الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع على العيش

دلور ميقري

2020 / 2 / 25
الادب والفن


لو أنك مررتَ من جانب المرعى قبل ألف عام، لن تجده على غير صورته اليوم.
الأسد، المتخذ مرتفعاً معشوشباً بمثابة المرصد، كان ولا مِراء أبرز حضور الصورة. إنه يشمل المرعى بنظرة ثابتة، ثم ينتقل بعينيه إلى المرتفع الآخر، المتَخذ حصناً لجماعة الضباع. كان يعتبرهم دخلاء على حوزه، يتحين الفرصة لتأديبهم ومن ثم طردهم.
رئيس أسرة الضباع، وكان لديه زوجتان مع أولادهما الرضع، كان في تلك اللحظة يبادل ملكَ الغابة النظرات، وكذا مشاعر النفور والتوعد. لكنه اليوم كان مهتماً أكثر بحالة الأسرة، على خلفية انقضاء يوم كامل بدون فريسة؛ وهذا معناه أن الصغار لن يجدوا حليباً في ضرع الأمهات. هذه الفكرة، وقد شحذها طويلاً في ذهنه، دفعته كي ينهض من مكانه بشكل مباغت، فما لبثَ أن ركض الهوينى باتجاه قطيع الثيران. سرعان ما دبت الفوضى في القطيع، وكان هم الكبار حماية العجول من الفك المفترس. غيرَ أن هذا الأخير تمكن من الاستفراد بأحد الثيران الهائلة الحجم، وجعل يناور من حوله ويراوغه كي يحظى بفرصة للإيقاع به. الثور، بقوته الجبارة، استطاع في المقابل توجيه ثلاث ضربات مؤذية للضبع المهاجم قبل أن يفقد توازنه. عند ذلك، أطبق الفك المفترس على عنقه ولم يعُد يُسمع سوى الزمجرة والخوار.
إذا القطيع يكتنفه هياج مفاجئ، فيندفع قسمٌ من أفراده الكبار باتجاه المسبعة، المعتلية ذلك المرتفع، كي يطردوا ساكنيها. هنا، أمر الأسد كلتا اللبؤتين كي تنزلا الصغار في الحفرة المخصصة للطوارئ. بعدئذٍ صارت المسبعة مباحة للثيران، وكان بعضهم يحاول التطاول بقرنيه إلى الحفرة للنيل من الصغار. عادت جماعة السباع للهجوم بشكل حذر، ما جعل قطيع الثيران يتراجع إلى المرعى بصورة أكثر فوضوية. عند ذلك، اتجه الأسد نحو الثور الغارق في دمائه وبدأ في تمزيق لحمه. فيما انتظرت اللبؤتان بجانب الصغار، وكانوا قد خرجوا من الحفرة وآبوا للعب والمرح. على حين فجأة، انتبه الأسد لمشية كبير الضباع، العرجاء: " يا لك من أحمق ومغرور! خمس لبؤات بالكاد يستطعن مواجهة ثور بهذا الحجم ". وبدون مهلة تفكير أخرى، نهض بسرعة قصوى في اتجاهه. كبير الضباع، لم يكن في وسعه الركض، فحاول الدفاع عن نفسه من خلال الجلوس على مؤخرته. غير أن الأسد تمكن بقفزة أخيرة من طرحه أرضاً ودق عنقه بلا رحمة.
في الأثناء، كانت اللبؤتان تتناولان الغداء على وليمة الثور الصريع، وراقبا أسدهما وهو يبصق بقرف ثم يتجشأ عدة مرات. لم يكتفِ بذلك، وإنما ذهب إلى النبع المجاور كي ينظف فمه من أثر لحم الضبع وشعره الشبيه بالشوك. مر على بعد خطوات من قطيع الثيران، بيد أن هؤلاء لم يعيروه أدنى اهتمام أو التفاتة. رجع من النبع وأطلق زئيره باتجاه اللبؤتين، فابتعدتا عن الفريسة. لكنه لم يستطع الأكل، وكان مزاجه ما زال مُعكراً.
أنثيا الضبع، كانتا ترمقان في ألم وحسرة جثة رجلهما، وقد تخلصتا أيضاً من هجمة الثيران وحفظتا الصغار في حفرة معدة أيضاً لحالات الطوارئ. ما زالتا تتضوران جوعاً، عدا عن هم إرضاع الصغار. هما كذلك، حينَ اخترق المشهدَ غزالٌ كبير الحجم، يتبعه فهدٌ بأقصى قوى قوائمه. عندما صارت رقبة الغزال بين فكي الفهد، اندفعت إحدى الضبعين مزمجرة. ترك الفهدُ الفريسةَ ثم تسلق بعجالة شجرة قريبة. لكن ظهر على الأثر فهد آخر، ما جعل الضبع تفر إلى جهة ضرتها. المعركة لم تنته، ذلك أنهما ما لبثتا أن هاجمتا معاً الفهدين وتمكنتا من الاستحواذ على الفريسة ومن ثم جلبها إلى المرتفع. بعد نحو ساعة، كان في وسع صغار الضباع تلقف الأثداء المترعة بالحليب.
الأسد، المستلقي بمهابة على الصخرة المرصد، هز رأسه وكأنما يتوعد جماعة الضباع بليلة حافلة بالمفاجآت غير السارة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج عادل عوض يكشف كواليس زفاف ابنته جميلة عوض: اتفاجئت بع


.. غوغل تضيف اللغة الأمازيغية لخدمة الترجمة




.. تفاصيل ومواعيد حفلات مهرجان العلمين .. منير وكايروكي وعمر خي


.. «محمد أنور» من عرض فيلم «جوازة توكسيك»: سعيد بالتجربة جدًا




.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR