الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاكراد والقيم الاثنية وطريق الشمولية

حسام مطلق

2006 / 6 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يستغرق الأكراد في إقليم كردستان العراق, خصوصا مدنيةالسليمانية, بشعور أثني عميق, يدفع المراقب إلى السؤال: هل هم في مرحلة التي اسماها ماركس بحاجة الإشباع القومي الذي تدرك بعده الأمم ارتباطها الإنساني؟. " أي أكل المحروم للتفاحة بعد التفاحة وصلاً للإشباع ومن ثم النبذ " أم هم يدخلون كما باقي الأمم المحتضرة في دوامة التطرف والجمود وصولا إلى النهاية؟.
هذا السؤال قد يبدو شديد الغرابة للقارئ ما لم يدرك أن الأكراد مازالوا يعيشون في القرن الثامن عشر حيث النقاش يدور حول وحدة الأصل او تنوع الأصول, مستسلمين إلى أنه في حال صح معتقدهم بتنوع الأصول فهم في رفعة الأمر منه كونهم آريون كما يكررون دون ملل .
ولعل اعتقادهم بانتمائهم إلى العرق الآري هو ما يدفعهم إلى تقديس الأشخاص, علهم يجدون هتلرا كرديا بينهم. متأخرين بذلك عن أمم متأخرة, كحال المصريين الذين يسقطون تمثال مبارك, فيما يتبارون هم في بناء النصب لألهه يزوجونها فيؤلهون أنسالها وهكذا حتى صرت تعتقد أنك في سوق عكاظ زمن الجاهلية حيث لا يباع التمر إلا بعد أن ينصع منه إلهاً.
فهم فرق متحمسة بعضها لهذا وبعضها لذاك . والإقليم من الناحية العملية إقليمان وفي كل قسم منه رؤوس تقتسم النفوذ فيه, وتحت عباءة تلك الرؤوس مراكز قوة لرجال يرتكز بعضهم على بعض في سلسلة لا يدركها إلا الله.
ليستقوي ايهم على من لاحول له ولا قوة بنفوذ من هو اعلى منه في سلسلة الولاءات, فمدير الأسايش " الحرس القومي " لأحد الأحياء قادر على أن يوجه لك رسالة تحذيرية, حادة وخطرة, بضرورة أن تنهي علاقتك بفتاة دون أن يوضح لك المخالفة القانونية في أن تعشق فتاة. وحين تسعى للدفاع عن نفسك يقال لك أنه مسنود من فلان, وفلانٌ هذا هو رجل فلانٍ آخر, وحيث أنه ينافس فلاناً غيرهم فإن المساس بهذا المدير هو إرباك للمنظومة بأسرها. مما يعني أن الأفضل هو أن تفر من المدينة, وإلى حيث لا نفوذ له أو لأصدقائه . أو أن تقبل بتركها والعيش بسلام, تماما كما كان الأغوات يفرضون على القرويين مضاجعهم.
إنه نموذج علاقات المسئولين في الأنظمة الشمولية بالمواطنين. فكما أن قيم الثورة أهم من الأخلاق والحرية الشخصية للمواطنين عنذ الثوريين, وبما أن خير من يمثل قيم الثورة هم المسئولون, وتحديداً الأمنيون منهم, فهنا أيضا حيث الاستغراق الأثني خير من يمثل مصالح العلية للأمة هو مدير الأسايش هذا .
ففي بلاد تغرق في الأثنية والتطرف يكفي أن تزايد ببضع جمل, في الغالب كاذبة, ولكن ذات ألفاظ قومية رنانة لكي تصبح بطلاً, فالعبرة ليست للعقل والمنطق ولا للأخلاق والنصوص القانونية إنما للاقصائية والتطرف.
هذه العلاقة بين الأثني والتطرف, بين الأثني وقتل الكرامة الإنسانية, بين الإثني والانتهازية, بين الإثني والديكتاتورية, بين الإثني وذبح الحب والمشاعر الإنسانية الجميلة, هي ذات العلاقة بين الشمولي والانحطاط والتطرف وقتل الكرامة الإنسانية وشيوع الانتهازية وتجريد الحالة الإنسانية من المشاعر الجميلة لحساب ما هو قبيح بشرط أن يكون شمولي .
ذلك أن الإثني المطلق يقود بالضرورة إلى الشمولي, ليكون الأمر أشبه بانتحار ذاتي لما يمكن أن يكون في بواطن الإثني المقيد من تنوع مفيد بدل أن يكون قتل عمد له من قبل الشمولي.لتظل النهاية واحدة ألا وهي اضمحلال المجتمع وركوده عن الإبداع بفقده للحرية, طوعا في الإثني وقهرا في الشمولي.
وبفقدان الحرية تنتهي النزعة الإبداعية لدى سواد المجتمع, فالعبقرية تحتاج إلى حضارة لتقرئها وهي ظاهرة لا يفهمها إلا المتحضرون, ومع شيوع الركود لا يبقى للمجتمع من وسيلة للدفاع عن نفسه سوى التطرف, بوصفه رد فعل غريزي وبدئي يحركه لاوعيه الجمعي تفاعلا مع احساسه بالفرادة والهشاشة في آن. الفرادة باختلافه موضوعيا عن باقي المجتمعات والهشاشة بضعف بنيانه الداخلي وعجره عن التواصل مع الآخرين كاستسلام للعدوانية التي تصبح سمة المجتمع.
ذلك أن التركيز على ما هو أثني ليس سوى صورة مشوهة , طبيعية وحتمية, لما هو في ضمنه شمولي, عبر تنصيب الموروث الثقافي الإقصائي الخاص بالمجتمع وتعينه كقيمة شاملة ونهائية, وذلك بغير وجه حق طبعاً. وهذا التعين هو سقطة في المحاكمة العقلية يرفضها الفلاسفة وأهل المنطق ومن في حكمهم فلا يحل الخاص آمراً على العام إلا أهلك أهله, تماماً كما لا يجوز تذويب الخاص بالعام حفاظاً على التنوع .
وأما تواصلياً فإن فعل ذلك يعني أن يمتلك أفراد المجتمع الشعور النهائي والحاسم بالحقيقية, كما الأصوليين والإنتحاريين, وهو ما يدفعهم إلى بذل أقل , هذا من جهة , ولكن من جهة أخرى فإن سيادة الركود والإقصاء والتطرف هي بذاتها نحر لما هو متنوع. والتنوع والحرية جناحا الإبداع وبغير الأجنحة تتساوى الديدان والنسور.
وليصبح هذا المجتمع عبارة عن فرد واحد يعتقد أن قيمه هي الأسمى فلا يحتاج بالتالي إلى البرهنة عليها ولا يقبل من الآخرين نقاشاً فيها. فالمساس بها مساس بما هو أثني, وعقوبته التخوين والنبذ . والنبذ عقوبة يخشاها الجميع, إلا من يسمون في عرف الجهلاء بالسفهاء. ليختزل المبدعون إبداعهم بتزين السائد, مؤسسين لعقلانية المديح عبر إقرار الدارج ولو كان باطلاً.
فهم بكتمهم الخاص المنوع لحساب السلامة اوكلوا المجتمع الى أعراف راسخة ولكنها هالكة ومهلكة مما يعني بالضرورة إبداعا أقل يسير فيه الأفراد عبر نفق يضيق ويضيق بتراكم المزايدات والممنوعات ومحظورات التخوين حتى يحبس الجميع أنفاسهم. فترى من له تاريخ في النضال بينهم مضطر الى اتخاذ مواقف تخالف قناعاته هروبا من التخوين, فهو سلاح فعال بين الجهلة ومحودي الوعيو وهؤلاء الجهلة ومحدودي الوعي هم القاعدة الإنتخابية التي يحرص القادة السياسين على ابقائهم في جهلهم ضمانا لأصواتهم. وشيئا فشيئا يصبح المجتمع صورة للمشدود أو الواقف على حبل, كل حركة قد تجعله ينتفض, حتى الدعابة تصبح قنبلة وتتطلب الكثير من التحليل والتفكير لمقاومة تغلغلها ومساسها بقيم المجتمع او احتمال تفسيرها لصالح تيار على اخر.
أقول هذا بالنظر إلى كثرة الذين اقتنعوا بضرورة مواجهة هذا المدير, وأن مواجهته هي في ذاتها واجب اجتماعي يتجاوز الحدود الشخصية, كون المطلوب تنفيذه هو انتهاك واضح وفاضح لقيم الحرية الشخصية ونبل العلاقات الإنسانية.
ولكنهم جميعا تراجعوا عن المساندة لأن من عليه ترك الفتاة التي يحب من أب عربي, والسند الاجتماعي والسلطوي لهذا المدير قوي, فالعلاقة في نهاية سوف توصف بـ"عربي يصادق فتاة كردية " إنها جريمة القرن الواحد والعشرين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط