الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متلازمة برنامج عمل حكومة أولمرت لحسم الصراع

عامر راشد

2006 / 6 / 6
القضية الفلسطينية


ترسيخ إسرائيل بحدودها التوسعية وتفكيك المشروع التحرري الفلسطيني
خروج شارون من الساحة السياسية الإسرائيلية أعطى أولمرت فرصة ذهبية لم يكن يجرؤ أن يحلم بها، وقد كان قد أعد العدة فعلاً لما يشبه التقاعد من الحياة السياسية الرسمية الإسرائيلية، لكن الأقدار وحدها دفعت الرجل الذي اعتاد الوقوف في الظل ليتبوأ دفة قيادة واحدة من أهم حكومات (دولة إسرائيل)، حكومة مؤتلفة سياسيا على برنامج حزب كاديما وخطته لترسيخ إسرائيل بحدودها التوسعية، على حساب قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية والقومية المشروعة، التي باتت مهددة بالضياع والتبديد، بفعل بروز مظاهر تفكك عناصر المشروع الوطني التحرري الفلسطيني . واستطاع أولمرت أن يملأ بسرعة قياسية الفراغ الذي أحدثه خروج شارون من الساحة السياسية، لأن خطوة الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة، التي قام بها شارون على طريق ما يسمى " خطة الفصل الأحادي مع الفلسطينيين"، مهدت لاستمرار تقدم الخطة في مراحلها اللاحقة، مع ملاحظة غاية في الأهمية، وهي أن أولمرت لا يستكمل تنفيذ الخطة من موقع البديل والوكيل، بل من موقع الأصيل فهو المهندس الحقيقي لخطة "الفصل الأحادي الجانب مع الفلسطينيين"، وشارون هو من تولى وضع ترجماتها على الأرض، وتأمين روافعها.
إن المشروع الذي تعمل حكومة أولمرت على تنفيذه هو الأخطر منذ إنشاء (إسرائيل)، فالهدف الأول الذي أعلنته حكومة أولمرت الائتلافية، وكما ورد نصا في بيانها هو " تصميم فصل جديد من حياة دولة إسرائيل"، وترجمة ذلك من خلال" العمل على تصميم الحدود مع الفلسطينيين في مفاوضات واتفاق مع الفلسطينيين، تجري على أساس الاعتراف المتبادل، الاتفاقيات الموقعة، مبادئ خريطة الطريق، وقف العنف ونزع أسلحة منظمات الإرهاب.. وإذا لم يتمكن الفلسطينيون من التصرف كما ذكر في الوقت القادم، فستعمل الحكومة حتى في ظل غياب المفاوضات واتفاق معهم، على أساس إجماع وطني واسع في إسرائيل، وتفاهم عميق مع أصدقاء إسرائيل في العالم"، ليكون ترجمة لبرامج الأحزاب المؤتلفة في الحكومة، التي تتفق من حيث الجوهر على رفض العودة إلى حدود 1967، والتمسك بضم الكتل الاستيطانية الرئيسية، والاحتفاظ بمنطقة غور الأردن، واستكمال بناء جدران الضم والفصل العنصرية، وشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة إلى ديارهم حسب ما ينص القرار 194، والحفاظ على الطابع اليهودي لدولة (إسرائيل)، والقبول بخطة خارطة الطريق الدولية مثقلة بالشروط الإسرائيلية عليها، وهو ما يفرغها من مضمونها وينسفها جذرياً، وفرض رسم الحدود التوسعية من جانب واحد في حال عدم موافقة الفلسطينيين على العودة إلى طاولة التفاوض بناء على الشروط والمطالب الإسرائيلية المشار إليها أعلاه.
الإسرائيليون في اندفاعهم لحسم الصراع لصالح تثبيت أطماعهم التوسعية يستندون من وجهة نظرهم إلى مجموعة من العوامل والمرتكزات أبرزها:
العامل الأول: الواقع الاستيطاني المستحكم في القدس وكتل الاستيطان الرئيسية، وما يخلقه من واقع ديمغرافي لا يمكن تجاوزه، بحكم ميزان القوى القائم ، الذي يسمح لإسرائيل بفرض ضم هذه المناطق، عبر استكمال بناء جدران والضم العنصرية بمسارها الراهن، لاقتطاع أكبر مساحة ممكنة من أراضي الضفة الفلسطينية، مع أقل عدد ممكن من سكانها وأصحابها الفلسطينيين (من 58ـ 60% من أراضي الضفة، 10% من أصحابها الفلسطينيين).
العامل الثاني: الدعم الأمريكي غير المحدود للسياسات الاستيطانية التوسعية الإسرائيلية، واتفاق واشنطن مع تل أبيب على الإثقال الإسرائيلي لخارطة الطريق، كما ورد في رسالة التعهدات التي قدمها بوش لشارون (14 نيسان/ أبريل 2004)، وبها نقلت به واشنطن رسمياً دورها من وسيط مفترض إلى طرف في الصراع،و مجاراة إدارة بوش للحكومة الإسرائيلية في تسويق أكذوبة "عدم وجود شريك فلسطيني".
العامل الثالث: غياب أي دور دولي أو إسلامي أو عربي فاعل في مواجهة السياسات الإسرائيلية المدعومة بموقف أمريكي منحاز لصالحها.
العامل الرابع: واقع حال الفلسطينيين الذين يعيشون في دوامة صراع داخلي، لا يبان حتى الآن أفق حله، بل وأكثر من ذلك، الأمور تسير نحو الأسوأ بعد النتائج التي تمخضت عنها الانتخابات التشريعية الفلسطينية، مهددة بتحول التناقضات الموضوعية بين القوى والفصائل الفلسطينية إلى تعارضات، إذا لم يتم معالجتها ستفتح على اقتتال دموي، وهذه ليست سابقة في التاريخ الفلسطيني، فلقد وقع ذلك في العام 1983.
والعامل الأخير والسيناريوهات التي قد تترتب على استمراره هو الأخطر لأنه يحمل خطر تفكيك عرى المشروع الوطني التحرري الفلسطيني، وعناصر القضية الوطنية الفلسطينية، وانقلاب فصائل العمل الوطني الفلسطيني على ذاتها، وهذا بالضبط ما تعمل من أجله (إسرائيل).
وهنا يجب أن يُبرَز الخلاف بين الفصائل والقوى الفلسطينية على مفهوم وأسس إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ـ بما هي الإطار القيادي والتمثيلي الموحد للفلسطينيين في الوطن والشتات ـ ليس بكونه خلافاً على محاصة للهيئات والمسؤوليات، بل على حقيقته من زاوية الاختلاف الجوهري على برنامج المنظمة الذي يجسد بشعاراته الثلاث(عودة ،تقرير المصير، دولة مستقلة) عناصر وأهداف المشروع الوطني التحرري الفلسطيني في آن، وهذا ما يجعل من إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية أزمة قائمة بذاتها، بدل أن تكون كما هو ضروري ومفترض مدخلاً لإعادة تصويب الأوضاع الفلسطينية، وتوحيدها في مواجهة الخطط والمشاريع الإسرائيلية.
وإذا كانت السياسات التي انتهجتها القيادة المتنفذة في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، التي هي ذاتها قيادة السلطة الفلسطينية، خلال السنوات العشر الماضية قد أدت بالفعل إلى إلحاق ضرر كبير بالمشروع الوطني التحرري الفلسطيني، بنزولها عن الحد الأدنى من برنامج الإجماع الوطني الفلسطيني، وقبولها بمفاوضات ثنائية غير محكومة بقرارات الشرعية الدولية، والتزامها بالحلول الجزئية التي تمخضت عنها (اتفاقيات أوسلو)، وفك ارتباط مسار المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية عن مسار المفاوضات العربية ـ الإسرائيلية، وتحويلها قضية اللاجئين إلى مجرد ورقة تفاوضية، وتهميش دورهم وقضيتهم، وإبداء استعداد ضمني للتعاطي مع الأطماع التوسعية الإسرائيلية تحت مسمى تبادل الأراضي، وتحويل دور فلسطينيي مناطق 1948 إلى مجرد وسيط ينقل الرسائل بين قيادة السلطة الفلسطينية والقيادة الإسرائيلية، فإن نهج المزايدة الذي تمارسه حماس وإن اختلفت الأهداف والمنطلقات سيؤدي واقعياً إلى ذات النتيجة التي تمخضت عن ممارسات القيادة الفلسطينية المتنفذة في سنوات أوسلو العجاف، لأنه يمنع عملياً العودة مرة أخرى إلى بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية على أساس برنامج الإجماع الوطني الفلسطيني، الذي يمنع تفكك المشروع الوطني التحرري الفلسطيني، والذي يمر الحفاظ عليه بالضرورة من مدخل تصويب أخطاء المرحلة الأوسلوية.
والطامة الكبرى أن قراءة متأنية لمواقف وسياسات حماس يمكن أن يُدرك منها أن قيادة الحركة لا تتلمس أهمية المحافظة على مركزية دور منظمة التحرير الفلسطينية القيادي والتمثيلي الواحد الموحِّد، وبرنامجها ومكتسباتها التي تحققت بأنهار من الدماء، وجبال من الشهداء، بذلها أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات والمناطق الفلسطينية المحتلة في العام 1948، ومواقف حماس تخلط بين برنامج المنظمة على حقيقته، وبين التشوهات التي ألحقتها به ممارسات القيادة المتنفذة الخارجة عنه. ويضاف إلى ذلك جملة من الملاحظات ما زال يلفها الغموض في برنامج حماس، وخاصة فيما يتعلق برفض فك الارتباط بين الضفة الفلسطينية والأردن، وهو موقف تتفرد به حماس دون باقي الفصائل والقوى الفلسطينية، علماً بأن ضم (إسرائيل) لأكثر من 58% من أراضي الضفة الفلسطينية يدفع مرة أخرى نحو عودة الخيار الأردني إلى الواجهة، لأن ما سيتبقى من الأراضي بيد الفلسطينيين لا يمكن أن تقام عليها دولة فلسطينية قابلة للحياة، وكاملة السيادة والاستقلال. وبرنامج حماس يسكت عن دور فلسطينيي المناطق الفلسطينية المحتلة في العام 1948 (الجليل والمثلث والنقب) في العملية النضالية، والمشروع الوطني التحرري الفلسطيني، وغني عن القول أن مؤشرات خطر مواقف حماس المعلنة، أو المسكوت عنها على حد سواء زادت بفعل الواقع الذي باتت تتبوأه حركة حماس في هرمية قيادة السلطة الفلسطينية.
ويزيد من تعقيد الحالة الفلسطينية أن غالبية القوى الديمقراطية واليسارية الفلسطينية حجمت دورها المبادر تاريخياً، تأثراً بالنتائج الضعيفة التي حققتها في الانتخابات التشريعية الأخيرة، علماً بأن أداءها السيئ وتشتتها وعدم تمايز مواقفها بالقدر الكافي عن القيادة المتنفذة في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وتقصيرها في مجال المقاومة المسلحة، وطريقة تعاطيها مع القضايا الحياتية والخدمية، هي الأسباب الرئيسية وراء نتائجها الضعيفة في الانتخابات، وهي اليوم مدعوة لحمل مسؤوليتها التاريخية في حماية البرنامج الوطني الفلسطيني، وتحقيق الإجماع الوطني الفلسطيني عليه مرة أخرى، حتى يكون بمقدور الفلسطينيين مواجهة مخططات حكومة أولمرت الهادفة إلى فرض الحدود التوسعية ( لإسرائيل)، وتوجيه ضربة قاصمة للمشروع الوطني التحرري الفلسطيني، الذي بدأ يترنح بفعل افتقاده لوحدة البرنامج والأدوات والأطر النضالية الواحدة والموّحدة. وقبل كل هذا وذاك على الفلسطينيين أن يوقف مقامرة اللعب على عامل الوقت، لأن الوقت لن يسير في صالحهم، إذا ما استمرت فُرقتهم، فالمشروع الإسرائيلي داهم ويدب حثيثاً على الأرض. وأخيراً ملاحظة لا بد من تظهيرها في السياق، وهي أن الفشل الذريع الذي لحق بقيادة السلطة الأوسلوية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية كان عادلاً ضرورياً من أجل تصويب الأمر، قبل أن يفعل المخطط الإسرائيلي فعله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملثمون يوقفون المحامية سونيا الدهماني من داخل دار المحامين ف


.. نبض أوروبا: هل حدثت القطيعة بين بروكسل ومالي بعد وقف مهمة ال




.. الأردن يُغلق قناة تابعة للإخوان المسلمين • فرانس 24


.. المبادرة الفرنسية و تحفظ لبناني |#غرفة_الأخبار




.. طلاب جامعة هارفارد يحيون الذكرى الثانية لاغتيال شرين على يد