الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب - اغتيال العقل- لبرهان غليون

عادل الزدغاوي

2020 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


قراءة نقدية في كتاب"اغتيال العقل؛ محنة الثقافة العربية بين السلطة والتبعية" لبرهان غليون.
"...كلما زادت ثقة الثقافة بنفسها ومبادئها الإنسانية عظم طموحها إلى السيطرة، وعكست هذا الطموح في رغبة متزايدة للتوسع المحمول على عقيدة تحرير الإنسانية وإنقاذها من العبودية أو البربرية..." غليون برهان.
يتحدث غليون في مسألة جدل الثقافة والهوية ويخلص في ذلك إلى أن وجود ثقافة محلية يعتبر نموذجا ثقافيا، وأن أي مجتمع يحمل ثقافات متعددة، ثقافة عالمة وثقافة عامية مجتمعية، كما يؤكد على أن لكل مجتمع ثقافة تميزه عن باقي الثقافات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتحدث عن ثقافة نموذجية، لكن طموح كل ثقافة وتطلعها-كما أوردنا في المقتطف أعلاه- لأن تصبح ثقافة عالمية، ومصدر كل القيم الإنسانية، يتطلب ابتلاع الثقافات الأخرى التي تعتبر ثقافات فرعية، وأعرض في نفس السياق التغيير الذي عرفته الإنسانية، من طغيان الثقافة الغربية خلال المرحلة العصرية، التي باتت تفرض ذاتها كثقافة تغذي الحضارة الإنسانية بالإكتشافات والإبداع العلمي والنظريات الجديدة، والوحيدة التي ما زالت تتطور وتنمو وتفتح امكاناتها وتنفتح على حريات وأفاق ومطامح إنسانية جديدة، لذلك بقيت مسألة التعددية تشكل-في نظره- نوع من العزاء لمواساة النفس وإخداعها للحصول على الحد الأدنى من الشعور بالرضى وقبول الذات، ولم تستطيع نتيجة ذلك(التعددية)أن تخرج إلى إطار الدراسة الموضوعية للعلاقات القائمة بين الثقافات، وتأثير بعضها على البعض، بذلك أصبحت الثقافة الغربية تمارس تأثيرات معقدة على جميع الثقافات وأن التعدد الثقافي لم يعد يستجيب لتحدي الثقافة الغربية. كل ما أشار إليه الأستاذ غليون يعد مقبولا نوعا ما، لكن ما أثار استفزازي كقارئ، هو أن كلامه هذا والمخاويف التي طرحها من جراء سيطرة الثقافة الغربية على صعيد العالم وعلى جميع مناحي الحياة، لم يشر فيها ولو مرة واحدة إلى الدور المماثل الذي لعبته الثقافة العربية في مرحلة معينة من مراحل التاريخ، كما أثارتني إشارته كذلك إلى أن منبع الصراع والتفاعل بين الثقافات هو طموحها المتزايد إلى تنصيب نفسها مادة صالحة لكل زمان ومكان، واعتبر أن الثقافة التي تقتصر على دورها المحلي تنغلق وتموت، غير أن ما أجهد فيه صاحبنا نفسه لتبرير كلامه وما استحضره من تحليل وتفسير ، لم يشر فيه أيضا ولو بإشارة طفيفة، إلى تأثيرات الثقافة العربية التي ازدادت ثقتها بنفسها لا سيما خلال القرنين 1و2 الهجري، وبالتالي ترجمت طموحها هذا إلى رغبتها في التوسع على حساب الثقافات الأخرى، تحت شعار تحرير الإنسان من العبودية والبربرية والوثنية"، وهو الأمر الذي أسقطها في موقف شبيه بموقف الثقافة الغربية التي تحدث عنها غليون، ويمكن أن نستحضر ها هنا نموذج شمال افريقيا التي حاولت بكل الطرق الاحتفاظ بثقافتها المحلية، رافضة كل محاولا الاستفزاز لتذويب هذه الثقافة وهذا التاريخ، لكن رغبة الثقافة العربية تحت مسمى "الدولة الإسلامية"، كان لها منطق آخر، وهو الشيئ أغفله غليون في حديثه، لست أدري هل سقط منه سهوا أم أنه تعمد ذلك، حيث أن النمط الثقافي الذي حاولت الثقافة العربية فرضه كنموذج ثقافي أصلح وأهم، ومصدر الإنسانية، لا يختلف من حيث الهدف مع الثقافة الغربية والتي ظل غليون يوجه لها كل الضربات وكل السهام.
يتضح اغفال غليون لطبيعة فرض النموذج الثقافي جليا مع الثقافة الأمازيغية، إذ عملت الثقافة العربية على طمس معالمها التي ظلت تشكل مقومات الحضارة، بغاية فرض نموذج ثقافي شبيه بنموذج شبه الجزيرة العربية، نموذج لا يمت بأية صلة للثقافة الأمازيغية ولا للواقع الأمازيغي في شيئ، ولا ينسجم مع طبيعة حياتها اليومية، مما أدى إلى نتيجة حتمية، من خلال رد فعل قوي تجلى في الرفض الكلي لهذه الثقافة، وهو ما اعتبر في نظر الكثير من المؤرخين العرب رفضا للرسالة الدينية، لكن الحقيقة غير ذلك تماما، ولا يمكن لأي أحد أن ينكر صفة التدين لدى عدد كبير من شعوب هذه المنطقة(شمال افريقيا)، فالذي لا يجب إغفاله أو تناسيه، هو أن فرض النموذج الثقافي العربي عن طريق ما سمي غصبا بالفتوحات الإسلامية، كان يعني ضمنيا ضرب الثقافة المحلية الأمازيغية عرض الحائط، وتحطيم جزء من حضارة عمرت طويلا، وضمها إلى ثقافة جديدة دخيلة تحت مسمى "الدولة أو الأمة الإسلامية"، مما يدفعنا إلى طرح تساؤلات عريضة في علاقتنا بصاحبنا غليون، ألم يكن الأستاذ وهو يستحضر الصراع الثقافي، على وعيه التام؟ ألم يكن مطلعا على واقع هذا الصراع بما يكفي؛ وهو ما نستبعده؟ ثم ألم يكن يدري أن ما تركته تأثيرات الثقافة العربية على هذه الشعوب(نقصد شمال افريقيا) وثقافتها كان كبيرا جدا، للحد الذي لا يطاق؟ طبعا لا يمكننا تأكيد هذ التساؤلات، ونحن نعرف غليون الباحث والمفكر الكبير، مما يجعلنا نقر بأنه -وغيره من المفكرين- تعمد وتحاشى الحديث عن هذا الأمر ليس إلا.
إن ردود الأفعال التي قامت بها شعوب المنطقة المعنية، كان أمرا عاديا جدا، بل كان من الضروري أي يكون، فكما أكد غليون على أنه من الضروري الاحتفاظ بالمقومات الثقافية العربية كميكانيزمات أساسية لتحقيق التوازن بين التراث والحداثة، فإن مرحلة "الفتوحات" كانت كذلك بمثابة المنبه الذي أيقظ الوعي الأمازيغي- ولو في صورته التقليدية- للقيام بمقاومة بعض القادة الذين تمادوا في تدنيس هذا الوعي وتكريس منطق التبعية، كما هو الشأن بالنسبة لموسى بن نصير وعقبة بن نافع، فلولا هذه الردود لما أصبحنا الآن نتحدث عن أمازيغي واحد في شمال افريقيا، ولما بقي أثر يذكر للثقافة الأمازيغية بما هي جزء من الحضارة، ولما عرفنا شيئا عن ثقافتنا الأمازيغية، فردود الفعل هذه شكلت حصنا منيعا للثقافة المحلية ودرعا لحمايتها من التأثيرات التي كانت ترغب في تذويبها. لا ينطبق هذا الأمر على الثقافة الأمازيغية فقط، بل يمكن أن نسقطه كذلك على الثقافات المشرقية الفارسية منها والتركمانية وغيرها من الثقافات التي شكلت مادة مغذية للثقافة العربية، وحتى لا نتهم بالتحامل على الثقافة العربية، فإننا نقول أن ما عاشته الثقافة العربية وهي تنهل من الإسلام وتعتبره مصدرا، لا يختلف عن نظيرتها، الثقافة الغربية التي جعلت من المسيحية منطلقا لفرض ذاتها، وفي علاقتها بالشعوب السلافية وفي تعاطيها مع الأقليات الأصلية في كل من أمريكا واستراليا وغيرها، لذلك يمكن القول أن الثقافة العربية والثقافة الغربية، انطلقتا من المعتقد كآلية لضمان الشرعية التاريخية وفرض الذات.
ملحوظة: هذه مجرد قراءة ووجهة نظر، قد تكون صائبة وقد تجانب الصواب.
ذ.عادل الزدغاوي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا