الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النازي والنازية في النار

مصطفى إبراهيم
(Mostafa Ibrahim)

2020 / 2 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


أغمض جفنيه أخيرا، بعد يوم يعز عليه أن يصفه بالشاق، فالشقاء ليس إلا وسيلة تسلية طفولية مقارنة بما يعانيه في عمله يوميا، استغرق في سباته بسرعة تكاد تلامس سرعة الصوت أو بعضا منها، تلاشت الموجودات من حوله شيئا فشيئا إلى أن نادته نداهة الأحلام، فانطلق وراءها دون مقاومة.

هناك حالة علمية معروفة يدرك فيها الحالم أنه يعيش في عالم الأحلام، لا شأن لنا بها على أي حال، القصد أنه غاص في أحلامه حتى بلغ العمق منتهاه، فرأى فيما يرى النائم جنودا تصطف و"بروجي" يأذن لهم أن تحركوا، وصوت يأتي من بعيد هاتفا: heil fuhrer، لم يصدمه التعبير الألماني، بل لم يتفاجأ من فهمه للألمانية، فالنائم مغيب، والحلم خيال يفرضه علينا العقل واقعا شئنا أم أبينا، رأى الحشود تهتف باسم يعلمه، يحفظه عن ظهر قلب، بالتأكيد لا يوجد في التاريخ أكثر من هتلر واحد، وهذا الذي يسمعه هو اسمه لا جدال، اللافت أنه لم يلتفت لغرابة المشهد، بل خرج في تحية الجنود كما يفعل غيره من السائرين، هاتفا مثلهم، مبجلا ومقدسا ورافعا يمينه إلى أعلى، يصرخ بأعلى صوت بألمانية أنيقة: "يحيا هتلر.. يحيا الفوهرر"..
دقائق مضت لا يدري لها عددا، إلى أن بدأ الموكب في التقاطر، مدرعات وسيارات عتيقة تليق بمنتصف قرن مضى، ووجوه يبدو عليها الشحوب بقدر الحماس، إلى أن بلغ القائد منتصف ميدان الجنود، فانطلق إلى أعلى منصة ملقيا خطبة عصماء، تحدث فيها عن ظروف يجب تحملها، وواجبات ليس من أدائها بد، محذرا من خراب يحمي الجميع منه، وفساد قد يهلك البلاد والعباد من بعده، ثم أعلن إرسال جنوده المصطفين إلى جبهة باردة قاسية، ليأتوا بخير وفير ونصر مبين ورفعة للشإن والجبين.

لم يشعر بنفسه وهو يصفق بحرارة، بحماس يكاد يخرج من بين ضلوعه متجسدا، ظل مصفقا هاتفا إلى أن غادر الجنود… بلا رجعة.

مر الزمن سريعا كعادة الأحلام، فرأى موكبا من أطفال يرتدون "أوفارول" الجنود، ويمسكون بالبنادق، في انتظار الفوهرر من جديد، اقشعر بدنه حين رأى القائد يصافح أطفاله المقاتلين، فأي زعيم ملهم هذا الذي يداعب الأطفال ويطمئنهم ويربت على أكتافهم مشجعا، لا بالطبع لم يعنه مقتل جنود الجمع السابق أجمعين، ولم يلتفت كثيرا إلى أنه أمام أطفال مسلحين يستعدون للقتال، فالقطيع يصفق، والقائد أمامنا بشحمه ولحمه، يرفض الهروب وقت المعركة، يتمسك بوطنه رغم قدرته على المغادرة والتمتع برغد العيش، فالقائد لا يموت إلا على أرضه…
لا يهم من مات، لا يهم من حُرق، وبالطبع لن نبخس قائدنا المحارب حقه لحفنة من الشعب سجنت أو سحلت أو قتلت، فالوطن باق- على أي حال- والأشخاص زائلون.

كان يعلم في حلمه كل مفاسد النازية، ربما من تاريخ قرأه في يقظته، أو لعل الحلم تكوّن في لا وعيه بكامل المعلومات اللازمة، لكنه تأثر بالزعيم، بحنانه على الأطفال قبل إرسالهم للموت، بتشجيعه لجنوده، ببقائه في أرض الرايخ وعدم هروبه رغم الهزيمة الوشيكة.
اختفى المشهد وحل محله مشهد أكثر رعبا، الصوت فيه يغلب على الصورة، قنابل وصواريخ ترج حتى جزيئات الهواء، صرخات تتعالى بلا توقف، تستنجد بالزعيم الملهم، هو لم يهرب، لقد آثر البقاء وهذا يكفي، لن يغيثنا غيره، من غيره قدم ما قدمه، اتسعت بلادنا في عهده، فلا تحدثني عن الديكتاتورية، تحسنت معيشتنا فكيف تلتفت لأعداد قتلى أو مسجونين، لقد وعد بالبقاء والمواجهة، فعن أي فساد تتحدث؟

صوت يتكرر في خلفية الحلم كالموسيقى التصويرية، مشكلتها أنها موسيقى لا تناسب الحدث على الإطلاق، يعلو صوتها تدريجيا كلما تكررت، يعلو حتى على صوت القصف نفسه، جسمه يهتز ثم يسمع صوتا يناديه: "هتصحى ولا أقفل المنبه".
استيقظ مذعورا، يحمد الله على أنه خرج من هذا الحلم بأعضائه كاملة غير منقوصة، ينظر في مرآة حمّامه ويتذكر كيف مات هتلر، نعم، لقد مات منتحرا… أطلق تنهيدة طويلة أتبعها بقوله: "يالا.. ماتجوزش عليه إلا الرحمة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من