الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسوار والعدالة

سالم روضان الموسوي

2020 / 2 / 28
دراسات وابحاث قانونية


إن الأسوار هي كل ما يحيط بالشيء من بناء وغيره وتعتبر من وسائل التضييق على الناس واقترن اسمها بالسجون والغياهب والمنافي وكل ما ينغص العيش، كما إنها ترمز إلى العز والدلال لان من عناوينها الحلي الذهبية والفضية التي تكون على شكل دوائر تضعها المرأة في معصمها أو في ساقها للتجمل والتغنج والتدلل لكنها حتى في دلالتها الحسنة تبقى قيداً لا يرتضيه الشاعر إيليا أبو ماضي بقوله (أيّ شيء في العيد أهدي إليك ........ يا ملاكي، وكلّ شيء لديك؟ .. أسوار؟ أم دملجا من نضار؟ .... لا أحبّ القيود في معصميك) وهكذا تبقى الأسوار عنوان الحجب والتضييق وهي ملجئ كل ظالم حينما يبني سوراً يحجبه عن شعبه ويتستر به و يتمترس خلفه ويخلق من السور حداً بين عالمين (عالم الظالم وعالم المظلومين) وعلى مدى التاريخ نجد إن جميع الطغاة كانوا يبنون الأسوار والقلاع واستمر الحال إلى ما عليه الآن وبصيغ أكثر حداثة باستعمال التقنيات الرقمية الحديثة لخلق تلك الأسوار التي تمنع الحاكم أو المسؤول وتجعله في منأى عن الاتصال بالأفراد ، ولم يقتصر الأمر على الأنظمة الشمولية بل حتى على تلك الأنظمة التي تحمل عناوين الديمقراطية ، حيث ترى المسؤول المنتخب من الشعب وهو مندوبٌ عنه في إدارة شؤون البلاد، يضع الأسوار والموانع بينه وبين من انتخبه وينتقل من لحظة تسلمه المنصب إلى سيدٍ محاطاً بأفواج الحماية والحُجَّاب الذين يمنعون الناس عنه، ويمنعونه عن معرفة شؤون ناخبيه ويزينون له الأفعال حتى وان كان على خطأ ، وكان لهؤلاء الظلمة مبرر في بناء الأسوار والموانع، بأنها تمنع الأعداء وتحفظ الحياة من الاعتداء ومن أهم الشواهد سور الصين العظيم الذي لم يحمِ الدولة من الغزو، مثلما لم يحميها سورها العلمي والالكتروني الأمني من تفشي مرض (كورونا) ، ويشير احد المختصين في الأمن (الضابط المتقاعد رياض هاني بهار) إلى أن تاريخ الحمايات في العراق لم يكن بهذا الاتساع ويستشهد بالراحل عبدالكريم قاسم الذي كان معه سائق ومرافق واحد فقط، إلا إن فترة السبعينات شهدت اتساع بعدد الحمايات حتى وصلت إلى الأفواج القائمة الآن في العراق ويشير أيضاً إلى إن سبب ذلك هو الاختلال في التوازن النفسي الناجم عن القلق، والشعور المفرط بالذنب كما يعزيها إلى عقدة النقص وهي حالة لاشعورية سببها نقص عضوي أو نفسي أو شعور بتدني المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية فيؤدي بالفرد إلى أن يعوض ذلك لاشعورياً عن طريق المبالغة في طلب القوة والسيطرة على الآخرين، وتعتبر هذه الحالة من أسباب الظلم لان توفر مصادر القوة بين يديّ المرء الذي لا يملك مقومات العدل تؤدي به إلى الافتراء على الآخرين، مستنداً إلى هذه القوّة من مال ومنصب ووجاهة مزيفة يخلقها المنافقون من حوله، وحيث إن الظلم نقيض العدل لان من معاني الظلم هو الاعتداء على الناس وإيقاع الأذى بهم، وأخذ أموالهم وسلب ممتلكاتهم وسفك الدِّماء بالباطل، وإقصائهم ومصادرة حقوقهم، وان كان للمتنبي قول يرى في الظلم سجية في الناس والعدل استثناء عنها بقوله (وَالظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ ... ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ) إلا انه يعود ويستنكر ذلك الظلم لمن يتولى الحكم بقوله (من البَليّةِ عَذْلُ مَن لا يَرْعَوي .... عَن جَهِلِهِ وَخِطابُ مَن لا يَفهَمُ) لذلك فان الشريعة الإسلامية كان لها الاهتمام الواسع بالنهي عن الأذى وتحريم الظلم عن العباد واعتبر بعض الفقهاء إن العدل أصل من أوصول العقيدة، كما اعتبروا العدل وجوب على الحاكم وقال في ذلك الإمام علي (إِنَّ فِي اَلْعَدْلِ سَعَةً وَ مَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ اَلْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ) ، لذا نرى إن التسور والاحتماء بأسوار الحمايات لن تنجي الظالم من عقاب الله كما لن تنجيه من غضب الناس ، فإذا ظلم الحاكم أو أي مسؤول فان المظلوم إذا دعا عليه واشتكاه إلى الله لن يقف بينه وبين الله حائل أو سور أو مانع ويقول نبي الرحمة (ص) (اتقوا دعوه المظلوم وإن كان كافراً فإنه ليس دونها حجاب) ، وما يشهده العراق الآن من احتجاج وتظاهر ضد الفساد الذي يعد من ابرز عناوين الظلم ، فإننا نجد إن من يتحكم بمصير البلاد لم يلتفت بجدية إلى تضحيات الناس من شهداء وجرحى وتعطيل لمصالحهم بل نجدهم ازدادوا إيلاما بالناس عبر وسائل الظلم بكل مسمياتها الديمقراطية والقانونية وغيرها ، حيث نسمع بين الحين والاخر مسؤول يستهجن طلبات الناس بمحاسبتهم ويعتقد بأنه هو من يحاسب نفسه ولا يجوز لغيره أن يحاسبه حتى وان اخطأ بحقهم وظلمهم، وانعكست هذه النظرة على التشريع العراقي ونجد عدة تشريعات تمنح الحصانة للمسؤول من الخضوع إلى المساءلة وتضفي عليه القداسة وعلى أعماله الكمال والتمام، ومما ورثناه من سلوك الأنظمة الشمولية ما ورد في نص الذي ما زال نافذاً الوارد في المادة (10) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل التي تمنع القضاء من النظر في أعمال السيادة والتي جاء فيها الأتي (لا ينظر القضاء في كل ما يعتبر من أعمال السيادة) ويذكر إن المراسيم الجمهورية تعتبر من أعمال السيادة وهي وسيلة رئيس الجمهورية بممارسة مهامه، فإذا ما جارَ الرئيس بإصدار مرسوم معين فان القضاء الاعتيادي يمنع من النظر في أي دعوى طعن في هذا المرسوم، لذلك كان وما زال فعلهم في اتقاء هذه الغضبة الشعبية هو التحصن خلف الأسوار لكن لا يعلمون إن هذه الأسوار لن تنجيهم وكان عليهم بدل الاحتماء بالأسوار والحمايات أن يعدلوا في ما تولوا من مناصب، وان يكون العدل ديدنهم فان العدل أنجى لهم في الدنيا وفي الآخرة، وكما يقول الخليفة عمر بن عبدالعزيز حينما كتب له أحد الولاة يطلب مالاً ليسوّر مدينته فأجابه عمر (ماذا تنفع الأسوار؟ حصّنها بالعدل، ونقِّ طرقاتها من الظلم)
القاضي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي في الجمعية ا


.. موجز أخبار السابعة مساءً - الأونروا: غارات الاحتلال في لبنان




.. لبنانيون ولاجئون هجّرتهم الغارت الإسرائيلية يروون معاناتهم و


.. طلاب جامعة السوربون بفرنسا يتظاهرون من أجل غزة ولبنان




.. شاهد| دبلوماسيون يغادرون قاعة الأمم المتحدة بعد بدء خطاب نتن