الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا و الببغاوات

راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)

2020 / 2 / 25
الادب والفن


( أنا و الببغاوات )

قلم #راوند_دلعو

مع سبق إصرار و مقصود ترصُّدٍ أُعلِنُها .... و على كل جدار أكتبها ... و بكل لغة أحكيها ...

"أعشق الببغاوات بكل هذا الجنون و تلك الجُنونيّة .... بكل هذه الرعونة و تلك الرعونيّة ، بنكهة الأطفال ... و لوثةِ البراءة الطُّفوليّة " !!!!

إذ عادة ما يتم طردي من أمام واجهات محلات الطيور بالشتائم المرميَّة في وجهي رشَّاً و دراكاً بعد ساعات من التثاقل على الباعة عبر تأملي بالببغاوات تأمل الطفل لمغامرات وحوش الفضاء في مسلسلات الكرتون ( غرندايزر ) ...

أحملق بهنَّ مع آلاف من مُذنَّبات الدَّهشة التي تعبر بصري بلُمَع من ذهول و انفعال ...

أتأملهن بوقاحة اللّص و مكر الثعلب المتحيِّن لسرقة دجاجة على جوع ...

أركِّز في تفاصيلهن كما أركز في مسألة هندسة تحليليّة تتشاجر فيها القطوع و تتعامد فيها المتوازيات على أسطرِ من سطوع !!

أتمعن بحركاتهن تمعن الطفل بتفاصيل لُعَبِه البلهاء ...

أحاول حلّ تداخلات الريش في أجنحتهنَّ كما أحاول تفكيك تشابك مسائل المثلثات الجيبيّة و أحاجي المربعات التكعيبيّة ...

أدور بأطواقهنّ ذَهُولاً كما تدور بي دوائر الفراغية رياضيّاً ... و أضيع في زَغَبِهِنَّ كما أتوه في دهاليز الهندسة الشعاعيّة رَحّالاً هنِيَّا ...

ثم أنوس عشقاً و تَهيُّماً برفرفتهن ...

و أنوس و أنوس و أنُوس !

تحملني عيناي جيئة و ذهاباً ، تطفُّلاً و تشاكُساً ، ميمنة و ميسرة ، ما بين ريش و مناقير و زعقات و رفرفات و زَغَب ... و تراقصات على الأغصان و تفانين ألحان و طرب ...

يمخر بي شغبهن عباب تفاصيل الوثير المسطح من نواعم صدورهن ، و مفاتن حبورهن ... و أرجوان خدودهن ... إلى طلاوة جفونهن و سلالم حناجرهن الموسيقية ...

لا أسأم من تقليب تضاريسهن بين شطآن أجفاني و أبعاد مآقيَّ و قزحيات أشجاني .... متفرساً لطافتهن و وداعتهن و حركاتهن الطفولية ...

أحاورهن منقِّباً عن كلثوميّات حناجرهن و فيروزيات نبراتهن ... علّهن ينطقن بالجمال فيندلق من مناقيرهن مغمَّساً بدلالهن سيالاً إلى أُذُنَيَّ ...

أرتشف خفة دمِهِن من ريشهن الهفهاف بياضاً و زرقة و حمرة و صفرة و اختيالاً ....

و أذوب في هذا العناق القزحي للألوان ، و الالتفاف الحلزونيِّ البهلوان ...

أَراهُنّ أطفالاً يلتحفن ريشَ البراءة ... ألواناً من العفويّة و اللهفة و التحايل الوديع ... كنص على أسطر من ورقٍ سجيعٍ ...

أما الوردي منهن فيأخذني في عالم آخر من فيض العشق و الرومنسية .... إذ أراهن جبروتاً في مزجهن بين الجمال و الحرية و التثنّي و الدلع و الضوضاء و الشاعرية ...

هأنذا أتنفس الحرية من بين أجنحتهن المنسجمة تصميمياً مع الحريّة ... و مناقيرهن الواخزة كطعم الأفكار المتراكبة الإبداعية التجديدية ...

أعشق دورانهن الأشبه بالديالكتيك الماركسي ... و تطفلهن الأشبه بالإيديولوجيات الاقتحامية ... و سطوة جمالهن المستلهم من العقائد الشمولية ... و أذوب إصغاءً لصخبهن ...
نعم أعشقهن بضوضائهن و كل ذبذباتهن الصوتية ... و مجالاتهن الكهرومغناطيسية ... الفوق موجية و التحت غُنْجَوِيّة ...

أما كروانتي الصغيرة (سيناكا ) فأعشقها شعثاء الريش منسدلته ... مفتوحة الجناح مطويَّته ... منكوشة الذيل مُلملَمَته ...

أكتئب لاكتئاب المكتئب منهن .. و أزعق فرحاً لزعيقهن ....

و أرفرف ....

نعم أرفرف على تطريب رفرفتهن ... كرفرفة طفل في مسبحه الصغير المطاطي ... يغني على إيقاع خرخرة الماء الغدق الفرات السَّخي ...

أما إطعامهن فكون آخر من المتعة الرهيبة .... إذ يُشعرني بموقعي كإنسان يمارس الحنان و البذل و العطاء و الكونية ... بل يُشعرني بتربعي على عرش الرئيسيات الأكثر تطوراً و تكيفاً ... و بممارستي لمسؤوليتي كعاقل هذا الكون و قائده ...

نعم ، فهُنَّ من غيَّرنَ معنى الذيلية من قمة الذل إلى قمة الجمال و التنوع !

إذ إنَّهُنَّ المذيّلات بالتداخل الطيفي و التضايف اللوني و التدرج الريشي ... يا لها من مؤخِّرات مثقلة بالجمال و السؤدد و العنجهية ... !

لا أدري لماذا أشعر بأن جميع ببغاوات المدينة التي أعيش فيها يعرفْنَنِي !

أصادقهن بجِدية ... و أخاصمهن بجِدية ... و أعيد فتح العلاقات و القنوات الدبلوماسية ... و أتأنى بسحب السفراء عند الانزعاج من مشاكستهن لأصابعي ...

فكم أتمنى لو ترتقي علاقاتنا البشرية إلى مستوى التمثيل الدبلوماسي القائم بيني و بينهن .... فعندها فقط سيعم السلام و تسود المحبة و يسيطر التعاطف و تُلغى الطائفية بين البشر ....

فلنبحث عن ألوان بعضنا و عن أنغام بعضنا و عن الجمال في بعضنا ... فقد نصبح طيوراً لا تعرف الحقد و لا الكره و لا العدوان و لا التصنيف ....

و عندها فقط سنقدس الطَّلق و الرفرفة و الحرية ... و نكره الأقفاص و القيود و العبودية ...

#راوند_دلعو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي