الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض قضايا الإقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة الزراعي في السودان/ الحلقة الثالثة

صديق عبد الهادي

2020 / 2 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


بعض قضايا الإقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة في السودان/

الحلقة الثالثة
مشاكل ملكية وإستخدام الأراضي الزراعية في السودان
مشروع الجزيرة نموذجاً/

فئـــات تحت خطـــر الضـــرر/
إنه، وبالإضافة لما تضمنته التعريفات الواردة من نتائج سالبة لممارسة نشاط "الإستيلاء على الأرض" في البلدان النامية او المتخلفة، إذا كان بواسطة قوى مستثمرة خارجية او محلية، فهناك ثلاث فئات إجتماعية تقع تحت خطر الضرر المباشر لإنتشار هذه الظاهرة، أي ظاهرة "الإستيلاء على الأرض"، وقد أشار إليها كثيرٌ من الباحثين. وتلك الفئات المتضررة هي/
اولاً، فئة صغار المزارعين، الذين يتناقض الشكل الذي تقوم عليه ملكياتهم للارض، وهو شكل الحيازات الصغرى، مع شكل الملكيات التي يتمتع بها المستثمرون، وهو شكل الحيازات والمشاريع الضخمة أو الكبرى، وفي هذا الصدد مثلاً نجد أن هناك ثمانية دول فقط، وهي الصين، الإمارات العربية، كوريا الجنوبية، مصر، السعودية، المغرب، الأردن وسوريا تمتلك مشاريع في السودان تبلغ مساحتها ما يقارب مليونين فدان، أي 1,870,000 فدان.( ) وتلك مساحة تكاد تقارب مساحة مشروع الجزيرة.
إن هجمة المستثمرين على الأرض تهدد بخروج صغار المزارعين من النشاط الزراعي كمزارعين ليصبحوا عمالاً زراعيين في أرضهم التي كانوا يملكونها يوماً.
ثانياً، فئـــة النســــاء، إن النساء وكما هو معلومٌ وبشكل عام لا يتمتعن بحق ملكية الأرض كرصفائهن الرجال في البلدان النامية. وذلك لأنه لاحكومات الدول ولا المستثمرين يضعون إعتباراً لحقوق المرأة في الأرض، وقت تنفيذ صفقات الإستيلاء على الأرض وعند توقيع عقوداتها فيما بينهم. وفي كثير من الحالات يتم ذلك عن طريق التواطوء بين المستثمرين والأنظمة الحاكمة ممثلة في النافذين من مسئوليها، " أما التجربة المريرة الثانية والتي كان ابطالها الصينيون، فقد كانت في دولة "قامبيا" في غرب افريقيا ايضاً، حيث جاء الصينيون في العام 1975م بدعوى تطوير زراعة الارز!. تعاضد الصينيون وحكومة قامبيا في الوقوف ضد المواطنين وبتحديدٍ أدق ضد قطاعٍ مهم في المجتمع القامبي وهو قطاع النساء، حيث تمَّ حرمانهن من التمتع بملكية الأرض في المشروع محل التطوير، وحرمانهن بالتالي من كافة المزايا المتعلقة بالقروض والمساعدات المالية، بالرغم من حقيقة أن النساء في قامبيا كان يقع عليهن العبء الأكبر في الأعمال الزراعية. ولقد كان ذلك الحرمان للنساء، في التحليل النهائي، واحداً من ضمن الاسباب التي ادت لانهيار المشروع بعد خمسة سنوات فقط من بدايته".( )
ثالثاً، فئــــة الرعــــاة، إنه من المعلوم بان الزراعة والرعي هما حرفتان متلازمتان عبر التاريخ البشري، وبقدر دورهما الحاسم في تطور التاريخ فقد كانت كل منهما عاملاً مهماً في تطور الأخرى. وحين الحديث عن القطاع الزراعي يكون مفهوم ضمناً ان المشمول فيه هو شقه النباتي وشقه الحيواني، أي الرعوي، والذي أطلق عليه، محقاً، محمد إبراهيم نقد تعبيراً موحياً حين أشار إليه بــ "الوجه الآخر من علاقات الأرض"!.( )
إن ذلك التلازم بين الحرفتبن او النشاطين مازال سارياً، وخاصةً في البلدان النامية والمتخلفة. فلذلك يمسي تأثير أي عامل أو نشاط على أي منهما تأثيراً وبالضرورة على الآخر. وبالتالي فإن التأثير السلبي للإستيلاء على الارض والذي حاق بصغار المزارعين ينطبق ويجري بنفس القدر على فئة الرعاة. وقد يكون بشكلٍ أسوأ. فإذا كان سيتم "تغريب" صغار المزارعين بإنتزاع أرضهم وإلحاقهم بها كعمال زراعيين، فإن "تغريب" الرعاة يتم بإنتزاع مراعيهم ونفيهم عنها عن طريق تهجيرهم القسري خارج تلك المراعي لأجل البحث عن مراعي أخرى!. وبالمقارنة يكون ذلك تغريباً ،بوجهيه المادي و المعنوي، مؤلماً هو الآخر، بل وأكثر مرارةً وثقلاً!.
إن الحادث الذي جرى في عام 2009 للرعاة من قبيلة الماساي في منطقة "لوليوندو" في كينيا يقف دليلاً ناصعاً على النتائج الكارثية لانتشار ظاهرة "الإستيلاء على الأرض". إذ قامت الحكومة الكينية ببيع ومنح حق إستخدام أرض الرعاة الماساي لأحدى الأسر الحاكمة في دولة الإمارات العربية وذلك في عام 1992، كمنتجعات وحظائر لممارسة هواية الصيد. وبعد مقاومة إستمرت لأكثر من 17 عاماً تمَّ إخلاء المنطقة من سكانها الأصليين بطريقة بشعة ومزرية، صاحبتها خروقات فظة لحقوق الإنسان، "إنه، وعلى المستوى المحلي فقد أصدر معتمد الإقليم توجيهاته في اليوم الأول من يوليو 2009 لسكان القرى بإخلاء أرضهم، وعلى أن يتم ذلك في الثالث من يوليو 2009. إن التنفيذ البشع لعملية إخلاء مجتمعات الماساي قد خلق أوضاعاً من البؤس والفقر لا يمكن تصورها. تم حرق اكثر من 200 من المجمعات السكانية الصغيرة، وإغتصابٌ للنساء، وتُرِكَ اكثر من 3000 شخص مشرد بدون طعام، بل ويفتقدون لأبسط الإحتياجات الضرورية، هذا يالإضافة الى ترك اكثر من 50,000 رأس من الماشية دون مراعي او مواردٍ للمياه".( )
هناك فئة رابعة، يقع عليها ضرر كبير، وقد كان أن غفلها الباحثون، وهي فئة العمال الزراعيين، الذين يقوم على إستغلال قوة عملهم النشاط الزراعي في البلدان النامية، التي تنتشر فيها ممارسة نشاط "الإستيلاء على الأرض". وقد يقف السودان خير مثال لوجود فئة العمال الزراعيين، إذ أنهم يشكلون ثقلاً حقيقياً وسط قوة العمل المتوفرة فيه، إن كان ذلك في القطاع الزراعي المروي او المطري. إن التأثيرات السالبة التي تخضع لها بقية الفئات تنطبق أيضاً على فئة العمال الزراعيين، ولكن من جانب ومنظورٍ مختلف.
إنه، وفي سبيل تراكمٍ أسرع للرأسمال وذلك عن طريق تحقيق معدلات أعلى من الأرباح، أضحى المستثمرون في الأرض يميلون إلى نمط التوظيف العالي للرأسمال Capital Intensive عوضاً عن نمط التوظيف العالي للقوى العاملة Labor Intensive ، وذلك مما يعني وبالضرورة خلق جيوش جرارة من العاطلين عن العمل، حيث ينضم العمال الزراعيون إلى قطاع صغار المزارعين، الذين جردهم غول "الإستيلاء على الأرض" من ملكية أرضهم ولفظ بهم إلى حيث يجب أن يكونوا، أي إلى جانب العمال الزراعيين!. هذه صورة مرعبة ولكنها واقعية كأحد النتائج المنطقية والمتوقعة لانتشار ظاهرة "الإستيلاء على الأرض"، التي تستهدف الدول النامية والمتخلفة في عصرنا هذا.
التناقض الأساس المصاحب للظاهرة/
إن ما تسمى بحالة التناقض الأساس، وبشكل عام، تكاد ان تكون حالة ملازمة لكل ظاهرة وجودية، مثلاً أن مسالة أو حالة فقر الغالبية أو السواد الأعظم في المجتمعات غالباً ما تكون متلازمة، إذا إستثنينا الكوارث، بإستئثار أقلية طبقية بالموارد الإقتصادية التي تخص المجتمع بأكمله. وكذلك الحال في تفشي العطالة المربوط يإنهيار الإقتصاد، نتيجة سيادة مناخ الفساد وسوء الإدارة وغياب الديمقراطية ومن ثم هيمنة فئة طبقية محدودة، مُشَكِّلةً بهيمنتها تلك وبتراكم ثرواتها عاملاً أساساً لذلك الإنهيار. وبذا فإن الظاهرة تنتج نقيضها!. عليه، وقياساً على ما أوضحنا من أمثلة فإن التناقض الأساس المصاحب لظاهرة "الإستيلاء على الأرض"، هو أن غالبية البلدان التي تمَّ ويتم فيها "الإستيلاء على الأرض" تعتمد في توفيرها الغذاء لشعوبها على المعونات والهبات والإغاثات من الخارج!، وقد يكون ذلك الخارج في الغالب الأعم هو نفس الدول التي تقوم بالإستيلاء على أرض تلك البلدان!. كما وأنه قد تكون تلك "المعونات" هي نفس "الغذاء" الذي انتجه أولئك المستثمرون الأجانب "الخيرون" على ارض تلك الشعوب "الجوعى"!.
إن هذا التناقض المشين يفضح على المستوى العملي، وليس النظري وحده، دعاوي منظري "التنمية" وخطابهم حول إنصافية وعدل "صفقات الأرض" التي تتم في البلدان المتخلفة، والتي يعتبرونها “win-win game” أي ان الطرفين رابحان، أو كما يدعون!.
هذا التناقض يشكل، في إعتقادي، القانون العام الذي يحكم ويتحكم في وجود وفي سيادة ظاهرة "الإستيلاء على الأرض"، كشكلٍ جديد من أشكال إستغلال مقدرات وخيرات الشعوب الفقيرة في فترة "ما بعد الإستعمار الحديث".
على ضوء هذه الحقيقة والخلفية المطولة التي بذلناها لأجل التوضيح، يأتي تناولنا لقضية "مشاكل ملكية وإستخدام الأراضي الزراعية في السودان". وهي حقيقة كما وضح أنها مخيفة. ولكن، وبقدر ما أنها تزيد من تعقيد تلك المشاكل، إلا أنها تحفز وتعطي دافعاً حقيقياً لأجل التصدي المسئول والواعي، ومن ثم لبذل المساهمة التي لا غنى عنها لأجل حلحلتها. والمساهمة المعنية في التصدي لقضية ملكية الأرض يكمن جزءٌ كبيرٌ منها في الإجابة عن السؤال الجوهري أدناه/
ولماذا أضحى الآن إمتلاك الأرض، وتمليكها محل إهتمام العالم؟!/

..............................يتبع..........................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة