الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موروث الشجن السومري

سعد محمد موسى

2020 / 3 / 5
الادب والفن


من وراء أعذاق نخلة طفولة البرحي كنت أتأمل بصورة الارنب الهارب حين قفز خائفاً من غضب أبليس من الأرض الى وجه القمر الساكن في السماء، ثم شدني سماع حكاية من أحدى الجدات اللواتي كن يجلسن على حصائر سعف النخيل وهي تحمل بكفها الأيمن الذي يزينه الوشم جرة فخارية تحتوي على " النشوگـ" الذي يميل لونه الى دكنة الحناء ثم تقرب الجدة جرتها الصغيرة الى منخريها فتستنشقه بعمق وهي تغمض عينيها فشعر بنشوة خدر النشوگـ ، ثم تدير برأسها لرفيقاتها العجائز وتبوح بحسرة : أن طعم مياه الرافدين في الازمان الغابرة كان أعذب من حلاوة العسل لكن نواح وغزارة دموع الثكالى والأرامل فيما بعد على المصائب والنكبات بات مذاق الماء مالحاً في أنهر العراق فاتشحت النسوة الثياب السواد وبات موروث الاحزان المتجذرة والمستمرة منذ صراخ النادبات والناعيات السومريات وهنَّ يواسيّن عشتار على فقدان "تموز"
الى الملاّيات واللّطامات والمعزيات في ليالي عاشوراء الموحشة !!
وكأن قدر العراقيين أن تكون أرواحهم مسكونة بأشباح الاحزان والنكبات والمصائب منذ الازل.
وما كان نواح وغناء الابوذية في حلقات غناء "الكيف" في أعراس الجنوب "يعبرعلى الطيب ونيّنيّ " الا تواصل من مغني "كالا" السومري القديم الى مغني الابوذية الحالي لاسيما في الارياف والاهوار وهم ما أنفكوا يرددون مفردات الالم والتشكي التي توحي بالشجن والحسرة مثل: " ياويلي.. أحا بويه.. أحا منك زماني .. أنا الياويل .. أحو يا نار گـلبي.. ويلاه .. ويلاه .. وذباهم زماني" أنه الشجن السومري منذ خسارات وخيبات گـلگامش حين سرقت الأفعى منه عشبة الخلود ثم رجوعه الى أوروك التي مات ودفن فيها بعد رحلته الطويلة والمضنية فأقام شعبه سرادق الحداد وعم الحزن حول سور أوروك هناك.
الى مأساة الإله "تموز" ورحلة العذاب وبكاء وعويل قومه السومريين في مواكب كانت تجوب طرقات الوركاء تبدأ من شهر القحط والقيظ تموز حين ينزل المظلوم تموز قسراً الى عالم الاموات السفلي مودعاً الحياة حتى ظهوره مرة أخرى في بدايات الربيع.
يبدو أن السومريين حين أكتشفوا الكتابة الصورية والمسمارية
وحفروها فوق الالواح الطينية والصخور أرادوا أن يدونوا أحزانهم وشعرهم وعشقهم بشجنه الجنوبي الذي يلامس القلب وكي يبقى تردده الأجيال من أسلافهم في كل الحقب الزمنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟