الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر بين صفقة القرن وسد النهضة و سياسة حافة الهاوية لترامب

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2020 / 2 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


في مقالٍ نشرته مؤخرا بعنوان "بدائل الأمن القومي المصري في ملف المياه/ أثيوبيا"؛ كشفت عن "النمط السياسي" الذي يتبعه دونالد ترامب في سياساته الخارجية مع دول العالم، وذلك وفق "دراسة حالة" لتعاطيه مع الملف الكوري والسوري والصيني والإيراني، وقلت صراحة أنه يتبع سياسة "حافة الهاوية" التي تعتمد على المزايدة والضغط المستمر على الخصم لاستكشاف المساحة والحد الأدنى الممكن له القبول به، ثم يعتمد ترامب هذا الحد كإطار استراتيجي في العلاقة مع هذا الطرف أو الخصم.

في العموم يعتمد دونالد ترامب "توجها سياسيا" يقوم على الهيمنة والخطاب "الامبراطوري" والواقعية النفعية الشديدة؛ مقدما خلطة بين المادية الرأسمالية والفكر الديني المتشدد المسيحي، واضعا نصب عينيه الانتصار للصهيونية ودولتها "إسرائيل" لما للصهيونية من مكانة في الفكر الديني المسيحي (البروتستانتي) السائد في أمريكا مع المستوطنين الأوائل القادمين من بريطانيا (منشأ التيار البروتستانتي بتمثلاته المتعددة)، حيث صرح ترامب منذ حملته الانتخابية بموقفه المعلن للانتصار للصهيونية فيما أسماه بـ"صفقة القرن".

فيما يخص مصر حذرت في مقالي السابق من أن ترامب يتبع معنا سياسته الخارجية القائمة على سياسة "حافة الهاوية"، في ملف المياه وأنه يربط بين الملف وبين الضغط على مصر لتمرير بنود "صفقة القرن" والإعلان عنها، خاصة بعد لجوء مصر لتدويل الملف ووضعه في يد أمريكا/ ترامب، ورأيت أن المؤشرات الصادرة عن الاجتماعات المنعقدة في أمريكا بمشاركة مصر وأثيوبيا والسودان وبحضور ممثل البنك الدولي ووزيرا الخزانة والخارجية الأمريكية؛ تقول بإن المفاوضات تسير وفق سياسة "حافة الهاوية" نفسها، وأن الضغط سيستمر على مصر حتى يكتشف فريق المفاوضين التابع لترامب الحد الأدنى الممكن القبول به عند المصريين، أو كسب الوقت بالمزيد من الضغوط لتمرير بنود صفقة القرن.

قلت أن البديل الوحيد المتبقى لمصر للعمل ضمن مفاهيم "الأمن القومي" هو اتباع سياسة "حافة الهاوية" ذاتها في مواجهة ترامب، لتغيير "أفق توقعه" للحدود الدنيا الممكن لمصر أن تتنازل عليها، ورسمت تصورا لهذا البديل القائم على المواجهة وأسميته الاستراتيجية "زيرو".
اليوم وليس ببعيد عما قلته في مقال الأسبوع الماضي؛ تطورت المؤشرات بوضوح أكثر لتؤكد على وجهة نظري وقراءتي للسياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب، التي تعتمد على الضغط المتواصل لحين اكتشاف نقطة الانكسار او التحول أمام الخصم، فقد حدثت الأسبوع الماضي ثلاثة متغيرات منفصلة لكنها متصلة بشدة للمدقق وفق سياسية "حافة الهاوية"، وفرض الهيمنة والتصورات الأمريكة للمنطقة العربية في العموم.

أول هذه المتغيرات كان خبر عابر لم يلتفت له الكثيرون، يتعلق بوصول لجنة أمريكية إلى أرض فلسطين المحتلة لإعادة رسم الحدود وفق اتفاقية صفقة القرن وبنودها، وظهرت بعض اللافتات التي تنص على ذلك في المناطق الفلسطينية بالضفة الغربية. المتغير الثاني كان إعلان وزير الخارجية الأمريكية فجاة بعد زيارته مؤخرا لأثيوبيا، أن التوقيع النهائي على اتفاق سد النهضة قد يستغرق عدة شهور. أما المتغير الأوضح كان إعلان الجانب الأثيوبي عدم مشاركته في جولة المفاوضات التي كانت مقررة بأمريكا نهاية الأسبوع الحالي.

ثلاثة متغيرات واضحة للغاية كاشفة عن نية الوساطة الأمريكية التي لجئت إليها مصر كبديل متصور للبحث عن حل، أو ربما رأى البعض –وفق تصوره- أنه يمكن إحراج أمريكا بإلقاء الكرة في ملعبها، لكن هذا البديل لم يقم على دراسة كافية للسياسة الأمريكية وشخصية دونالد ترامب، ومحاولة عمل تحليل "دراسة شخصية" (Profiling) متعمقة وفاحصة له، هذه المتغيرات الثلاث تؤكد على ضرورة الوعي بسياسة "حافة الهاوية" التي يعتمدها، وضرورة البحث عن بدائل أخرى لمواجهة ترامب في ملفي المياه وصفقة القرن، اللذان ربطهما ترامب معا في سياسته تجاه مصر كما هو واضح، خاصة وأن أمريكا سبق وحددت تاريخ جولة المفاوضات السابقة، في اليوم نفسه الذي كان مخصصا لإعلان صفقة القرن الشهر الماضي.

في البداية سأمر سريعا بأثر سياسة "حافة الهاوية" وتطبيقها على مستوى الأشقاء الفلسطينيين وملف "صفقة القرن" قبل العودة لبدائل الأمن القومي المصري، اتبع ترامب مع الملف سياسة "جس النبض" وتسريب الأخبار عن صفقة القرن، قبل أن يعلنها كاملة الشهر الماضي، وخطوة إرسال لجنة رسم الحدود هي البداية في سياسة "حافة الهاوية" التي سيتبعها مع الفلسطينيين، ليرى لأي حد يمكنهم التنازل، هو بالفعل يتعامل مع السياسة الخارجية بمفهوم الصفقات والمفاوضات المباشرة لكن من منطق المواجهة ومركز القوة، جسا لنبض الطرف الآخر ولأي مدى يمكنه أن يتنازل أو يقبل بالضغط. الأسقف المرتفعة التي وضعها ترامب في الصفقة هي لب سياسة "حافة الهاوية"، التي تفكك الثوابت الفلسطينية المتعلقة بالعودة إلى ما قبل عدوان 1967 وتفاهمات الهدنة ما بعد حرب 1948م، والطريقة الوحيدة الفعالة في التعامل مع سياسة حافة الهاوية هنا، هي إبقاء الوضع كما هو عليه أو العمل لتثبيت الوضع الراهن "Status quo"، والحركة "خطوة بخطوة" (Step by step) لمحو أي أثر تحاول أمريكا فرضه وفق بنود الصفقة، ومحاصرته قانونيا وفق الإجراءات الأممية والدولية المتبعة والممكنة، والبحث في البدائل السياسية التي تتفق مع مفهوم "الأمن القومي" الفلسطيني، والاسترشاد بالبدائل السياسية التي كانت مطروحة قبل اتفاقية أوسلو، وربما تغيير الأرضية السياسية تماما وطرح بدائل مغايرة للغاية، تتطلب الحشد الدولي والدعم العربي (او الحركة وفق أقل دعم ممكن ومحتمل).

أما المفاوض وصانع القرار المصري إزاء سد النهضة وملف المياه مع أثيوبيا، فعليه البحث عن "نقطة تحول" (Turning point) في المسار التفاوضي برعاية أمريكا، وطرح بدائل أكثر فعالية تتفق مع سياسة ترامب القائمة على المواجهة و"حافة الهاوية"، هذه البدائل تكاد كلها تصب في طريق واحد لن يفهم ترامب غيره، وهو طريق إثبات الجدية المصرية في الحفاظ على أمنها القومي المائي، وشن حملة دبلوماسية مكثفة داخل الاتحاد الأفريقي ودوله الرئيسية، وبقية دول العالم الفاعلة والمحتملة تكشف العدوان الأثيوبي، وتمهد لاحتمالية لجوء مصر للقوة الخشنة بعد إصرار أثيوبيا على سد الطريق أمام المفاوضات والقوة الناعمة، سيمر هذا البديل بإعلان مصر في "نقطة تحول" ما على المفاوض المصري العامل على الملف اختيارها، تعلن مصر عندها تجميد مفاوضات أمريكا لعدم تحقيقها الحد الأدني لمفاهيم "الأمن القومي" المصري صراحة، وتطالب إثيوبيا بوقف العمل الفوري في بناء السد والالتزام بالاتفاقيات الدولية والثنائية ذات الصلة.

حينها سيصر ترامب ويوجه إثيوبيا للرفض والتعنت واختبار مدى جدية الجانب المصري، وقدرته على الوقوف الخشن أمام ما يطرحه من تصورات وخطاب ناعم للأمن القومي المصري، لتكون لحظة الحقيقة التي لا مفر منها بتوجيه ضربة صاروخية محدودة الأثر للسد، وما قد يراه العسكريون الذين سيكلفون بالعلملية لازما لضبط رد الفعل الأثيوبي (كهدف ومحدد سياسي للضربة العسكرية وهذه نقطة محورية) بما قد يستدعي إذا رأوا ذلك، توسيع نطاق الضربة لتشمل أهدافا عسكرية أخرى تضبط رد الفعل الأثيوبي، وتضعه في الوجه الناعمة السياسية للجلوس بجدية على طاولة المفاوضات.

من ثم لتصل الرسالة واضحة لترامب والدولة الصهيونية، بأن سياسة "الصنبور المتحرك" والضغط على مصر من المستحيل أن تمر وفق الخطوط الحمراء للأمن القومي المصري، وكذلك لتصله الرسالة بأن مفاهيم "الأمن السياسي" التي زَينَ البعض بأن يكون لها الصدارة في التعامل مع ملف صفقة القرن، هي مجرد مرحلة عابرة، ستستعيد مصر بعدها مفاهيم "الأمن القومي" وتتحمل تبعاته. خاصة استعادة مصر لخطاب التأكيد على "الذات العربية" ومستودع هويتها، في مواجهة خطاب "الاستلاب" للآخر الصهيوني والغربي ودعاة الانسلاخ عن الذات العربية.

مصر تشهد لحظة مفصلية خطيرة للغاية ستحدد مسارها ومسار الأمة العربية لفترة طويلة مقبلة؛ إذا انتصر تيار مفاهيم "الأمن السياسي" والترويج لخطاب الاستلاب للآخر والصهيونية والانسلاخ عن الذات، وانسحق تيار مفاهيم "الأمن القومي" واستعادة خطاب "الذات العربية" وضرورة امتلاك متطلبات الدفاع عن "مستودع هويتها"، ورصف المسافة مع رصيد ومشروع الثورات العربية وتوظيفها كقوة ناعمة تضاف للأمن القومي المصري والعربي، فستكون الإدارة السياسية الحالية قد وقعت في أكبر أخطائها المفصلية، ووصلت بـ"دولة ما بعد الاستقلال" عن الاستعار الأجنبي لمحطتها النهائية، ولن يغفر لهم التاريخ أبدا عدم حسمهم للاختيارات الوجودية الكبرى المشكلة لوعي الأمة المصرية والعربية، في وقت أحوج ما تكون هي لذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا