الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث عن عائشة: الفصل التاسع/ 3

دلور ميقري

2020 / 2 / 26
الادب والفن


تحت الصخرة الكبيرة، أين وقف حمو جمّو ينتظرُ الإشارة المطلوبة، رقد السهلُ الكبير بمزارع كرومه ومساكب حنطته. الامبراطور الروماني، جوستنيان الأول، بحَسَب روايات تناقلها سكان المنطقة جيلاً وراء جيل، كان يصيد في هذه المنطقة لما تجلت له السيدة العذراء على الصخرة كي تأمره ببناء دير يحمل اسمها. وهوَ ذا حمو جمّو، يقف على صخرة مقابلة للدير ويخال له أنه سيّد المكان بلا منازع.
أيقظه من هذه الفكرة مساعدُهُ، الذي هتفَ بنبرة منتصرة: " لقد سيطر الشبابُ على بوابة الدير، يا آغا ". العصابة، لم تكن تستعمل الدواب في التنقل؛ وذلك نظراً لنشاطها في منطقة وعرة. فما لبثَ أفرادها أن انزلقوا من المرتفع الصخريّ، ليهرولوا باتجاه الدير ويرتقوا من ثم درجاته العشوائية العديدة، وصولاً للبوابة. كانوا يعرفون طريقهم، طالما أنهم حلوا في عام أسبق ضيوفاً ثقلاء على المكان. هكذا ساروا بعدئذٍ في مجموعة واحدة، عابرين رواق طويل مسنود بأعمدة لها تيجان، يتقدمهم الزعيمُ، المكتسية ملامحه بالقسوة والسخرية في آنٍ معاً: كان يسعى إلى بناء الكنيسة، مؤملاً في وجود عدد كبير من النسوة المزينات بالحلي الذهبية، اللواتي حضرن لصلاة الأحد. كذلك كان آخرون يأتون من أجل التبرك بإيقونة العذراء، المعتقد أنها تشفي الأمراض بحيث أن المسلمين أيضاً آمنوا بكراماتها.

***
الأسقف، الذي عُرفَ على لسان العامّة في الشام ب " البطرك "، كان في منتصف الحلقة الرابعة من عمره، معتدل القامة وحنطيّ اللون، في عينيه الزرقاوين قلقٌ مقيم. كذلك اتسم باللطف كمعظم رجال الدين المسيحي، ولو أنه أكثر صرامة مع راهبات الدير والمناهز عددهن الأربعين. وكان لكل راهبة صومعتها الخاصة، وكذلك عملها اليوميّ؛ إن كان في الحياكة والتطريز أو بجني الحرير من دودة القز وتخمير النبيذ. الأسقف، كان يتناول أحياناً وجبة الغداء مع الراهبات، وفي خلال ذلك يُمكنه سماع شكاواهن ومطالبهن ومشاكلهن. في يوم اقتحام الدير من لدُن عصابة حمو جمّو، كان الأسقفُ في الكنيسة يُشرف على أمور الصلاة. وقد سمع مع الآخرين صوت الطلقتين، اللتين أعلنتا نبأ حضور قاطع الطريق.
" أيها البطرك الموقر، أطلب من رعيتك التزامَ الهدوء ريثما ننهي عملنا "، خاطبه زعيمُ العصابة عن قرب وهوَ يلوح بندقية في يده. كان الهرج قد ساد القاعة، كذلك أغميَ على بعض النسوة في أثناء سلب حليهن. فوراً بعد ذلك، تم اقتياد الأسقف إلى حجرته الكبيرة، الكائنة في ممر يؤدي إلى مزار الإيقونة المقدسة. هناك، أفهموا الرجل أنه جاء دوره كي يدفع الأتاوة للعصابة والتي دعوها " جزية "، ربما سخريةً به.
" أقسم بسيدنا المسيح أن خزينة الدير خاوية، كوننا ساعدنا المحتاجين ونحن في زمن الحرب والحصار "، قال راعي الدير لزعيم العصابة. ثم أستدرك كأنه تذكر شيئاً آخر: " علاوة على أن موسم الحصاد ابتدأ للتو، مثلما ترى "
" لا أرى، يا أبانا، إلا التذرع بحجج واهية "، رد حمو جمّو بنبرة شرسة. ثم التفت إلى رجاله، متسائلاً: " من لا يدفع الجزية، ما المطلوب منه عندئذٍ؟ "
" عليه أن يعلن إسلامه "، رد المعاون. فكّرَ الزعيمُ قليلاً وهوَ مطرق برأسه، ثم ما عتمَ أن رمق الأسقفَ بنظرة احتقار: " سمعتَ ما المطلوب منك، يا هذا ". بقيَ الرجل صامتاً، يفكّر بدَوره في طريقةٍ تخلصه من المأزق. لكن صبر زعيم العصابة كان قليلاً، وما لبثَ أن همزَ صدرَ الأسقف بفوهة البندقية: " هه، ماذا تنتظر؟ "
" أمرك يا آغا، ولكن كيفَ يُمكن للمرء أن يغدو مسلماً؟ "، رد الرجل قانطاً. اتسعت عينا قاطع الطريق دهشةً، قبل أن يلتفت إلى معاونه ليطرح نفس السؤال. هذا الأخير، غمغم وكان يكبت ضحكته: " ياو، قل له أن ينطق شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله! ". أعاد الزعيمُ كلمات مساعده بصوت عالٍ، كي يرددها الأسقف. ما أن فعل الرجل المطلوب منه، إلا وتعالت الضحكات والتعليقات من جانب أفراد العصابة. بيد أن زعيمهم بقيَ جامداً، وما عتمَ أن ظهرَ وميض الشر في عينيه مجدداً: " هل تظن، أيها الأبله، أنك بقادر على خداعي بمجرد نطقك تلك الكلمات؟ "، هتفَ في وجه الأسقف وقد أشهر خنجراً من وسطه. ثم تابع القول: " لن تكون مسلماً حقاً، إلا بعد أن تُختن! ".
في ذلك اليوم، ضج بر الشام كله بحكاية ختان بطرك صيدنايا، وما أسرع الخبر أن انتشر في المدينة أيضاً. اسم حمو جمّو، بات منذئذٍ على كل لسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج عادل عوض يكشف كواليس زفاف ابنته جميلة عوض: اتفاجئت بع


.. غوغل تضيف اللغة الأمازيغية لخدمة الترجمة




.. تفاصيل ومواعيد حفلات مهرجان العلمين .. منير وكايروكي وعمر خي


.. «محمد أنور» من عرض فيلم «جوازة توكسيك»: سعيد بالتجربة جدًا




.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR