الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض قضايا الإقتصاد السياسي لمشروع الجزيرة الزراعي في السودان...الحلقة الرابعة

صديق عبد الهادي

2020 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


(*) مشاكل ملكية وإستخدام الأراضي الزراعية في السودان
مشروع الجزيرة نموذجاً/
(*) موضوعة أو ظاهرة الإستيلاء على الأرض/
(*) ولماذا أضحى الآن إمتلاك الأرض، وتمليكها محل إهتمام العالم؟!/

يكاد أن يكون هناك إتفاق عام بين كل المدارس الفكرية، سوى كانت الإقتصادية منها او عداها، بأن أحد العوامل المزكية للحروب، تلك المنتشرة حول العالم، هو عامل إمتلاك الأرض وتملكيها، بل وقد يمثل ذلك العامل الأهم. وقد أصبح هذا الأمر محل الإهتمام والبحث والدراسة ليس من قبل البحاثة الأفراد وإنما من قبل الهيئات الدولية كذلك، وحيث توصلت جل تلك البحوث والدراسات إلى نفس النتيجة. وفي هذا المقام نود أن نشير فيما يلي إلى بعض الأمثلة التي تؤكد على ما ذهبنا اليه في شأن الصلة بين مشاكل ملكية الأرض وقضية إشتعال الحروب.
ففي أفغانستان، مثلاً، وهي أكثر الدول معاناة بسبب حروبها الأهلية الطويلة، وضح ان ازدياد التناحر على ملكية الأرض أصبح يحمل وجهين حيث يدخل كعامل في تزكية الحروب وإستمرارها، من جهة، ويمثل كذلك نتيجةً مترتبةً على إتساعها من الجانب الآخر. وفي هذا الصدد أشار مسئول البرامج في المعهد الأمريكي للسلام، بارماك باجواك إلى أنه ،"سيكون هذا هو الصراع الكبير المقبل في أفغانستان. ويشكل هذا الأمر خطراً كبيراً، لأن الصراع سيشمل جميع أنحاء البلاد، وسيكون حقاً خارج نطاق السيطرة".( )
وفي الحقيقة، أن الشيئ الذي فاقم من أمر الوضع في أفغانستان هو وجود عاملين آخرين خطرين، هما، الأول تكاثر وإنتشار "مافيا الأراضي"، والثاني، هو إنتشار السلاح. فهذان العاملان يمثلان ظاهرة طاغية الوجود في كل الدول التي تعاني من عدم الإستقرار نتاج الحروب الأهلية، وهي حالة تنطبق تماماً على ما يجري الآن في السودان.
وفي هذا الإتجاه من طرح الأمثلة الحية بصدد مشاكل الأرض، تقف منطقة جبال النوبة كواحد من تلك الأمثلة الشاخصة، حيث الصراع حول الأرض بين السكان الأصليين كطرف، ومجموعة تحالف الحكومات المركزية والمستثمرين الوافدين تحت حمايتها كطرف آخر. وفي ذلك كمنتْ وتكمنُ جذور الغبن الذي لم تكن الحروب الدائرة ولعقودٍ في المنطقة إن هي إلا مظهره الجلي، "توجد حوالى200 مشروعٍ للزراعة الآلية تمت مراجعتها بمنطقة هبيلا ، والتى أنشئت بتمويل من البنك الدولى ويدعمها البنك الزراعى التابع للدولة ، ولقد منحت الحكومة عقود إيجار أربع مشاريع تعاونية محلية، وأربع مشاريع لتجار محليين .. ومنح مشروع إيجار واحد لمجموعة من تجار هبيلا ، أما البقية والتى تبلغ 191 مشروعاً لقد منحت لأفراد من غير أهل منطقة جبال النوبة، معظمهم من التجار والموظفين الحكوميين والجنرالات المتقاعدين من القوات النظامية من شمال السودان والجزيرة."( )
وفي ذات الإتجاه ذهبت الباحثة "منى أيوب" إلى خطوة أبعد في التحليل الإقتصادي السياسي الموضوعي الذي يربط ما بين النتيجة والسبب او يربط الظاهرة بجذرها، إذ انها أعطت تفسيراً للعلاقة العضوية بين أهل جبال النوبة ونشاط المقاومة المسلحة، وخاصةً الذي تقوده "الحركة الشعبية لتحرير السودان" ضد النظام الذي كان قائماً والذي كان يحكم الدولة السودانية، أي نظام الإسلام السياسي، "وفي جبال النوبة، فإن نزع الأرض من النوبة وحيازتها بواسطة المستثمرين الوافدين كان أحد العوامل الدافعة من وراء إنضمام النوبة لحركة وجيش تحرير السودان SPLM/A".( )
وعند هذا المقام لابد لنا من أن نشير إلى حقيقة أن الإنسان في جبال النوبة، وكشأن كل الشعوب الأصيلة، لا ينفصل عن الأرض، فهو ملتصق بها دون إنفصام، فلذلك أن ما يحكم العلاقة بينه وبينها إرثٌ من تقاليدٍ راسخةٍ وأعرافٍ تليدةٍ، ضاربة في التاريخ.
إن الأرض في جبال النوبة معلوم إستخدامها وملكيتها، إمتدادٌ من سفح الجبل إلى حدود المجموعات الأخرى، وذلك من جبلٍ إلى جبل. وقد يحس الباحث ثقل الغبن الذي يحط على مواطني الجبال وهم يرون أرضهم تُهدى وتُباع وتُشترى، ليست لهم وإنما لسواهم!، وإن كانوا يُحرِّمون ذلك على انفسهم، "فالشاهد أن الأرض الطينية في عرف تقلي وعموم أهل الجبال لا تُباع ولا تُشترى. فهي تُعتبر امٌ محرمٌ أكل ثمنها. بإعتقاد أن الإنسان خُلِقَ من طينة الأرض. لذلك جاء تقديسها عند مواطن الجبال. فلم يرد عبر تاريخ تقلي أن أحداً ملك أرضاً بإستثناء أبناء الملوك عند زيانة شعر أحد منهم وقت الصغر، فتُسَمَّى أرضٌ بإسمه. فالأرض الطينية ملك القبيلة، ينظم إستعمالها شيوخ محددون مأذونٌ لهم دون سواهم بالتصرف في الأرض وفق تدابير من رئاسة المملكة".( )
إن العلاقة المقدسة بين الإنسان النوبي والارض في السودان ترجع لعصورٍ سحيقة، وهي سمة لا تقف عند الأرض وإنما تتعداها إلى ما تنتجه هي نفسها، إذ تكاد أن تشمله تلك القدسية أيضاً، فقد أشار محمد ابو سليم إلى ذلك وهو يتناول نوبيي الشمال في قوله، "المزارع النوبي كان يجد حرجاً قي بيع محصوله لأن البيع كان يعد عيباً".( ) فهذه العلاقة الفريدة المتميزة التي لا يتحكم فيها أمرٌ آخر بأقل من "التحريم" و"العيب"، يصبح من الصعب بمكان فضها او التجني عليها دون ان تترتب على ذلك نتائجٌ وخيمة العاقبة!.
عليه يبقى من الضروري، وفي معالجة قضاياها، التأكيد بحقيقة أن السلام لن يمر إلا عبر الأرض، ولن يتم إلا وفق تأكيد حق ملكيتها، كما ووفق حرية إستعمالها بواسطة أهلها الحقيقيين في الجبال. وليس الأمر بأقل منه في دارفور كذلك!.
إن الأرض في دارفور كانت هي محور التغيرات التي إنتظمت كامل المنطقة. إتسم الوضع الجديد، وخاصة بعد إستيلاء الحركة الإسلامية على السلطة في السودان، إتسم بإستغلال النفوذ وبالقمع وبالفساد المرتبط بجشع الإستثمار، والذي كان من ضمن نتائجه المباشرة إستعار الحرب، " إن الأراضي كانت تستخدم في السابق لغرضين الأول للسكن، والثاني للإكتفاء الذاتي من الزراعة، والمستفيد الأول هو المواطن، ولكن مع بداية نظام الانقاذ دخلت أغراض الإستثمار في الغابات والمزارع، ولحق بها التنقيب العشوائي والنفط، ولكن السلطات أدخلت الإستثمار عبر شركات أجنبية تستفيد من الأراضي وتُصدر الناتج، فتحوَّل مالك الأرض إلى مُستَخْدَم وليس مالك". ( )
والمفجع حقاً، أنه لم يتوقف الأمر عند حد أن يبقى الملاك الحقيقيين أجراء في أرضهم، وإنما تمت عملية إحلال أو بمعنى اكثر دقة تمتْ عملية إستيطان لمجموعات إثنية أخرى، وليزج على إثرها بالسكان الأصليين في معسكراتٍ للجوء داخل أرضهم!. وهنا نقف جميعاً لنشهد تكراراً مأساوياً لفصولٍ بائسةٍ من التاريخ الإنساني، بشكلٍ عام، وبشكلٍ خاص في تاريخنا الوطني الحديث. وذلك خاصة حينما نعلم المعنى الحقيقي للارض، "فإن القيمة المرتبطة بالأرض لا ترجع فقط لدورها في توفير أسباب الرزق، وإنما أيضاً لقيمتها الرمزية في تعريف المجموعة".( ) وفي مكانٍ آخر يضيف الكاتب محقاً، بشأن العروة الوثقى بين الناس والأرض، "أي انها أصبحت رمزاً لهوية المجموعة".( )
إنه، وبخصوص الصراع حول ملكية الأرض بشكلٍ عام، وفي دار فور التي وصل فيها الصراع إلى ما هو دموي بشكلٍ خاص، يرى الكثير من الباحثين والمهتمين بان البنية القانونية التي تمَّ تأسيسها بواسطة الأنظمة الحاكمة، وعبر فترات حكمها المختلفة في السودان، وخاصةً فيما بعد الإستقلال، قد لعبت دوراً كبيراً في دفع الصراع إلى ما هو أسوأ. إن قانون "الأراضي غير المسجلة" لعام 1970، الذي يعتبر كل الأراضي غير المسجلة في السودان هي أراضٍ حكومية ، و كذلك قانون "الإجراءات المدنية" لعام 1984، والذي يعطي حق الإنتفاع بتلك الأراضي المعتبرة حكومية، يُجمع الباحثون على أنهما وبتكاملهما يقفان وراء حقيقة نقل الصراع حول الأرض في دارفور ليأخذ هذا المسار الدموي، والذي كاد أن ينسف الإستقرار الإقتصادي والإجتماعي والسياسي لعموم السودان.
لا شك في أنه سيتم التوصل إلى حلٍ بخصوصه، طالما أصبح أهل دارفور جزءاً من الحل، وذلك بالرغم من الحقيقة الماثلة في أن آثاره ستظل باقية ومحسوسة لأجيال عديدة قادمة.
............... يتبع.......................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا