الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قُبلة -درونزية-، جنتلمان بالستي، وأحلام صينية

مسار عبد المحسن راضي
(Massar Abdelmohsen Rady)

2020 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


كَشَفَت القُبْلَة "الدرونزية"؛ التي خرجت من فَمِ العم سام، يوم الـ 3 مِنْ يناير، لتُرسِل قائد فيلق القدس الإيراني، إلى العالم الآخر، العورة القومية، في المؤسسةِ التشريعية العراقية. الصينيون؛ يعرفون جيّداً، معنى تسريب القومية في أنابيب الهويات الفرعية. الحسبةُ الصينية، مِنَ الممكن اختصارُها: أرباح البيدر السياسي، لا تساوي تخريب الحقل القومي. أثرُ الهُزال القومي على الجسد السياسي العربي، وبالأرقام الصينية: يجعلُها فريسة للبيع والشراء وللتقسيم طالما يتناسبُ هذا الأمر تماماً مع مصلحة الحاكم (1). أمّا عن القَدَر الذي يُزنزِنُ مستقبل شعوب الشرق الأوسط، ما دامت العورةُ القومية، قابِلة للتأجير، تقولُ النبوءة الصينية: في حالة بقاء الأوضاع على ماهي عليه دون تغيير فستتعرض شعوب الشرق الأوسط باستمرار إلى الإهانة (2).
لم تكن، الدعوة البرلمانية؛ "الشيعية"، لإخراج قوّات اليانكيز، يوم الـ 5 من يناير (3)، صحوة سيادة، بل كان تأجيراً سريعاً للبندقية التشريعية، لصالِح طهران، تَحَسُباً للمزيد من قُبُلَات "الدرونز"؛ الأمريكية، والتي اختارت ثورة أكتوبر العراقية 2019، كسماءٍ صديقة. احتاجت طهران، المسؤولة عن "الهلال الشيعي"، أن تَرُدَّ في الـ 8 مِنْ يناير (4)، بصواريخٍ بالستية-صديقة- ضربت القواعد العسكرية العراقية، لكنها تركت عُمقَها اليانكي، سليماً.
هكذا؛ ما بين القُبَلِ، البنادق التشريعية، الصواريخ الصديقة، وثورة أكتوبر، اضطَّر رئيسُ الحكومة السابق؛ عادل عبد المهدي، أن يُعلن عن طريقِ حريرٍ "شيعي"، بين بغداد- بكين، مُضاد لشرنقة "الانتداب الأمريكي". كان عبد المهدي، وفي سلسلةٍ مقالاتٍ له (صحيفة المثقف الإلكترونية)، قد شبّه علاقة بغداد- واشنطن، بعلاقة بغداد- لندن، قبل قيام الحكم الجمهوري ، في البِلاد، سنة 1958م (5).
أثرُ ما تقدم؛ كان تشكيل، "عُصبة صينية"، داخل قبة البرلمان، مِنْ تَحَالُفيْ "الفتح وسائرون". الإعلام العراقي شَهَدَ بدورهِ، "تَصيُّناً" بدرجاتٍ متفاوتة، لتضخيم الاتفاقية الإطارية مع الصين. فتيلُ المبالغات، بدأ بالاشتعال، بعد القُبْلَة "الدرونزيّة". "العُصبة الصينية"، اتكأت على انضمامِ العراق لمبادرة -الحزام والطريق- الصينية، يوم الـ 23 من سبتمبر 2019 (6).
توأم بريطاني، "بنياتا" مشاريع، وجمل صيني
المُفارقة، إنَّ مظهر محمد صالح؛ المستشار الاقتصادي والمالي، لرئيس الحكومة (عادل عبد المهدي)، عرّى الاتفاقية من أيّةِ مفاتن (7)، وإن الاتفاقية، تكادُ تكونُ توأماً بريطانيّاً. أهمُ ما كشفهُ صالح، إن ما يُدعى بـ "كُلفة العراق"، والتي تبلغُ 35-45%، تُضاف إلى تكاليف أي مشروعٍ، تُنفِّذهُ الشركات الأجنبية في البِلاد، بسببِ بقاء العراق عالقاً في عقوبات الفصل السابع. أيضاً؛ كَشَفَ المستشار، إنَّ الديون الكويتية، ستستقطِعُ 3% من كُلِّ برميلٍ نفطي. هذا التفصيل المهم، لم يجد موطِأ قدمٍ في أحراش الإعلام العراقي، رغم إنّهُ مدمنُ أفيون Copy-Paste، في علاقتهِ مع الأخبار الرسمية (8).

اللطيف؛ إنَّ وليد السهلاني؛ الرأس البرلماني لمنظمة بدر، والتي هي بدورِها كبيرةُ "تحالفِ الفتح"، روّجت إن الاتفاقية الإطارية مع الصين، والتي ألبستها "العُصبة الصينية"، الحِجاب الحريري؛ لمبادرة الحزام والطريق، مليئة بالمشاريع، كحلوى "البنياتا". غيرُ اللطيفِ أبداً، إنَّ المواطن العراقي لن يعرف، ماذا سيأكلُ من "البنياتا" الصينية، إلَّا بعد مرور سنين: البلدُ سيجني ثمارها وبشكلٍ ممتاز في قابل السنوات القادمة (9).
أمانة الاحتِفاظ بالطرافة، تستوجبُ الإشارة، إلى أنَّ جمل المشاريع الصينية؛ المُتخيَّل، سيكونُ بُسنامٍ من مشاريع البُنى التحتية؛ الشاملِةِ النوع. لن يترك الجملُ الصيني، شبراً عراقياً، لا يُبرُك بهِ مشروعاً. ربمّا نَسيَت "العصبةُ الصينية" الفتيَّة، أو ربّما هي لا تعرِف أصلاً-الأرجح- إنَّ البُنى التحتية، هي في حقيقتِها، شقيقاتٌ ثلاث: البُنى التحتية اللّينة، البُنى التحتية الصُلبة، والبُنى التحتية الحَرِجة (10). كُلُّ واحدةٍ من تلك الشقيقات، تختصُّ بحُزمةٍ مِنَ المشاريع. نسألُ هنا: إذا كان هذا الجملُ السحري، شاملاً لِما تقدَّمَ، فما هو دور الوزارات العراقية لا سامح الله؟
حاول كاتِبُ هذهِ السطور، أن يعرِف موقِف بكين الرسمي، مِنْ خلال سِلكِها الدبلوماسي في بغداد- السِفارة الصينية، لم أحصل على جواب. الهدفُ كان، ترويضُ إيحاء: إنَّ الطرف الصيني موافِقٌ ضمنياً، على ما تروِّجهُ العصبةُ الصينية. نُذكِّرُ هنا، أن الرئيس الصيني؛ شي جين بنغ، وضع سقفاً، لطموحاتِ بغداد؛ التي جاءت محمولةً على بِساط زيارة، عادل عبد المهدي، وفريقهِ الوزاري للصين. قال حرفيّاً: الدولتان ستتعاونان بشكلٍ رئيسي في قطاع النفط وفي مشاريع البُنى التحتية (11).
الحرير الصيني و دودة القز الإيرانية
العينُ الصينية؛ الاستراتيجية، ترى الدول التي لا تمتلكُ منفذاً مائياً، أو تمتلكُ بشقِّ النفس البرَّي، فُسحةٍ مائية، فُرصاً جغرافية، جاهزة لأن تكون أفلاكاً دائرة، في مدارات القوى العظمى: أضحت الدول المنغلقة وشبه المنغلقة تابعة للدول المُتحضِّرة (12).
العراق؛ مِنَ الدْوَلِ ذات الجغرافيا شبه الحبيسة (13). يُعاني العراق أيضاً، من مُشكلةِ حدودٍ برَّية طويلة، مع معظمِ جيرانه. مع إيران يُناهز طول تلك الحدود الـ 1500 كم2. قوّة العراق العسكرية، وقبضتهُ الأمنية المحكمة، في زَمَنِ النظام البعثي السابق، خففت بعضاً، وعطّلت بعضاً آخر، مِنْ مشاكلهِ الجغرافية النوع، على العملِ ضِدَّه، في واقعهِ الإقليمي والعالمي. كان العراقُ فاعلاً. حتّى بعد حرب الخليج الثانية؛ سنة 1991م، بعدما تقلّص دورهُ كفاعل، نتيجة العقوبات، وتدمير معظمِ آلتهِ العسكرية، بقي مؤثِّراً. بعد الغزو الأمريكي؛ سنة 2003، عادت مشاكِلهُ الجغرافية، للعمل بهمةٍ ونشاط. المضاربات الإقليمية والدولية، وجدت في جغرافيا العراق، فرصة للربح "الجيواستراتيجي".
المنطق الصيني؛ في الشرق الأوسط، مِنَ النوع اللا سياسي، قد يَعِدُ بترشيد، تعامل دول الجوار العراقي-كمِثال- مع تعقيداتهِ الجغرافية. خاصّة الرياض وطهران؛ اللتين تتمتعان، بشراكةٍ "استراتيجية شاملة" مع بكين. هذا المنطقُ اللا سياسي، والذي يُركِّزُ على التنمية الاقتصادية، يبدو كائناً خفياً، بسبب: الطبيعة الاستراتيجية المتأصلة في بناء البُنى التحتية الدولية (14).
صوتُ قُبْلَة؛ "الدرونز الأمريكية، والبالستي الإيراني، لخدودِ السيادةِ العراقية، لا بدَّ أنهُ قد أثار قلق بكين. مِنْ جانبٍ، أثار سؤالاً، ليست لهُ إجابةٌ نهائية: كيف ستُضبِّطُ بكين إيقاع طهران، وهي تعرِفُ، إنّها تحتلُ مرتبة الموقع "الجيواستراتيجي" الأهم (15)، في الحسابات الصينية؟ و مِنْ جانبٍ آخر، تبدو طهران لبكين، كِتاباً موثَّقاً بالأدلة التاريخية، عن واقع الدول العربية. بالضرورةِ، أنهُ يحوي نصائحاً مُتحيِّزة. قد تسببُ بدورِها، تنشيط بكين لتحيُّزات وظيفية، لواقعِ تلك الدول في النِظام العالمي. هذهِ التحيُّزات الإيرانية، استطاعت أن تهبط في مطار إدارة الرئيس الأمريكي الـ 44، باراك أوباما. عبّر عنها في مقابلةٍ على بلومبرغ. مفادُها ذو العِلاقة: شعوب الشرق الأوسط مشغولة بهويّاتِها الطائفية أكثر من المستقبل. ربّما لهذا السبب، وجَدَ؛ جيفري أس. باين: إنَّ إيران توفِّر منصة فريدة للطموح الصيني في الشرق الأوسط. فرادةُ المنصة، وبحسبِ باين أيضاً: الصين تحتاج إلى إيران كي تنشأ علاقات مع دولٍ في منطقة لا تتمتعُ معها بتاريخيةٍ من العلاقات. طهران؛ تحاولُ- يبدو إنّها نجحت إلى حدٍ بعيد- في تحويلِ بغداد، إلى مُجرَّدِ تابعٍ، لسياساتِها الخارجية. أصبحت مِثالاً إيرانياً، عن كيفية انتزاعِ بلدٍ من مجرّة النفوذ الأمريكي.
الميليشيات الإيرانية: بلاك ووتر مستقبلية للصين؟
العسكريةُ الناعمة؛ والتي تُعرّفُ بـ: الاستخدام المحدود للقوّةِ الصُلبة (16)، تتيحُ لبكين، دوراً فعّالاً، في الشرق الأوسط، ضمن حدودٍ معقولة، تتناسبُ مع مُبادرة الحزام والطريق. مثلاً؛ القواعد العسكرية الأمريكية، الموجودة، في منطقة الخليج العربي، تعملُ بترتيباتٍ لوجستية وبشرية، توفِّرُها الدول المستضيفة لتلك القواعد. هذا القوام اللوجستي- البشري، يستطيعُ أن يحقق غرضاً صينياً، ويُحافِظُ على شرطٍ أمريكي: وجود عسكري فعّال مؤقت، وعدمُ مأسسةِ أي حضورٍ عسكري مستمر. إلَّا أنهُ من جانبٍ آخر، يترك التورُّط الأمني لِـ بكين، حاضراً، بواسطةِ آلية مُكافحة الإرهاب. هذا التورُّطُ الأمني، سيؤدي إلى بناءِ علاقاتٍ استخبارية؛ وثيقة الطابع، بين الصين ودول الشرق الأوسط العربية؛ على الأقل، تلك التي لها أهمية كبيرة في مبادرة الحزام والطريق. الحضور الاستخباري؛ وهو سمةٌ أُخرى، مِنْ سِمات المقاربة العسكرية الناعمة، عموماً؛ سيوفِّرُ للصين -الضرورة الواقعيّة- فرصة تحسس الفراغات في عمل القوِى العسكرية في المنطقة، والتي تقوم واشنطن، بملئِها.
"العُصبة الصينية"؛ في البرلمان العراقي، والتي تشتغِلُ ببطّارية الأمن القومي الإيراني، تُحضِّرُ نَفسَها لدورٍ إضافي، مع شقيقاتِها الآسيويات مِنْ (باكستان، أفغانستان). هذا الدورُ الإضافي، المعروض إيرانياً للإيجار؛ هو: أن تعمل كـ شركة بلاك ووتر؛ السيئة الصيت، لتُعينَ استراتيجية "القوَّة العسكرية الناعمة" للصين.
سمسم المنافع الذي بشَّرت به العُصبة الصينية، موضوعٍ في قربةٍ مثقوبة، مِنَ الاتفاقات الحزبية المستقبلية؛ المحلَّية الطابع، أو لِنُقل رُشى أنيقة، مُغلَّفةً في الـ -Open contracts- إذ أنَّ هذهِ العقود المفتوحة، كانت فرصةً لرئيس الحكومة السابق، الفاقِدُ لوِقارهِ الشعبي، نتيجة أدائه مع ثورة أكتوبر، أراد تعويضِ أدائهِ المتواضع، بتحويلِ شخصِه، إلى خليفةٍ اقتصادي؛ بالجلوسِ على كُرسيُّ الاتفاقية الصينية. أمّا "العُصبة الصينية"، وأحزاب الإسلام السياسي؛ "الشيعية"، أرادت وكما يبدو، بعد أن فاجأتها قُبْلة "الدرونز"، بحقيقةِ غروبِها السياسي، في واشنطن، أن تُشرِق في بكين. بيتُ المال النفطي- الاتفاقية الإطارية مع الصين- سيكونُ حقيبة إسعافٍ مالي، لـ "العُصبةِ الصينية". بعدها؛ لن يُصيب الهُزال الاقتصادي، هذهِ العُصبة.. حتّى ينتهي شفطُ آخِر برميلٍ نفطي، مِنْ ضرعِ الأرض العراقية. بقي أن نُذكِّر الرئيس الصيني، أنهُ قد وعَدَ، إنَّ التسامح مع الفساد في مبادرة الحزام والطريق، سيكونُ صفراً (17)، وأن العراق الرسمي، المُستلب من طهران و واشنطن، عِراقٌ مُزيّف، لا صدى لهُ في ساحة التحرير.
المصادر:
(1)- [تحرير وانغ جنغ ليه، رؤية تحليلية لاضطرابات الشرق الأوسط، ص65].
(2)- [المصدر السابق، ص75].
(12)- [تحرير وانغ جنغ ليه، رؤية تحليلية لاضطرابات الشرق الأوسط، ص51].
(13)- [محمد حسن عبد السلام عبد ربة، الموقع الحبيس ومشكلاته الجيوبوليتيكية، ص4].
الروابط الإلكترونية:
(3)- http://b.link/deutsch21
(4)- http://visit.news/cnn3
(5)- http://pages.today/moth4
(6)- https://www.elfagr.com/3728127
(7)- http://burathanews.com/arabic/reports/362114
(8)- http://visit.news/azzaman3
(9)- http://pages.today/alsumaria3
(10)- https://www.investopedia.com/terms/i/infrastructure.asp
(11)- http://middle.reviews/china3
(14)- http://b.link/stream831
(15)- http://middle.institute/iran8
(16)- http://military.army/middle7
(17)- http://initiative.enterprises/belt7








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس