الساحة السورية، بعد أن وجدت نفسها وحيدة في مواجهة روسيا وإيران اللتين أوشكتا القضاء على ما تبقى من فصائل المعارضة هناك.
"اتفاق أستانة" الذي عقد في يناير 2017، حيث لجأت من خلاله أنقرة إلى موسكو، لإنقاذ مصالحها المتعلقة في شمال سوريا، وكانت تركيا الأضعف في حلقة التفاوض عندما قالت حرفيّاً للمعارضة السورية "لم نعد قادرين على حمايتكم".
فإن إيران رأت في أستانة فرصة للاصطفاف ضد الوجود الأمريكي، والروس استغلوها فرصة ذهبية لشرعنة وجودهم في الشرق الأوسط وأول موضع قدم للانتقال من الدور الهامشي إلى دور رئيسي على مسرح الأحداث في المنطقة، وكذلك الحال للولايات المتحدة التي تعتبر أن مسار أستانة هو مكمل لمقررات جنيف.
في الوقت الذي أفضت الخلافات بين الولايات المتحدة وتركيا حول قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد، ولا سيما في شمال شرق سوريا، إلى ابتعادهما الواحدة عن الأخرى، تقاربت تركيا وروسيا جرّاء الإذعانُ الروسي للعمليات العسكرية التركية ضدّ قوات سوريا الديمقراطية في شمال غرب سوريا، الأمر الذي اتفق عليه كل من الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانة.
إذاً اجتماعات السلام التي بدأت منذ العام 2012 ولغاية هذه اللحظة جميعها تقاطعت مع مصالح دول ضد آخرى ولا زال الشعب السوري يدفع الثمن لفشل المعارضة السياسية في بناء التحالفات الصحيحة وضمان مصالح الدول اللاعبة في المنطقة.
حيث أن الأحداث المتسارعة على مختلف الأصعدة بشأن ادلب السورية، والتي تعتبرها أنقرة ملك لها ونقطة ارتكازها،وقتل الجنود الأتراك جراء قصف لنظام الأسد استهدف نقاطهم قرب ادلب، زاد الموقف تعقيداً، بينما، تتناقض هذه التطوّرات مع العلاقات التركية الروسية الناشئة في السنوات القليلة الماضية التي كانت تشهد تحسّناً، وبالفعل، دفعت هذه العلاقة بالكثيرين في الغرب إلى الاعتقاد أنّ تركيا تبتعد عن الغرب وتقترب من روسيا، وقد رسّخ شراء تركيا نظام أس-400 الصاروخي الروسي المتطوّر هذه الرؤية أكثر فأكثر، مسبّباً الخيبة لحلفاء تركيا.
وبالتالي فإن سوريا كانت ولا زالت الأساس في العلاقات بين موسكو وأنقرة،علاوة على ذلك، بات التعاون بين البلدين بشأن سوريا مُنظّماً أكثر من خلال إجراءات أستانا وسوتشي منذ نهاية العام 2016. فلم تعملْ هذه الإجراءات المتمحورة حول سوريا على الوصول إلى تسوية للأزمة السورية فحسب، بل غيّرت معالم العلاقات التركية الروسية، وقد سلّط الهجوم الأخير على إدلب الضوء على الاختلافات التركية الروسية وبيّن حدود التعاون بين البلدَين.
حيث أن التصريحات التركية شديدة الحدّة من جهة ودبلوماسية من جهة أخرى عندما تتحدث عن المواجهة مع روسيا عسكريّاً، في حين تتصاعد سلسلة من التصريحات التي تبعت الاجتماع للوفدين التركي الروسي، جميعها تؤكد على فشل المفاوضات وعدم التوصل لاتفاق، حيث أن الرئيس التركي يقول أن "عملية إدلب باتت مسألة وقت ولن نترك المنطقة للنظام السوري الذي لم يدرك بعد حزم بلادنا"، فيما يقول الكرملين بأن "إمكانية تنفيذ عملية عسكرية تركية ضد الجيش السوري هو السيناريو الأسوأ"، حيث أن المماطلة السياسية تعتبر سيد الموقف الحالي في ظل محاولة نظام الأسد وحلفائه الالتفاف على كامل الاتفاقيات "الفاشلة" والتقدم والسيطرة على العديد من المناطق شمال سوريا.
ولكن تسيير الدوريات التركية الروسية التي استأنفت عملها بعد اسبوعين من تخّلف تركيا عن مشاركة روسيا في الدوريات العسكرية المشتركة في شمال شرق سوريا، توحي بأن الضامن التركي يحاول تطبيق بنود سوتشي خلال لقائه مع الورس، وتعتبر تلك الدوريات من ضمن بنود اتفاق أستانة، حيث لا زالت أنقرة تؤكد على النظام السوري بالانسحاب من المناطق التي تقدم إليها مؤخّراً في ريف ادلب وعدم اجبارها للقيام بذلك عبر عمل عسكري تجهّزت له أنقرة في ادلب،في ظل حديث عن ترقّب لقمة رباعية تجري خلال 5 مارس من العام الجاري، وقد تسبقها سلسلة من المشاورات الثنائية بين كل من موسكو وأنقرة.
خيارين لا ثالث لهما لأنقرة للخروج من المأزق:

التصعيد:
وهذا ما تحضّر له أنقرة عبر إرسال الأسلحة ثقيلة، بما فيها دبّابات وعربات مدرّعة ومدافع هاويتزر، إلى إدلب وعبر تسهيل عملية تعزيز المعارضة. لكنّ تهديدات أردوغان والتعزيزات العسكرية، التي تُعتبر محاولة أنقرة لتأمين الردع، لم تفضِ إلى نتائج ملموسة لتركيا، لأنّ نظام الأسد يحظى بالزخم العسكري ويتابع تقدّمه في ادلب، مستغّلاً التردد التركي في عدم الدخول بمواجهة مع الروس في ادلب.

المفاوضات:
بإمكان تركيا الوصول إلى اتفاقية أستانا محدّثة، كما فعلت في السابق خلال جولتها الأولى لإنقاذ المعارضة في حلب، وهذا هو المسار الأكثر ترجيحاً لسوريا، وخصوصا وجود اللاعبين الأوروبيين في المفاوضات التي تخاف من تدفق دفعات جديدة من اللاجئين، حيث أن لا ادلب بعد ادلب، وهذا ما سينقذ أيضاً العلاقات الروسية التركية. وسيعني ذلك على الأرجح أنّ تُبرم أنقرة وموسكو اتفاقاً حيال منطقة عازلة تحت سيطرة تركية على الجهة السورية من الحدود السورية التركية بالتنسيق مع الروس للهاربين من الأزمة الإنسانية، وسبق أن دعا وزير الدفاع التركي خلوصي آكار إلى إنشاء “منطقة آمنة” للهاربين من إدلب. في هذه الحالة، ستتوجّه تركيا على الأرجح إلى الأوروبيين لتمويل كلفة هذه المنطقة، لفترة معيّنة على الأقل، أن يعالج المخاوف من بروز موجة جديدة ممكنة من اللاجئين،حيث يمكن أن تتحوّل هذه المنطقة العازلة إلى منطقة منزوعة السلاح مستقبلاً، وبذلك لن يكون لنظام الأسد اعتراضاً، بل سيكون من دواعي سروره أن يصبح الناس هناك مشكلة مُلقاة على كاهل تركيا، حيث أن نظام الأسد مُهتمّة تعطي أولوية أكثر بالسيطرة على المواقع الاستراتيجية في إدلب، عوضاً عن سكّانها، الذين يعتبرهم أعداءه أصلاً.
بحيث أن هذا الاتفاق سيُعطي الأسد فرصة السيطرة على معظمَ المواقع الاستراتيجية التي ترغب فيها ويسلّم المنطقة العازلة المتوقّعة للاجئين الهاربين من إدلب لإرضاء تركيا، ويمنح روسيا انتصاراً دبلوماسياً.
تردد أنقرة في دعم المعارضة السورية عندما كانت تسيطر على أكثر من 80% من الأراضي السورية، جعلها تدخل في مأزق اليوم، يصعب الخروج منه دون تقديم تنازلات عديدة، الأمر الذي اعترف به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام بقوله: " ما نعيشه من مشاكل سببه عدم تبني مواقف حازمة في الماضي".
وعليه فإن أنقرة التي لا تثق بواشنطن ما يجعلها لقمة سهلة لموسكو، حيث أن روسيا تحاول التفرّد في الساحة السورية متجاهلة حتى حلفائها من الإيرانيين ونظام الأسد نفسه، لذلك ينبغي على أنقرة معالجة انعدام التوازن في علاقاتها مع روسيا والغرب عبر إعادة تمتين صلاتها الغربية، فإن لم يتمّ ذلك، كما هو الوضع في السنوات الماضية الأخيرة، من شأن تأرجُح تركيا المستمرّ بين روسيا والغرب أن يزيد من ويلاتها في سياساتها الخارجية والأمنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟