الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعلنتُ عليك حربًا يا وجعي (الورقة الثامِنَة)

مزوار محمد سعيد

2020 / 2 / 28
الادب والفن


في كثير من لحظات الحياة، يقف الإنسان أمام ذاته مُحاسِبا، غير قادر على إدراك ما يحدث له وحوله، ليجد عقله غريبا وسط أمواج عاتية من التعقيدات، هي قدرة مفارقة تبتلع الجميع دون استثناء، لكنَّ الإنسان مكتوب له النجاة مِن نفسه كما اَعتقد، وغالبا ما ينجو هذا الكائن المرعب، حتى ولو كانت هذه النجاة ظرفية غير متجددة، حتى ولو كانت هذه الخاصية لحظية لا تعود، لكنَّها تقبع في مخزن الروح البشري، لتجد لها المنفذ الخاص فتعود للبروز، وكأنَّها العنقاء الخفية، دائما تُدير الحياة، لكنَّها لا تتجلَّى سوى في لحظات الجديَّة، حين يشعر الإنسان بالاختناق من كلّ شيء، حتَّى مِن نفسه، فهي تهبُّ على استحياء لإنقاذه، ليعبِّرَ عن ذلك المتنبِّي قائلا:
لم تلق هذا الوجه شمس نَهارُنا * إلاّ بوجه ليس فيه حياء
وبين كلِّ هذا التراكم الهام لقضايا الإنسان، فإنَّ الفرد يتعثَّر وهو يمشي على مسار طريقه المميَّز، تجده يحاول الجلوس بجوار القداسة، متَّخذا محراب العصمة دِرعًا واقيا، مبررا به زلاّته الكثيرة وأخطاءه المتنوِّعة، ولعلَّ أوضح طوق نجاة يتعلَّق به الإنسان، هو الظَّرْفُ الذي يمرُّ به، ليصبغه بالصعوبة، ويقدِّمه على أساس مهتز، يجعله يفقد بوصلات الزمن أكثر من حين، ويرميه في قاع آبار الانكسارات أحيانا أخرى، وعليه فإنَّ "الظروف مجرَّد سبب تافه نجعل منه نحن سببا قويًّا نبرر به أفعالنا غير المنطقية. وأفعالنا غير المنطقية هي مجرَّد ردود فعل تعكس في مرآة الواقع حجم الضعف الذي نرتديه في الفترة الصعبة التي نمرُّ بها حتى الآن" (مِن أقوال أسماء سنجاسني).
لا أفهم لما نعاني مِن الصعوبة؟ لما نهاب الصعب؟ هل الصعب هو القسوة؟ وهل نحن مجموعة خائفين مذعورين من كلِّ صعب (قاسي)؟
ينسى الإنسان أنَّه مولود مِن الألم الذي يخشاه، يخرج الجنين إلى الحياة تحت وَقْعِ صرخات أحبِّ مخلوق إليه، ألا وهي أمّه (الغالية)، ولادته تمثل كابوسا مِن آلام المخاض، لتنتشي بعدها الأمّ برؤية مولودها الجديد، ولا يهنأ بالها إلاَّ إذا سمعت صرخاته تدوِّي في الأرجاء، معلنا عن بداية حياته.
إذن الصعوبة يعتبرها الإنسان جزء مِن الألم، هي الأخت بالرضاعة للقسوة، وكلاهُما ينهلان مِن الألم لدى ذهنية الإنسان، لهذا يرى الفرد الأمور الصعبة كحمولات ثقيلة تذكِّره بالذي يخشاه منذ ولادته، وبمصادفته للصعوبة في حياته، هو يعيش لحظات ضدَّ إرادته، وكلُّ ما هو ضدَّ الإرادة هو صعبٌ لأنَّه مؤلِمٌ، يقسو على النفس، فبعض اللحظات "صعبة... لأنّه تحدث فيها أشياء غير التي كنّا نريدها" (مِن أقوال أسماء سنجاسني).
حتى ختام الحياة صعب، نعتبره كبشر مِن أصعب اللحظات رغم قدومه الحتميِّ إلينا، نجزع منه ونبكي بحُرقة عند فقدان الأقربين إلينا، رغم علمنا المسبق أنَّهم سيرحلون عن هذه الحياة آجلا أم عاجلا، نقيم مراسيم العزاء، معتبرين أنَّ تلك اللحظات، لحظات الفقد عبر الموت، مِن أعصب اللحظات في حيواتنا الغريبة.
كلّ ثانية يعيشها الفرد ثقيلة على الفؤاد صعبة المرور على الروح، كلَّ ما نحن متورطين فيه كأحياء يقتات مِن الصعوبة التي نمقتها ونحاربها، كمَن يحارب سبب وجوده واستمراره في طريق يعشقها لكنه يكره سبب بقائه في نطاقها.
لا يوجد في الحياة أمر سهل، السهولة مِن نسج الخيال الذي يعبث بصرامة العقل، وبسبب آليات العقل الذي يُلزمه بصناعة ضدِّ لكلِّ مرادف، فإنَّ هذه الآلة العقلية قد صنعت لنا ضدّ الصعوبة، ألا وهي السهولة، لكنَّها ليست مِن واقعنا، والدليل أنَّ لكلِّ حركاتنا وسكناتنا ثمن، وسواء كانت غالية أو غير ذلك، فإنَّ التفاوت في درجات غلاء تلك الفواتير الدنيوية التي نسددها، لا يعني إحلال السهولة مكان الصعوبة، فكلّ ما نقوم به صعب، لكنَّ الفرق في معايير قياس هذا الصعب، ودرجات حضوره في أيامنا فقط.

"كانت المعرفة العقلية في الرسالة الجزائرية، وهي أقدم نصٍّ للجزائري حول المسألة، هي بمثابة مجرَّد اعتقاد، إنَّها اعتقاد سليم ومستقيم، كما يقول القرصان، لكنّها في نهاية المطاف اعتقاد، وإذا قادتنا إلى الحقيقة، فإنَّها تقودنا إليها بشكل غير مباشر" (مزوار محمد سعيد، تودرومو القرصان، ص: 129)
© www.facebook.com/msmezouar








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب