الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل -مرعي بن عمودي الكثيري- هو السبب؟

عبدالله المدني

2006 / 6 / 5
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


في مايو 2002 أعلن رسميا عن قيام جمهورية تيمور الشرقية الديمقراطية كأول كيان مستقل في الألفية الثالثة وسط احتفاء عالمي لم يغب عنه سوى أولئك الذين رأوا في الحدث مؤامرة صليبية وخطوة على طريق تفتيت الكيان الاندونيسي المسلم.

و في مايو 2006 تعود تيمور مجددا إلى واجهة الأحداث من بعد أربع سنوات توارت خلالها أخبارها ( عدا تلك المتعلقة بمفاوضاتها العسيرة مع استراليا لاقتسام ثروات النفط و الغاز المغمورة في المياه الفاصلة بين البلدين ) لكن في صورة ما يمكن وصفه بتباشير حرب أهلية وسط انهيار مؤسسات الدولة و تصاعد أعمال العنف و التخريب و التجاء السكان إلى الكنائس و مقار السفارات الاجنبية و ثكنات القوات الدولية طلبا للحماية و نزول القوات الاجنبية من استراليا و نيوزيلندة وماليزيا بهدف السيطرة على الأوضاع المنفلتة.

ولعل ما قاله رئيس البلاد و بطل الاستقلال " شنانا غوسماو " مؤخرا حول ضياع الحلم الذي أفنى التيموريون ربع قرن من الزمن و نحو 250 ألفا من أبنائهم في سبيل تحقيقه، يعكس مدى خطورة ما آلت إليه الأوضاع في هذه الدولة. فأن تعجز السلطات عن احتواء ما بدأ كتمرد محدود في مارس الماضي من قبل 600 عنصر من عناصر الجيش المكون من 1400 فرد على خلفية التمييز العرقي ضدهم كونهم من أبناء الإقليم الغربي غير الموثوق فيهم، و قبل أن تتطور الأمور سريعا بانضمام 70 بالمئة من قوات الشرطة المحلية و أعداد كبيرة من الشباب المحبط والعصابات المتنافسة إلى المتمردين، لهو دليل دامغ على هشاشة هياكل الدولة ومؤسساتها. هذا فضلا عن انه يعكس فشل الحكومة في احتواء ثقافة العنف التي تجذرت في المجتمع كنتيجة لربع قرن من الاحتلال العسكري الاندونيسي الذي مورست خلاله أعمال العنف والعنف المضاد ابتداء من عام 1975 حينما دفعت جاكرتا بقواتها لاحتلال المستعمرة البرتغالية السابقة بالقوة، الأمر الذي يؤكد مقولة أن الشعوب التي تلجأ إلى العنف المفرط في سبيل تحقيق غاياتها المشروعة ستجد نفسها بعد نيل مطالبها أسيرة لثقافة العنف.

في أسباب ما حدث، لا يمكن إغفال الانقسامات السياسية و الاحتقانات العرقية التي لئن ظلت شبه مكبوتة طوال فترة النضال من اجل الاستقلال، فإنها وجدت في فترة ما بعد الاستقلال فرصتها لتطل برأسها، خاصة في ظل وجود عوامل مساعدة مثل استشراء البطالة و الفساد الإداري و الخلافات داخل حزب فريتيلين الحاكم الذي يهيمن على 55 مقعدا من مقاعد البرلمان الثمانية و الثمانين، ناهيك عن إمكانيات الدولة المالية الضعيفة التي عجزت معها عن القيام بتنمية حقيقية سريعة، بل عجزت حتى عن الإيفاء بشروط الانضمام إلى تكتل آسيان الإقليمي التي من بينها وجود سفارات للدولة المعنية في كل دول المجموعة العشر. فميزانية وزارة الخارجية التيمورية في عام 2006 مثلا لم تتجاوز مبلغ خمسة ملايين دولار من اصل الميزانية العامة للعام نفسه و البالغ حجمها 230 مليون دولار، في الوقت الذي تحتاج فيه الوزارة إلى ضعف هذا المبلغ من اجل المشاركة فقط في أكثر من 600 اجتماع سنوي متعدد المستويات لمنظومة آسيان.

على أن العامل الأهم وراء فشل الدولة التيمورية يظل - بحسب بعض المراقبين – الطريقة التي أدار بها رئيس الحكومة المسلم من اصل عربي حضرمي " مرعي بن عمودي الكثيري " البلاد منذ عام 2002 ، و هي طريقة دفعت رئيس الحكومة الاسترالية جون هيوارد مؤخرا إلى وصفها بالفاشلة.

صحيح أن الكثيري ذو التاريخ الحافل بالجهود الدبلوماسية و الإعلامية لخدمة بلده أثناء فترة النضال من اجل الاستقلال، عد في نظر التيموريين بطلا لا يقل مكانة عن زميليه الآخرين رئيس البلاد غوسماو الملقب بنيلسون مانديلا الآسيوي و وزير الخارجية الحائز على جائزة نوبل للسلام خوزيه راموس هورتا. و صحيح انه بتاريخه النضالي الناصع صعد إلى المنصب الأعلى و الأهم في الكيان المستقل دونما اعتراض يذكر من الشعب أو الكنيسة بسبب عقيدته الدينية أو أصوله العرقية في بلد يدين 92 بالمئة من أبنائه بالكاثوليكية و تحظى فيه الكنيسة بدور فاعل. و صحيح انه استطاع مؤخرا أن يعزز مركزه في الحزب الحاكم بالتجديد له كأمين عام و بالتالي كرئيس للحكومة بأغلبية ساحقة. غير أن الصحيح أيضا هو أن شعبيته بدأت في التآكل بسبب ما قيل عن اعتماده نهجا تصادميا بدلا من النهج التوافقي، و لجوئه إلى سياسات مثيرة للجدل.

فهو في نظر قائد العسكريين المتمردين " غاستاو سالسينها " شخصية متعجرفة، عزلت نفسها عن هموم الجماهير و تسربت إليها النوازع الديكتاتورية، ودليله في ذلك أن الرجل كان أمامه نحو شهرين للبت في التظلمات التي رفعت إليه من بعض منسوبي الجيش، لكنه لم يكترث بها إطلاقا مما ساعد في اندلاع الاضطرابات. الدليل الآخر انه رد على المطالبين له بالاستقالة من منصبه كحل لإعادة الوئام بالقول انه مستعد لذلك حينما يتوفر في البلاد شخصية مؤهلة قادرة على الاضطلاع بمهام الحكم بصورة أفضل منه، مضيفا أن هذا الشرط غير متحقق حاليا. أضف إلى ذلك أسلوبه المثير للجدل في التصرف في حصة البلاد من إيرادات النفط و الغاز والمقدرة سنويا بنحو 560 مليون دولار، و التي لسبب ما يفضل الرجل إيداعه في المصارف الاجنبية كوديعة مقابل فوائد بدلا من استثمارها في التنمية و خلق فرص عمل للعاطلين.

و في مقابل تراجع شعبية الكثيري للأسباب المنوه عنها، ارتفعت أسهم غوسماو الذي يتعرض حاليا لضغوط قوية للتدخل و عزل رئيس الحكومة، رغم أن منصبه الرمزي في ظل النظام البرلماني القائم لا يعطيه مثل هذا الحق و يلزمه بالحياد التام، و إن كان الدستور يجيز له حل البرلمان و الدعوة إلى انتخابات جديدة. و لعل من المناسب في هذا السياق الإشارة إلى وجود دلائل على امتعاض غوسماو من سياسات الكثيري، منها ما قيل عن تعاطفه مع معارضي الأخير داخل الحزب الحاكم و البرلمان، و على رأسهم وزير الخارجية هورتا. و منها أيضا تعاطفه مع الأصوات المطالبة بالإتيان بالسفير التيموري الحالي لدى واشنطون و الأمم المتحدة خوزيه لويس غوتيريس كرئيس وزراء جديد.

في تفاصيل حالة الود المفقودة بين غوسماو و الكثيري، قيل أن الأول مستاء من السياسات الخارجية للثاني و التي تجلت في رفضه لمساعدات البنك الدولي المشروطة رغم حاجة البلاد إليها، و تقربه من النظام الكوبي و الأنظمة اليسارية الناشئة حديثا في أمريكا اللاتينية. إذ يعتقد أن غوسماو و هورتا لا يحبذان مثل هذه السياسات التي قد تضع بلادهما المتهالكة في مواجهة غضب الغرب، و يفضلان عدم استفزاز الأخير الذي لعب دورا لا ينكر في تحقيق استقلال البلاد، و إن كان صمته و دعمه لنظام سوهارتو في جاكرتا في السبعينات هما سبب احتلال الأخير لتيمور الشرقية.

و يقول " لورو هورتا " من معهد الدراسات الاستراتيجية في سنغافورة و المستشار الدفاعي السابق لحكومة تيمور، في تعليقه على نهج الكثيري الحاد بأنه ربما تأثر بطريقة إدارة الدولة في أفريقيا، لا سيما و انه عاش في موزنبيق و تنقل في جوارها أكثر من ربع قرن كلاجئي قبل أن يعود إلى وطنه منتصرا.

وجملة القول أن الكثيري، سواء صح ما قلناه أو كان مجرد كبش فداء لأخطاء الآخرين، يقف اليوم أمام معارضة متنامية لا تقتصر على من سبق ذكرهم، و إنما تشمل أيضا رأس الكنيسة الكاثوليكية، التي وجدت في أجواء الاحتقان الحالية فرصتها للرد على قرار اتخذه الكثيري في العام الماضي حول جعل التعليم الديني في البلاد اختياريا و ليس إجباريا.

خارج النص: من المعيب على كبريات صحفنا العربية الا تتأكد من اللفظ العربي لاسم مرعي الكثيري، فتكتبه تارة " ماري الخاطري" و تارة أخرى " ميري كاتيري".

د. عبدالله المدني
باحث و محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة: 4 يونيو 2006
البريد الالكتروني: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟


.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف




.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال


.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال




.. لإنقاذه من -الورطة-.. أسرة بايدن تحمل مستشاري الرئيس مسؤولية