الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايتي مع الرئيس مبارك

اسلام احمد

2020 / 2 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


كنت قد توقفت عن الكتابة منذ ديسمبر عام 2018 عازما على عدم العودة وهو ما شرحته في آخر مقال كتبته بعنوان (لماذا توقت عن الكتابة؟) ولكن حدث تاريخي مهم كوفاة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك يستحق الكتابة والتعليق عليه

لا أخفي عليكم أنني كنت أحب الرئيس مبارك أيام الصبا وكنت أحرص دوما على الاستماع إلى خطبه واستمتع بقراء المقالات التي كان يكتبها الأستاذ أسامة سرايا عنه في جريدة الأهرام , وهو ما قد يستغربه كثير من أصدقائي الآن فقد ولدت عام 1984 أي بعد ثلاث سنوات من تولي الرئيس مبارك الحكم عقب وفاة الرئيس السادات وقضيت فترة طفولتي وصباي في أيام التسعينيات وهي الأيام التي شهدت هدوء واستقرار كبير في كل شئ تقريبا , سياسيا لم تشهد تلك الفترة قلاقل سياسية من أي نوع اللهم إلا بعض الأحداث الإرهابية البسيطة التي قامت بها الجماعات الإسلامية مثل حادث الأقصر الشهير إذ كان النظام الحاكم قد تعلم من درس اغتيال الرئيس السادات ومن ثم بدأ يحكم قبضته على كل شئ فمن ناحية قضى على الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد الإسلامي وألقى بقياداتهم في السجون والمعتقلات ومن ناحية أخرى قام بتحجيم دور جماعة الإخوان المسلمين , صحيح أنه سمح لها بممارسة العمل السياسي ولكن راسما لها خط لا تتعداه , أما عن اليساريين فقد انتهى دورهم أصلا في عهد الرئيس السادات ولم يبق الا بعض الأحزاب مثل حزب التجمع والحزب العربي الناصري الذي أفرز حزب الكرامة فيما بعد , وهي أحزاب مسيسة تدور في فلك الدولة والنظام!

وخارجيا فقد شهدت تلك الفترة هدوء كبير أيضا إذ كان النظام قد نجح في إزالة الخلافات مع الدول العربية التي قاطعت مصر عقب زيارة الرئيس السادات إلى الكنيست وإبرام معاهدة السلام مع إسرائيل كما بدأ النظام يوطد علاقاته مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي تنازلت عن جزء كبير من الديون التي كانت مفروضة على مصر , والأهم أنه بدأ في تكريس علاقته بإسرائيل متخذا خطوات كبيرة نحو التطبيع معها , وبشكل عام اتسمت سياسة الرئيس مبارك الخارجية بالعقل والحكمة في التعامل مع كل الملفات

واقتصاديا فقد عاصرت حكومة الدكتور عاطف صدقي رحمه الله ومن بعده حكومة كمال الجنزوري وهي حكومات لم تحقق نجاحات اقتصادية كبيرة ولكن في نفس الوقت استطاعت أن تضع الاقتصاد المصري على بر الأمان لاسيما بعد أن تخلصنا من مشكلة الديون التي ورثها النظام من الرئيس السادات فقد شهدت تلك الفترة معدلات معقولة للنمو واستقرار نسبي في الأسعار فضلا عن ثبات سعر الدولار مقابل الجنيه المصري , الأمر الذي مكن الطبقة المتوسطة التي أنتمي إليها من التعايش بل والارتقاء إلى مصاف الطبقة العليا في بعض الأحيان

وبعيدا عن السياسة والاقتصاد فان طفل نشأ في زمن التسعينيات لم ير في حياته إلا الرئيس مبارك وتربى على إعلامه والأغاني الوطنية التي تمجد الرئيس بطل حرب أكتوبر وصاحب الضربة الجوية فمن الطبيعي أن يقع في حب الرئيس مبارك! , فما الذي حدث وأدى إلى تبدل موقفي 180 درجة؟!

ما حدث أنني تخرجت من الجامعة عام 2006 , أي عقب انتخابات الرئاسة الصورية التي جرت عام 2005 وفاز فيها الرئيس مبارك بالطبع وعقب انتخابات مجلس الشعب التي أفرزت مجلسا يضم بعض المعارضين السياسيين ,والتي نجحت جماعة الإخوان في الحصول على 86 مقعدا فيها , وقد شهدت تلك الفترة تغيرات على جانب كبير من الأهمية إذ تولى الدكتور أحمد نظيف رئاسة الحكومة ومعه مجموعة من الوزراء الاقتصاديين الذين ينتمون إلى ما يمكن تسميته الليبرالية الحديثة وعلى رأسهم يوسف بطرس غالي ومحمود محيي الدين ورشيد محمد رشيد , والأهم أنه بدأ في تلك الفترة يبزغ دور جمال مبارك رئيس لجنة السياسات بالحزب الوطني الذي بدأ يتحكم في كل شئ ولديه مشروع و طموحات سياسية كبيرة ومعه مجموعة من رجال الأعمال المحتكرين والليبراليين الجدد يساندون مشروعه في ظل تراجع كبير لدور الرئيس مبارك الذي كبر في السن ولدور مصر على الصعيد الخارجي!

تلك التطورات أفرزت نتائج خطيرة للغاية إذ مع تطبيق سياسة الخصخصة والاحتكار والانفتاح الاقتصادي ارتفع معدل النمو بشكل كبير جدا وصل إلى 6% ولكن لم يستفد منه إلا طبقة رجال الأعمال والمحتكرين بينما ارتفعت نسبة التضخم وحدثت زيادة كبيرة في الأسعار نتيجة احتكار رجال الأعمال لبعض الصناعات الثقيلة والمهمة , وبالتالي ارتفعت نسبة الفقر في المجتمع وبدأت الطبقة المتوسطة تنهار , باختصار حدث تفاوت طبقي رهيب وصارخ في المجتمع!

وحين تم تعديل المادة 76 من الدستور بحيث فصلت على مقاس جمال مبارك لم يعد هناك مجال للشك في أن ثمة مشروع لتوريث الحكم يتبلور وأن هذا المشروع إن كتب له أن يكتمل فسيعني استمرار ذات السياسات المشار إليها!

ولأن الرئيس مبارك كان قد صرح أنه سيظل في الرئاسة حتى آخر نفس في حياته , فقد بدا واضحا أن مشروع توريث الحكم لم يحسم بعد وأن ثمة صراع بين الحرس الجديد والحرس القديم حوله ناهيك عن موقف الجيش!

في سياق كهذا فقد كان من الطبيعي أن تشهد تلك الفترة حراكا سياسيا كبيرا كان أبرزه نشأة حركة كفاية 2005 ثم حركة 6 أبريل 2008 , وأخيرا الجمعية الوطنية للتغيير 2009 بقيادة الدكتور البرادعي , ومما ساعد على ذلك أن النظام قد سمح بهامش ديمقراطي كبير سامحا بنشأة كثير من الصحف والقنوات المعارضة لعل أبرزها صحيفة الدستور والمصري اليوم , الأمر الذي ساهم في نشر الوعي السياسي بين الشباب ومن هنا وفي خضم تلك التطورات تبدل موقفي تماما من الرئيس مبارك بعد أن تبين لي حجم فساد واستبداد النظام , ومن ثم بدأت كتاباتي السياسية ونشاطي السياسي الذي تكلل بثورة 25 يناير وسقوط النظام

الغريب أنه عقب تنحي مبارك عن الحكم يوم 11 فبراير 2011 والذي كان بلا شك انتصارا كبيرا لنا وغاية ما نتمناه إلا أنه انتابني شعور غريب بالخوف والقلق!

ولكم تمنيت لو أن النظام قد استجاب لدعوات التغيير التي أطلقناها أو أنه استجاب لبعض مطالب الثوار في أيام الثورة الأولى إذ لو حدث ذلك لكنا تجنبنا كثير من الأرواح والدماء ولدخلت مصر في مسار إصلاحي مختلف تماما عما صرنا إليه!

رحل مبارك تاركا إرثا ثقيلا ومع ذلك تعاطف معه كثير من الناس بعد أن ازدادت الأمور سوءا من بعده! , وفي النهاية يكفي أنه كان وطنيا لم يفرط في تراب الوطن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا