الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض قضايا الإقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة الزراعي في السودان - الحلقة الثانية

صديق عبد الهادي

2020 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية




الحلقة الثانية

مشاكل ملكية وإستخدام الأراضي الزراعية في السودان
مشروع الجزيرة نموذجاً/
(*) موضوعة أو ظاهرة الإستيلاء على الأرض/
(*)الإختلاف حول مصطلح ومحتوى الظاهرة/

إن الإختلاف الأساس الذي يجب أن يؤخذ في الإعتبار فيما يخص التشريح الباطني لأي ظاهرة، دائماً وبشكلٍ عام، لا يكون حول المصطلح او التسمية وانما حول جوهر المفهوم ومحتواه، أي محتوى الظاهرة وجوهرها، وخاصة فيما يتعلق بالظواهر في حقل الإقتصاد السياسي، لأن المسالة في هذا الحقل وفي مجملها ذات صلة بالعلاقات وبالصراع الإجتماعي الناتج من والمترتب على نشاط الإنسان الإقتصادي.
ففيما يخص ظاهرة "الإستيلاء على الأرض" نجد ان الدول والمؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، لا تستخدم مصطلح "الإستيلاء على الأرض"، وذلك لما لهذا المصطلح من حمولة مفهومية نقدية ترمي في أقل مستوياتها إلى فضح الظاهرة، او كشف الجانب السلبي لها، وللنشاط المتعلق بالأرض وبحيازتها وبإستخدامها!. فعوضاً عنه فهي تميل إلى إستخدام مصطلحات مثل "الحصول الواسع على الأرض" “Large-Scale Land Acquisition)”, ، أو "تجميع الأرض" “Land Consolidation”، أو "تركيز الأرض" “Land Concentration”، "إن الحكومات والمؤسسات وحتى بعض منظمات المجتمع المدني تحبذ إستخدام هذه المصطلحات بدلاً عن "الإستيلاء على الأرض" “Land Grabbing” . إنها محاولة او تاكتيك لإخفاء الجوانب السالبة للاستيلاء على الأرض. ولكنها، مصطلحات تشير إلى نفس الموضوع او القضية".( )
جاء على موقع صندوق النقد الدولي أن الإستثمارات العابرة للحدود القومية او الحصول الواسع على الأرض (يسميه الناقدون له بالاستيلاء على الأرض) تقوم به الدول المتقدمة لاجل الحصول على الأرض الزراعية في البلدان النامية. فإذا ما تم تنظيمه بشكلٍ أفضل فإنه سيؤدي إلى تنمية إقتصادية طويلة المدى، وسيحدُّ من الفقر.( ) ويكاد أن يكون التعريف الذي يتبناه بنك التنمية الافريقي مطابقاً، حذو النعل بالنعل، لما يتبناه صندوق النقد الدولي بخصوص الإستثمار في الأرض، غير انه يضيف، "ولكن يمكن أن يُستخدم لخلق علاقة ذات مكاسب متكافئة للجانبين".( ) يقصد الإستثمار في الأرض.
تتكشف عند النظر المتأني فيما وراء كل ما تمَّ إستعراضه ملاحظة مهمة ومركزية ترتبط بنشاط "الإستيلاء على الأرض"، أهملتها التعريفات المذكورة حتى الآن. ملاحظةٌ يمكن إجمالها في السؤال، وما هو موقع قضايا حقوق الإنسان في هذه المصطلحات أو التعريفات، او بطريقة أخرى ما هو موقف هذه المصطلحات أو التعريفات من قضايا حقوق الإنسان المرتبطة والناتجة عن ممارسة نشاط الإستثمار في الأرض، أو بالأحرى نشاط الإستيلاء عليها، بواسطة الدول المتقدمة في البلدان النامية او المتخلفة؟!. جاءت الإجابة، بــ" أن هذه المصطلحات البديلة ضعيفة ومضللة كبدائل لمصطلح "الإستيلاء على الأرض"، وقد تم إستخدامها للتقليل من شأن التجاوزات في حقوق الإنسان ومن شأن المسئولية عنها".( )
وفي هذا الصدد كان بعض الباحثين أكثر تحديداً وإفصاحاٌ في الإشارة إلى الجوانب السلبية للظاهرة وإلى نتائجها الكارثية. أشار الباحث شاميوهو قاتاك قائلاً، "إن إستخدام مصطلح "الإستيلاء على الارض" في هذه الدراسة لا يعني او يشير إلى عدم القانونية، لان معظم الصفقات تمت بموافقة الحكومات. ولكنه يعني او يشير إلى الشروط المجحفة وغير العادلة التي تمت وفقها الصفقات، التي افتقرت لمشورة مجتمعات الفلاحين والسكان الأصليين".( ) والمثال الأوضح على ذلك قرار بيع الأراضي في مشروع الجزيرة الذي إتخذه مجلس الإدارة سراً، وأبطلته محكمة الطعون الإداربة لاحقاً، وذلك في يوم 11 يناير 2012، بمدينة ود مدني.
وقد ذهب نفس الكاتب في إشارة أوسع وأكثر تفصيل في نفس المنحى بالقول،"إن رغبة الدول الفقيرة المتزايدة في منح أرضها ليحصل عليها الآخرون كان لها تأثير عكسي على حق الغذاء وحق الاستقلالية. هذا بالاضافة لاستغلال الموارد الطبيعية والتي هي ملك للمجتمعات المحلية. ومن ضمن التأثيرات المباشرة: إخلاء الناس من الأرض التي ظلوا يستخدمونها لعقود من الزمن لأنهم لا يملكون ما يثبت ملكيتهم لها. حرمان السكان الاصليين والرعاة من الاستمتاع باستخدام الأرض، مما نتج وينتج عنه التناحر حول موارد المياه وتأمين الغذاء المتناقص. وبهذا فإنما يوصي التقرير بضرورة إشراك المجتمعات المحلية فيما يتعلق بالمفاوضات حول الأرض وذلك ضماناً للشفافية".( )
إن غياب الشفافية في صفقات "الإستيلاء على الأرض" تحتمه شروط وطبيعة تلك الصفقات نفسها. فالشروط في غالبها الأعظم تضع الأنظمة الحاكمة في مواجهة شعوبها، وبالرغم من إستعداد تلك الأنظمة للقيام بذلك إلا انها لا تفصح عنه. وفي هذا المقام نورد مثالاً كافياً ألا وهو مشروع إنشاء شركة تحت مسمى التعاون الزراعي بين السودان وتركيا، وذلك في أبريل 2014، والذي تم نشر إعلانه في الجريدة الرسمية التركية في 19 نوفمبر 2015، حيث تقوم شركات تركية بإستئجار اراضي زراعية في ستة مناطق في السودان تبلغ مساحتها 793 ألف هكتار (ما يعادل 1,942,850 أي ما يساوي 90% من مساحة مشروع الجزيرة، تقريباً). وسيكون الإستئجار لمدة 99 عام. ولكن ما هو أهم ومرتبط بتغييب المواطنيين عما يدور بخصوص أراضيهم، وبغياب الشفافية كذلك، هو أن السودان سيكون "مسئولاً عن حماية وحدة الأراضي المستثمرة والنظر في قضايا محتملة قد ترفعها أطراف أخرى تدعي الحق في الأراضي، إلى جانب حماية أمن المزارعين والعاملين".( ) بالطبع المقصودون هنا هم المزارعون والعمال التابعون للشركات الأجنبية!.
ومما هو جديرٌ بالإشارة إليه في تناول ظاهرة "الإستيلاء على الأرض"، ان القوى التي تقف ورائها لا تتشكَّل من مستثمرين أجانب وحكومات فقط، وإنما تضم أيضاً مستثمرين محليين وكذلك افراد من القطاع الخاص. فإبراز هذا الملمح مهمٌ للغاية لأنه ينطبق وبشكلٍ واسع على حالة "الاستيلاء على الأرض" التي جرت وما زالت تجري في السودان، وبل ان ما يلفت الإنتباه في الحالة السودانية الآن ان المشتثمرين المحليين والقطاع الخاص تمثلهم قوى إجتماعية جديدة أفرزتها وإرتبطت بها الدولة المركزية. وتلك القوى هي الرأسمالية الطفيلية الإسلامية (رطاس)، وطلائعها من الإسلاميين النافذين . وسنتوقف عند ظاهرة هذه الطبقة الطفيلية قبل نهاية هذا الباب، ومن ثم سنتوسع في تشريحها أكثر في باب خاص بها من الكتاب. (الباب الثالث، تحديداً).
إن التعريف الذي يتضمن هذا الملح او الجانب من ظاهرة "الإستيلاء" إلى جانب الملامح الأخرى، تقدمت به أحد المنظمات المعنية والتي عُرِفت بالدفاع عن حقوق المزارعين او الفلاحين، إذا كان على المستوى المحلي او العالمي. وتلك المنظمة هي منظمة "أيكو روراليس"، “Eco Ruralis”، ومقرها في جمهورية رومانيا. هذه المنظمة لم تقدم مساهمتها على المستوى النظري فحسب، وانما قامت وتقوم بخطوات عملية في مواجهة ظاهرة "الإستيلاء على الأرض". جاء تعريفها لظاهرة "الإستيلاء على الأرض" كما يلي:
"إن الإستيلاء على الأرض يمكن تعريفه على انه سيطرة (سواءٌ إذا كان ذلك من خلال التملك، الإيجار، التنازل، التعاقد، الحصحصة، أو عن سلطة عامة) على قدر من الأرض أكبر مما هو سائد ومتعارف عليه محلياً في التمليك، بواسطة أي فرد او جهة (إذا ما كانت عامة او خاصة،أجنبية او محلية)، وبأي وسيلة كانت، (قانونية او غبر قانونية)، بغرض المضاربة، الحصول على الفوائد، السيطرة على الموارد أو التعامل يإعتبار كل شيئ على انه سلعة، وذلك على حساب المزارعين ومصالحهم، والبيئة الزراعية، والإعتناء بالأرض، والغذاء والسيادة وحقوق الإنسان".( ) إنه لا أقل من الإتفاق مع هذا التعريف الموضوعي والشامل، والذي يمكن أن يعتبر دقيقاً ولحد كبير من زاوية الإقتصاد السياسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل